Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 16-18)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر أمر النساء أتبعه حكم الرجال على وجه يعم النساء أيضاً فقال : { والّذان } وهو تثنية " الذي " وشدد نونه ابن كثير تقوية له ليقرب من الأسماء المتمكنة { يأتيانها منكم } أي من بكر أو ثيب ، أو رجل أو امرأة ، ويثبت ذلك بشهادة الأربعة - كما تقدم { فآذوهما } وقد بين مجمل الأذى الصادق باللسان وغيره آية الجلد وسنة الرجم { فإن تابا } أي بالندم والإقلاع والعزم على عدم العود { وأصحا } أي بالاستمرار على ما عزما عليه ، ومضت مدة علم فيها الصدق في ذلك { فأعرضوا عنهما } أي عن أذاهما ، وهو يدل على أن الأذى باللسان يستمر حتى يحصل الاستبراء ، ثم علل ذلك بقوله : { إن الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { كان تواباً } أي رجاعاً بمن رجع عن عصيانه إلى ما كان فيه من المنزلة { رحيماً * } أي يخص من يشاء من عباده بالتوفيق لما يرضاه له ، فتخلقوا بفعله سبحانه وارحموا المذنبين إذا تابوا ، ولا يكن أذاكم لهم إلا لله ليرجعوا ، وليكن أكثر كلامكم لهم الوعظ بما يقبل بقلوبهم إلى ما ترضاه الإلهية ، ويؤيده أن المراد بهذا البكر والثيب من الرجال والنساء تفسير النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فيما رواه مسلم والأربعة والدارمي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه " قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " فالحديث مبين لما أجمل في الآية من ذكر السبيل . ولما ختم ذلك بذكر توبة الزناة ، وكان الحامل على الزنى - على ما يقتضيه الطبع البشري - شدة الشبق وقلة النظر في العواقب ، وكان ذلك إنما هو في الشباب ؛ وصل بذلك قوله تعالى معرفاً بوقت التوبة وشرطها مرغباً في تعجيلها مرهباً من تأخيرها : { إنما التوبة } وهي رجوع العبد عن المعصية اعتذاراً إلى الله تعالى ، والمراد هنا قبولها ، سماه باسمها لأنها بدون القبول لا نفع لها ، فكأنه لا حقيقة لها . ولما شبه قبوله لها بالواجب من حيث إنه بها ، لأنه لا يبدل القول لديه ؛ عبر بحرف الاستعلاء المؤذن بالوجوب حثاً عليها وترغيباً فيها فقال : { على الله } أي الجامع بصفات الكمال { للذين يعملون السوء } أيَّ سوء كان من فسق أو كفر ، وقال : { بجهالة } إشارة إلى شدة قبح العصيان ، لا سيما الزنى من المشايخ ، لإشعار السياق ترهيباً بأن الأمر فيهم ليس كذلك - كما صرح به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البزار بإسناد جيد عن سلمان رضي الله عنه " ثلاثة لا يدخلون الجنة : الشيخ الزاني ، والإمام الكذاب ، والعائل المزهو " وهو في مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر " وهو عن كثير من الصحابة من طرق كثيرة ، وذلك لأن حضور الموت بالقوة القريبة من الفعل وإضعاف القوى الموهنة لداعية الشهوة قريب من حضوره بالفعل ، وذلك ينبغي أن يكون مذهباً لداعية الجهل ، ماحقاً لعرامة الشباب ، سواء قلنا : إن المراد بالجهالة ضد الحلم ، أو ضد العلم ؛ قال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : قال أبو عبد الله - يعني القزاز : والجاهلية الجهلاء اسم وقع على أهل الشرك يكون مأخوذاً من الجهل الذي هو ضد العلم والذي هو ضد الحلم , قال وأصل الجهل من قولهم : استجهلت الريح الغصن - إذا حركته ، فكأن الجهل إنما هو حركة تخرج عن الحق والعلم - انتهى . فالمعنى حينئذ : يعملون السوء ملتبسين بسفه أو بحركة وخفة أخرجتهم عن الحق والعلم , فكانوا كأنهم لا يعلمون - بعملهم عمل أهل الجاهلية الذين لا يعلمون ، وزاد في التنفير من مواقعة السوء والتحذير بقوله : { ثم يتوبون } أي يجددون التوبة . ولما كان المراد الترغيب فيها ولو قصر زمنها بمعاودة الذنب أثبت الجار فقال : { من } أي من بعض زمان { قريب } أي من زمن المعصية وهم في فسحة من الأجل ، وذلك كناية عن عدم الإصرار إلى الموت ، ولعله عبر بثم إشارة إلى بُعد التوبة ولا سيما مع القرب ممن واقع المعصية ، لأن الغالب أن الإنسان إذا ارتبك في حبائلها لا يخلص إلا بعد عسر ، ولذلك أشار إلى تعظيمهم بأداة البعد في قوله - مسبباً عن توبتهم واعداً أنه فاعل ما أوجبه على نفس لا محالة من غير خلف وإن كان لا يجب عليه شيء ، ولا يقبح منه شيء : { فأولئك } أي العظيمو الرتبة الصادقو الإيمان { يتوب الله } أي الذي له جميع صفات الكمال { عليهم } أي يردهم إلى ما كانوا فيه عندهم من مكانة القرب قبل مواقعة الذنب { وكان الله } أي المحيط علماً وقدرة { عليماً } أي بالصادقين في التوبة والكاذبين وبنياتهم ، فهو يعاملهم بحسب ما يقتضيه حالهم { حكيماً } فهو يضع الأشياء في أحكم محل لها ، فمهما فعله لم يمكن نقضه . ولما بين سبحانه المقبول أتبعه المطرود فقال : { وليست التوبة } أي قبولها { للذين يعملون السيئات } أي واحدة بعد أخرى مصرين عليها فسقة كانوا أو كفرة ، غير راجعين من قريب ، بل يمهلون { حتى إذا حضر } ولما كان تقديم المفعول - على وجه يجوّز كل سامع وقوعه عليه - أهول ، لكونه يصير مرتقباً حال فاعله ، خائفاً من عاقبته قال : { أحدهم الموت } أي بأن وصل إلى حد الغرغرة ، وهي حالة المعاينة { قال } أي بلسانه كفرعون ، أو قلبه { إني تبت الآن } فبين أن ما قبل الاحتضار قريب مع الترغيب في المسارعة جداً بالتعبير بقريب { ولا الذين } أي وليست التوبة للذين { يموتون وهم كفار } حقيقة أو مجازاً ، من غير أن يتوبوا ، ولا عند الغرغرة ، فسوى بين الفسق والكفر تنفيراً من الفسق لصعوبة النزع عنه بعد مواقعته ، ولذلك جمعهما في العذاب بقوله - جواباً لمن كأنه قال : فما جزاء هذين الصنفين : { أولئك } أي البعداء من الرحمة ، الذين لم يتوبوا إلا حال الغرغرة ، والذين ماتوا مصرين { أعتدنا } أي هيأنا وأحضرنا { لهم عذاباً } ولما كان تأخير التوبة لذة نفسانية ختم بقوله : { أليماً * } أي نعذب به الكافرين ومن شئنا من عصاة المؤمنين ، لأن توبتهم في تلك الحالة عدم ، والميت من غير توبة من المؤمنين في المشيئة .