Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 128-130)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما صاروا يعطفون اليتامى أموالهم ، وصاروا يتزوجون ذوات الأموال منهن ويضاجرون بعضهن ؛ عقب ذلك تعالى بالإفتاء في أحوال المشاققة بين الأزواج فقال : { وإن امرأة } أي واحدة أو على ضرائر . ولما كان ظن المكروه مخوفاً قال : { خافت } أي توقعت وظنت بما يظهر لها من القرائن { من بعلها نشوزاً } أي ترفعاً بما ترى من استهانته لها بمنع حقوقها أو إساءة صحبتها { أو إعراضاً } عنها بقلبه بأن لا ترى من محادثته ومؤانسته ومجامعته ما كانت ترى قبل ذلك ، تخشى أن يجر إلى الفراق وإن كان متكلفاً لملاطفتها بقوله وفعله { فلا جناح } أي حرج وميل { عليهما أن يصلحا } أي يوقع الزوجان { بينهما } تصالحاً ومصالحة ، هذا على قراءة الجماعة ، وعلى قراءة الكوفيين بضم الياء وإسكان الصاد وكسر اللام التقدير : إصلاحاً ، لكنه لما كان المأمور به يحصل بأقل ما يقع عليه اسم الصلح بنى المصدر على غير هذين الفعلين فقال مجرداً له : { صلحاً } بأن تلين هي بترك بعض المهر أو بعض القسم أو نحو ذلك ، وأن يلين لها هو بإحسان العشرة في مقابلة ذلك . ولما كان التقدير : ولا حناح عليهما أن يتفارقا على وجه العدل ، عطف عليه قوله : { والصلح } أي بترك كل منهما حقه أو بعض حقه { خير } أي المفارقة التي أشارت إليها الجملة المطوية لأن الصلح مبناه الإحسان الكامل بالرضى من الجانبين ، والمفارقة مبناها العدل الذي يلزمه في الأغلب غيظ أحدهما وإن كانت مشاركة للصلح في الخير ، لكنها مفضولة ، وتخصيصُ المفارقة بالطي لأن مبنى السورة على المواصلة . ولما كان منشأ التشاجر المانع من الصلح شكاسة في الطباع ، صوَّر سبحانه وتعالى ذلك تنفيراً عنه ، فقال اعتراضاً بين هذه الجمل للحث على الجود بانياً الفعل للمجهول إشارة إلى أن هذا المُحِضر لا يرضى أحد نسبته إليه : { وأحضرت الأنفس } أي الناظرة إلى نفاستها عجباً { الشح } أي الحرص وسوء الخلق وقلة الخير والنكد والبخل بالموجود ، وكله يرجع إلى سوء الخلق والطبع الرديء واعوجاج الفطرة الأولى الذي كني عنه بالإحضار الملازم الذي لا انفكاك له إلا بجهاد كبير يناله به الأجر الكثير . ولما كان هذا خلقاً رديئاً لم يذكر فاعله ، والمعنى : أحضرها إياه مُحضر . فصار ملازماً لها ، لا تنفك عنه إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى في قهرها عليه بتذكير ما عنده سبحانه وتعالى من حسن الجزاء ، ولما كان التقدير : فإن شححتم فإنه أعلم بها في الشح من موجبات الذم ، عطف عليه قوله : { وإن تحسنوا } أي توقعوا الإحسان بالإقامة على نكاحكم وما ندبتم إليه من حسن العشرة وإن كنتم كارهين { وتتقوا } أي توقعوا التقوى بمجانبة كل ما يؤذي نوع أذى إشارة إلى أن الشحيح لا محسن ولا متق { فإن الله } أي وهو الجامع لصفات الكمال { كان } أزلاً وأبداً { بما تعملون } أي في كل شح وإحسان { خبيراً * } أي بالغ العلم به وأنتم تعلمون أنه أكرم الأكرمين ، فهو مجازيكم عليه أحسن جزاء . ولما ذكر سبحانه وتعالى أن الوقوف على الحق فضلاً عن الإحسان - وإن كانت المرأة واحدة - متعسر ، أتبعه أن ذلك عند الجمع أعسر ، فقال تعالى معبراً بأداة التأكيد : { ولن تستطيعوا } أي توجدوا من أنفسكم طواعية بالغة دائمة { أن تعدلوا } أي من غير حيف أصلاً { بين النساء } في جميع ما يجب لكل واحدة منهن عليكم من الحقوق { ولو حرصتم } أي على فعل ذلك ، وهذا مع قوله تعالى : { فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة } [ النساء : 3 ] كالمختم للاختصار على واحدة . ولما أخبر سبحانه وتعالى بأن لا يخلو نكاح العدد عن ميل ، سبب عنه قوله : { فلا } أي فإن كان لا بد لكم من العدد ، أو فإن وقع الميل والزوجة واحدة فلا { تميلوا } ولما كان مطلق الميل غير مقدور على تركه فلم يكلف به ، بين المراد بقوله : { كل الميل } ثم سبب عنه قوله : { فتذروها } أي المرأة { كالمعلقة } أي بين النكاح والعزوبة والزواج والانفراد . ولما كان الميل الكثير مقدوراً على تركه ، فكان التقدير : فإن ملتم كل الميل مع إبقاء العصمة فإن الله كان منتقماً حسيباً ، عطف عليه قوله : { وإن تصلحوا وتتقوا } أي بأن توجدوا الإصلاح بالعدل في القسم والتقوى في ترك الجور على تجدد الأوقات { فإن الله } أي الذي له الكمال كله { كان غفوراً رحيماً * } أي محّاء للذنوب بليغ الإكرام فهو جدير بأن يغفر لكم مطلق الميل ، ويسبغ عليكم ملابس الإنعام . ولما كان من الإصلاح المعاشرة بالمعروف ، ذكر قسيمه فقال : { وإن يتفرقا } أي يفترق كل من الزوجين من صاحبه { يغن الله } أي الذي له صفات الكمال { كلاًّ } أي منهما ، أي يجعله غنياً هذه برجل وهذا بامرأة أو بغير ذلك من لطفه ، وبين منشأ هذا الغني فقال : { من سعته } أي من شمول قدرته وغير ذلك من كل صفة كمال ، ولمزيد الاعتناء بتقرير هذه المعاني في النفوس لإحضارها الشح ، كرر اسمه الأعظم الجامع فقال : { وكان الله } أي ذو الجلال والإكرام أزلاً وأبداً { واسعاً } أي محيطاً بكل شيء { حكيماً * } أي يضع الأشياء في أقوم محالها .