Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 165-166)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان معظم رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم بشارة ونذارة ، قال مبيناً أنهم مثله في ذلك كما كانوا قبله في الوحي ، لأن المقصود من الإرسال لجميع الرسل جمع الخلق بالبشارة والنذارة : { رسلاً } أي جعلناهم رسلاً ، ويجوز أن يكون بدلاً من " رسلاً " الماضي ، وأن يكون حالاً ، حال كونهم { مبشرين ومنذرين } ثم علل ذلك بقوله : { لئلا يكون } أي لينتفي أن يوجد { للناس } أي نوع مَنْ فيه قوة النوس . ولما كانت الحجة قد تطلق على مطلق العذر ولو كان مردوداً ، عبّر بأداة الاستعلاء فقال : { على الله حجة } أي واجبة القبول على الملك الذي اختص بجميع صفات الكمال في أن لا يعذب عصاتهم ؛ ولما كان المراد استغراق النفي لجميع الزمان المتعقب للإرسال أسقط الجار فقال : { بعد } أي انتفى ذلك انتفى مستغرقاً لجميع الزمان الذي يوجد بعد إرسال { الرسل } وتبليغهم للناس ، وذلك على أن وجوب معرفته تعالى إنما يثبت بالسمع ، وأما نفس المعرفة والنظر والتوحيد فطريقها العقل ، فالمعرفة متلقاة من العقل ، والوجوب متلقى من الشرع والنقل . ولما كان ذلك ربما أوهم أنه ربما امتنع عليه قبل ذلك سبحانه أخذ بحجة أو غيرها ، قال مزيلاً لذلك : { وكان الله } أي المستجمع لصفات العظمة { عزيزاً } أي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء ، فهو قادر على ما طلبوه ، ولكنه لا يجب عليه شيء ، لأنه على سبيل اللجاج وهم غير معجزين { حكيماً * } أي يضع الأشياء في أتقن مواضعها ، فلذلك رتب أموراً لا يكون معها لأحد حجة ومن حكمته أنه لا يجيب المتعنت . ولما لم يبق سبحانه لهم شبهة ، واستمروا على عنادهم ، أشار تعالى إلى ما تقديره : إنهم لا يشهدون لك عند اتضاح الأمر ، فقال : { لكن } أي ومع ما قام من البراهين على صدقك وكون كتابك من عند الله فهم لا يشهدون بذلك لكن { الله } أي الذي له الأمر كله فلا كفوء له { يشهد } أي لك { بما أنزل إليك } أي من هذا الكتاب المعجز الذي قد أخرس الفصحاء وأبكم البلغاء ، وفيه هذه الأحكام الصادقة لما عندهم وهم يريدون الإضلال عنها ، فشهادته ببلاغته وحكمته بصدق الآتي به هي شهادة الله لأنه قائله ، ولذلك عللل بقوله : { أنزله بعلمه } أي عالماً بإنزاله على الوجه المعجز مع كثرة المعارض فلم يقدر أحد ولا يقدر على إحداث شيء فيه من تغيير ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان ولا معارضة { والملائكة } أيضاً { يشهدون } بذلك لأنهم كانوا حضوراً لإنزاله وأمناء على من كان منهم على يده ليبلغه - كما قال تعالى : { فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم } [ الجن : 27 - 28 ] وهذا خطاب للعباد على حسب ما يعرفون . ولما كان ربما أفهم نقصاً نفاه بقوله : { وكفى بالله } أي الذي له الكمال كله { شهيداً } أي وكفى بشهادته في ذلك شهادة عن شهادة غيره ، وذلك لأنه أنزله سبحانه شاهداً بشهادته ناطقاً بها لإعجازه بنظمه وبما فيه من علمه من الحِكَم والأحكام وموافقة كتب أهل الكتاب ، فشهادته بذلك هي شهادة الله ، وهي لعمري لا تحتاج إلى شهادة أحد غيره .