Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 56-59)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أثبت لمن صد عنه النار علله بقوله : { إن الذين كفروا بآياتنا } أي ستروا ما أظهرته عقولهم بسببها { سوف نصليهم } أي بوعيد ثابت وإن طال معه الإمهال { ناراً } ولما كانت النار - على ما نعهده - مفنية ماحقة ، استأنف قوله رداً لذلك : { كلما نضجت جلودهم } أي صارت بحرّها إلى حالة اللحم النضيج الذي أدرك أن يؤكل ، فصارت كاللحم الميت الذي يكون في الجرح ، فلا يحس بالألم { بدَّلناهم } أي جعلنا لهم { جلوداً غيرها } أي غير النضيجة بدلاً منها بأن أعدناها إلى ما كانت عليه قبل تسليط النار عليها ، كما إذا صُغتَ من خاتم خاتماً على غير هيئته ، فإنه هو الأول لأن الفضة واحدة ، وهو غيره لأن الهيئة متغايرة ، وهكذا الجلد الثاني مغاير للنضيج في الهيئة { ليذوقوا } أي أصحاب الجلود المقصودون بالعذاب { العذاب } أي ليدوم لهم تجدد ذوقه ، فتجدد لهم مشاهده الإعادة بعد البلى كل وقت ، كما كانوا يجددون التكذيب بذلك كل وقت ، ليكون الجزاء من جنس العمل ، فإنه لو لم يُعِدْ منهم ما وهي لأداه وهيه إلى البلى ، ولو بلى منهم شيء لبلوا كلهم فانقطع عذابهم . ولما كان هذا أمراً لم يعهد مثله ، دل على قدرته عليه بقوله : { إن الله } أي الملك الأعظم { كان } ولم يزل { عزيزاً } أي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء { حكيماً * } ـي يتقن صنعه ، فجعل عذابهم على قدر ذنوبهم ، لأن عزائمهم كانت على دوامهم على ما استحقوا به ذلك ما بقوا . ولما ذكر الترهيب بعقاب الكافرين أتبعه الترغيب بثواب المؤمنين فقال : { والذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان { وعملوا } بياناً لصدقهم فيه { الصالحات سندخلهم } أي بوعد لا خلف فيه ، وربما أفهم التنفيس لهم بالسين دون سوف - كما في الكافرين - أنهم أقصر الأمم مدة ، أو أنهم أقصرهم أعماراً إراحة لهم من دار الكدر إلى محل الصفاء ، وأنهم يدخلون الجنة قبل جميع الفرق الناجية من أهل الموقف { جنات } أي بساتين ، ووصفها بما يديم بهجتها ويعظم نضرتها وزهرتها فقال : { تجري من تحتها الأنهار } أي إن أرضها في غاية الريّ ، كل موضع منها صالح لأن تجري منه نهر . ولما ذكر قيامها وما به دوامها ، أتبعه ما تهواه النفوس من استمرار الإقامة بها فقال : { خالدين فيها أبداً } ولما وصف حسن الدار ذكر حسن الجار فقال : { لهم فيها أزواج } والمطرد في وصف جمع القلة لمن يفضل الألف والتاء ، فعدل هنا عن ذلك إلى الوحدة لإفهام أنهن لشدة الموافقة في الطهر كذات واحد فقيل : { مطهرة } أي متكرر طهرها ، لا توجد وقتاً ما على غير ذلك . ولما كانت الجنان في الدنيا لا تحسن إلا بتمكن الشمس منها , وكانت الشمس تنسخ الظل فتخرج إلى التحول إلى مكان آخر ، وربما آذى حرها ، أمّن من ذلك فيها بقوله : { وندخلهم } أي فيها { ظلاً } أي عظيماً ، وأكده بقوله { ظليلاً * } أي متصلاً لا فرج فيه ، منبسطاً لا ضيق معه دائماً لا تصيبه الشمس يوماً ما ، ولا حر فيه ولا برد ، بل هو في غاية الاعتدال . ولما تقدم في هذه السورة الأمر بالإحسان والعدل في النساء واليتامى في الإرث وغيره ، وفي غير ذلك من الدماء والأموال والأقوال والأفعال ، وذكر خيانة أهل الكتاب وما أحل بهم لذلك من العقاب ، وذكر أنه آتى هذه الأمة الملك المقتضي للحكم ، وآتاهم الحكمة بعد جهلهم وضعفهم ؛ أقبل عليهم بلذيذ خطابه بعد ما وعدهم على امتثال أمره من كريم ثوابه بما ختمه بالظل الموعود على العدل في حديث " سبعة يظلمهم الله في ظله " فقال : { إن الله } أي الذي له صفات الكمال { يأمركم } أي أيتها الأمة { أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } أي من غير خيانة ما ، كما فعل أهل الكتاب في كتمان ما عندهم والإخبار بغيره ، والأمانة : كل ما وجب لغيرك عليك . ولما أمر بما يحق للإنسان في نفسه ، أمر بما يحق له في معاملة غيره ، وحقق لهم ما لم يكونوا يرومونه من أمر الملك بقوله بأداة القطع عاطفاً شيئين على شيئين : { إذا حكمتم } وبين عموم ملكهم لسائر الأمم بقوله : { بين الناس } وبين المأمور به بقوله : { أن تحكموا بالعدل } أي السواء بأن تأمروا من وجب عليه حق بأدائه إلى من هو له ، فإن ذلك من أعظم الصالحات الموجبة لحسن المقيل في الظل الظليل ، أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل " الحديث . ولما أخبرهم بأمره زادهم رغبة بقوله : { إن الله } معبراً أيضاً بالاسم الأعظم { نعمَّا } أي نعم شيئاً عظيماً { يعظكم به } وحثهم على المبادرة إلى حسن الامتثال بقوله : { إن الله } مكرراً لهذا الاسم الشريف ليجتهدوا في الترقي في طهارة الأخلاق إلى حد لم يبلغه غيرهم . ولما كان الرقيب في الأمانات لا بد له من أن يكون له من يد سمع وعلم قال : { كان } أي ولم يزل ولا يزال { سميعاً } أي بالغ السمع لكل ما يقولونه جواباً لأمره وغيره ذلك { بصيراً * } أي بالغ البصر والعلم بكل ما يفعلونه في ذلك وغيره من امتثال وغيره . ولما أمر سبحانه بالعدل ورغب فيه ، ورهب من تركه ؛ أمر بطاعة المتنصبين لذلك الحاملة لهم على الرفق بهم والشفقة عليهم فقال : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ، وبدأ بما هو العمدة في الحمل على ذلك فقال : { أطيعوا } أي بموافقة الأمر تصديقاً لدعواكم الإيمان { الله } أي فيما أمركم به في كتابه مستحضرين ما له من الأسماء الحسنى ، وعظم رتبة نبيه صلى الله عليه وسلم بإعادة العامل فقال : { وأطيعوا الرسول } فيما حده لكم في سنته عن الله وبينه من كتابه لأن منصب الرسالة مقتضٍ لذلك ، ولهذا عبر به دون النبي { وأولي الأمر منكم } أي الحكام ، فإن طاعتهم فيما لم يكن معصية - كما أشير إلى ذلك بعدم إعادة العامل - من طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطاعته من طاعة الله عز وجل ؛ والعلماء من أولي الأمر أيضاً ، وهم العاملون فإنهم يأمرون بأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . ولما أبان هذا الحكم الأصول الثلاثة أتبعها القياس ، فسبب عما تقديره : هذا في الأمور البينة من الكتاب والسنة والتي وقع الإجماع عليها ، قوله : { فإن تنازعتم في شيء } أي لإلباسه فاختلفت فيه آراؤكم { فردوه إلى الله } أي المحيط علماً وقدرة بالتضرع بين يديه بما شرعه لكم من الدعاء والعبادة ، ليفتح لكم ما أغلق منه ويهديكم إلى الحق منه { والرسول } أي الكامل الرسالة بالبحث عن آثار رسالته من نص في ذلك بعينه أو أولى قياس ، ودلت الآية على ترتيب الأصول الأربعة على ما هو فيها وعلى إبطال ما سواها ، وعلم من إفراده تعالى وجمع النبي صلى الله عليه وسلم مع أعلام أمته أن الأدب توحيد الله حتى في مجرد ذكره ، وأكد البيان لدعوى الطاعة بقوله : { إن كنتم تؤمنون } أي دائمين على الإيمان بتجديده في كل أوان { بالله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له { واليوم الآخر } الحامل على الطاعة الحاجز عن المعصية ، ثم دل على عظمة هذا الأمر وعميم نفعه بقوله مخصصاً رسوله صلى الله عليه وسلم : { ذلك } أي الأمر العالي الرتبة { خير } أي وغيره شر { وأحسن تأويلاً * } أي عاقبة أو ترجيعاً ورداً من ردكم إلى ما يقتضيه قويم العقل من غير ملاحظة لآثار الرسالة من الكتاب والسنة ، فإن في الأحكام ما لا يستقل عنهما قال : " نزلت هذه الآية { أطيعوا الله } في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي إذ بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية " يعني فأمرهم أن يدخلوا في النار .