Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 64-68)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وذم من حاكم إلى غيره وهدده ، وختم تهديده بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عنه والوعظ له ، فكان التقدير : فما أرسلناك وغيرك من الرسل إلا الرفق بالأمة والصفح عنهم والدعاء لهم على غاية الجهد والنصيحة ، عطف عليه قوله : { وما أرسلنا } أي بما لنا من العظمة ، ودل على الإعراق في الاستغراق بقوله : { من رسول } ولما كان ما يؤتيهم سبحانه وتعالى من الآيات ويمنحهم به من المعجزات حاملاً في ذاته على الطاعة , شبهه بالحامل على إرساله فقال : { إلا ليطاع } أي لأن منصبه الشريف مقتض لذلك آمر به داعٍ إليه { بإذن الله } أي بعلم الملك الأعظم الذي له الإحاطة بكل شيء في تمكينه من أن يطاع ، لما جعلنا له من المزية بالصفات العظيمة والمناصب الجليلة والأخلاق الشريفة كما قال صلى الله عليه وسلم " ما من الأنبياء نبي إلا وقد أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر " أخرجه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه . ولما كان التقدير : فلو أطاعوك لكان خيراً لهم ، عطف عليه قوله : { ولو أنهم إذ } أي حين { ظلموا أنفسهم } أي بالتحاكم إلى الطاغوت أو غيره { جاءوك } أي مبادرين { فاستغفروا الله } أي عقبوا مجيئهم بطلب المغفرة من الملك الأكرم لما استحضروه له من الجلال { واستغفر لهم الرسول } أي ما فرطوا بعصيانه فيما استحقه عليهم من الطاعة { لوجدوا الله } أي الملك الأعظم { تواباً رحيماً * } أي بليغ التوبة على عبيده والرحمة ، لإحاطته بجميع صفات الكمال ، فقبل توتبهم ومحا ذنوبهم وأكرمهم . ولما أفهم ذلك أن إباءهم لقبول حكمه والاعتراف بالذنب لديه سبب مانع لهم من الإيمان ، قال - مؤكداً للكلام غاية التأكيد بالقسم المؤكد لإثبات مضمونه و " لا " النافية لنقيضه : { فلا وربك } أي المحسن إليك { لا يؤمنون } أي يوجدون هذا الوصف ويجددونه { حتى يحكموك } أي يجعلوك حكماً { فيما شجر } أي اختلط واختلف { بينهم } من كلام بعضهم لبعض للتنازع حتى كانوا كأغصان الشجر في التداخل والتضايق . ولما كان الإذعان للحكم بما يخالف الهوى في غاية الشدة على النفس , أشار إليه بأداة التراخي فقال : { ثم لا يجدوا في نفسهم حرجاً } أي نوعاً من الضيق { مما قضيت } أي عليهم به ، وأكد إسلامهم لأنفسهم بصيغة التفعيل فقال : { ويسلموا } أي يوقعوا التسليم البليغ لكل ما هو لهم من أنفسهم وغيرها لله ورسوله صلى الله عليه وسلم خالصاً عن شوب كره ؛ ثم زاده تأكيداً بقوله : { تسليماً * } وفي الصحيح أن الآية نزلت في الزبير وخصم له من الأنصار ، فلا التفات إلى من قال : إنه حاطب رضي الله عنه . ولما كان التقدير : فقد كتبنا عليهم طاعتك والتسيم لك في هذه الحنيفية السمحة التي دعوتهم إليها وحملتهم عليها ، عطف عليه قوله : { ولو أنا كتبنا عليهم } أي هذا المخاصم للزبير رضي الله تعالى عنه وأشباه هذا المخاصم ممن ضعف إيمانه كتابة مفروضة { إن اقتلوا أنفسكم } أي كما كان في التوراة في كفارة بعض الذنوب مباشرة حقيقة ، وكما فعل المهاجرون بتعريض أنفسهم لذلك ثلاث عشرة سنة ، هم فيها عند أعداء الله مضغة لحم بين يدي نسور يتخاطفونها { أو اخرجوا } كما فعل المهاجرون - رضي الله تعالى عنهم - الذين الزبير من رؤوسهم { من دياركم } أي التي هي لأشباحكم كأشباحكم لأرواحكم - توبة لربكم { ما فعلوه } أي لقصور إيمانهم وضعف إيقانهم ، ولو كتبناه عليهم ولم يرضوا به كفروا ، فاستحقوا القتل . ولما كان كل كدر لا يخلو عن خلاصه ، قال : { إلا قليل منهم } أي وهم العالمون بأن الله سبحانه وتعالى خير لهم من أنفسهم ، وأن حياتهم إنما هي في طاعته ؛ روي أن من هؤلاء ثابت بن قيس بن شماس رضي الله تعالى عنه ، قال : أما والله ! إن الله ليعلم مني الصدق ، لو أمرني محمد أن أقتل نفسي لقتلها ! وكذا قال ابن مسعود وعمار ابن ياسر رضي الله عنهما ، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : والله لو أمرنا ربنا لفعلنا ! والحمد الله الذي لم يفعل بنا ذلك . ولا ريب في أن التقدير : ولكنا لم نكتب عليهم فليشكروا لنا ويستمسكوا بهذه الحنيفية السمحة . ولما كان مبنى السورة على الائتلاف وكان السياق للاستعطاف ، قال مرغباً : { ولو أنهم } أي هؤلاء المنافقين { فعلوا ما يوعظون } أي يجدد لهم الوعظ في كل حين { به لكان } أي فعلهم ذلك { خيراً لهم } أي مما اختاروه لأنفسهم { وأشد تثبيتاً * } أي مما ثبتوا به أنفسهم بالأيمان الحانثة { وإذاً لآتيناهم } أي وإذا فعلوا ما يوعظون به آتيناهم بما لنا من العظمة إيتاء مؤكداً لا مرية فيه . وأشار بقوله : { من لدنا } إلى أنه من غرائب ما عنده من خوارق خوارق العادات ونواقض نواقض المطردات { أجراً عظيماً * ولهديناهم } أي بما لنا من العظمة { صراطاً مستقيماً * } أي يوصلهم إلى مرادهم ، وقد عظم سبحانه وتعالى هذا الأجر ترغيباً في الطاعة أنواعاً من العظمة منها التنبيه بـ " إذا " ، والإتيان بصيغة العظمة و " لدن " مع العظمة والوصف بالعظيم .