Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 89-92)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أخبر بضلالهم وثباتهم عليه ، أعلم بأعراقهم فيه فقال : { ودّوا } أي أحبوا وتمنوا تمنياً واسعاً { لو تكفرون } أي توجدون الكفر وتجددونه وتستمرون عليه دائماً { كما كفروا } ولما لم يكن بين ودهم لكفرهم وكونهم مساوين لهم تلازم ، عطف على الفعل المودود - ولم يسبب - قوله : { فتكونون } أي وودوا أن يتسبب عن ذلك ويتعقبه أن تكونوا أنتم وهم { سواء } أي في الضلال ، أي توجدون الكفر وتجددونه وتستمرون عليه دائماً ، فأنتم ترجون في زمان الرفق بهم هدايتهم وهم يودون فيه كفركم وضلالكم ، فقد تباعدتم في المذاهب وتباينتم في المقاصد . ولما أخبر بهذه الودادة ، سبب عنه أمرهم بالبراءة منهم حتى يصلحوا ، بياناً لأن قولهم في الإيمان لا يقبل ما لم يصدقوه بفعل فقال : { فلا تتخذوا } أي أيها المؤمنون { منهم أولياء } أي أقرباء منكم { حتى يهاجروا } أي يوقعوا المهاجرة { في سبيل الله } أي يهجروا من خالفهم في ذات من لا شبه له ، ويتسببوا في هجرانه لهم إن كانوا في دار الحرب فبتركها ، وإن كانوا عندكم فبترك موادة الكفرة والموافقة لهم في أقوالهم وأفعالهم وإن كانوا أقرب أقربائهم ، وهجرتهم في جميع ذلك بمواصلتكم في جميع أقوالكم وأفعالكم ، والهجرة العامة هي ترك ما نهى الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنه . ولما نهى عن موالاتهم وغيّي النهي بالهجرة ، سبب عنه قوله : { فإن تولوا } أي عن الهجرة المذكورة { فخذوهم } أي اقهروهم بالأسر وغيره { واقتلوهم حيث وجدتموهم } أي في حل أو حرم . ولما كانوا في هذه الحالة لا يوالون المؤمنين إلا تكلفاً قال : { ولا تتخذوا } أي تتكلفوا أن تأخذوا { منهم ولياً } أي من تفعلون معه فعل المقارب المصافي { ولا نصيراً } على أحد من أعدائكم ، بل جانبوهم مجانبة كلية . ولما كان سبحانه وتعالى قد أمر فيهم على تقدير توليهم بما أمر ، استثنى منه فقال : { إلا الذين يصلون } فراراً منكم ، وهم من الكفار عند الجمهور { إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق } أي عهد وثيق بأن لا تقاتلوهم ولا تقاتلوا من لجأ إليهم أو دخل فيما دخلوا فيه , فكفوا حينئذ عن أخذهم وقتلهم { أو } الذين { جاءوكم } حال كونهم { حصرت } أي ضاقت وهابت وأحجمت { صدورهم أن } أي عن أن { يقاتلوكم } أي لأجل دينهم وقومهم { أو يقاتلوا قومهم } أي لأجلكم فراراً أن يكفوا عن قتالكم وقتال قومهم فلا تأخذوهم ولا تقاتلوهم ، لأنهم كالمسالمين بترك القتال ، ولعله عبر بالماضي في " جاء " إشارة إلى أن شرط مساواتهم للواصلين إلى المعاهدين عدم التكرر ، فإن تكرر ذلك منهم فهم الآخرون الآتي حكمهم . ولما كان التقدير : فلو شاء الله لجعلهم مع قومهم إلباً واحداً عليكم ، عطف عليه قوله : { ولو } أي يكون المعنى : والحال أنه لو { شاء الله } أي وهو المتصف بكل كمال { لسلطهم } أي هؤلاء الواصلين والجائين على تلك الحال من الكفار { عليكم } ينوع من أنواع التسليط ، تسليطاًَ جارياً على الأسباب ومقتضى العوائد ، لأن بهم قوة على قتالكم { فلقاتلوكم } أي فتسبب عن هذا التسليط أنهم قاتولكم منفردين أو مع غيرهم من أعدائكم ، واللام فيه جواب " لو " على التكرير ، أو البدل من سلط . ولما كان المغيّي على النهي عن قتالهم حينئذ ، صرح به في قوله : { فإن اعتزلوكم } أي هؤلاء الذين أمرتكم بالكف عنهم من المنافقين ، فكفوا عنكم { فلم يقاتلوكم } منفردين ولا مجتمعين مع غيرهم { وألقوا إليكم السلم } أي الانقياد { فما جعل الله } أي الذي لا أمر لأحد معه بجهة من الجهات { لكم عليهم سبيلاً * } أي إلى شيء من أخذهم ولا قتلهم . ولما كان كأنه قيل : هل بقي من أقسام المنافقين شيء ؟ قيل : نعم ! { ستجدون } أي عن قرب بوعد لا شك فيه { آخرين } أي من المنافقين { يريدون أن يأمنوكم } أي فلا يحصل لكم منهم ضرر { ويأمنوا قومهم } كذلك ، لضعفهم عن كل منكم . فهم يظهرون لكم الإيمان إذا لقوكم ، ولهم الكفر إذا لقوهم ، وهو معنى { كلما ردوا إلى الفتنة } أي الابتلاء بالخوف عند المخالطة { أركسوا } أي قلبوا منكوسين { فيها } . ولما كان هؤلاء أعرق في النفاق وأردى وأدنى من الذين قبلهم وأعدى ، صرح بمفهوم ما صرح به في أولئك ، لأنه أغلظ وهم أجدر من الأولين بالإغلاظ ، وطوى ما صرح به ، ثم قال : { فإن لم يعتزلوكم } ولما كان الاعتزال خضوعاً لا كبراً ، صرح به في قوله : { ويلقوا إليكم السلم } أي الانقياد . ولما كان الإلقاء لا بد له من قرائن يعرف بها قال : { ويكفوا أيديهم } أي عن قتالكم وأذاكم { فخذوهم } أي اقهروهم بكل نوع من أنواع القهر تقدرون عليه { واقتلوهم } . ولما كان نفاقهم - كما تقدم - في غاية الرداءة ، وأخلاقهم في نهاية الدناءة ، أشار إلى الوعد بتيسير التمكين منهم فقال : { حيث ثقفتموهم } فإن معناه : صادفتموهم وأدركتموهم وأنتم ظافرون بهم ، حاذقون في قتالهم ، فطنون به ، خفيفون فيه ، فإن الثقف : الحاذق الخفيف الفطن ، ولذلك أشار إليهم بأداة البعد فقال : { وأولئكم } أي البعداء عن منال الرحمة من النصر والنجاة وكل خير { جعلنا } أي بعظمتنا { لكم عليهم سلطاناً } أي تسلطاً { مبيناًَ * } أي ظاهراً قوته وتسلطه . وهذه الآيات منسوخة بآية براءة ، فإنها متأخرة النزول فإنها بعد تبوك . ولما بين أقسامهم بياناً ظهر منه أن أحوالهم ملبسة ، وأمر بقتالهم مع الاجتهاد في تعرف أحوالهم ، وختم بالتسلط عليهم ، وكان ربما قتل من لا يستحق القتل بسبب الإلباس ؛ أتبع ذلك بقوله المراد به التحريم ، مخرجاً له في صورة النفي المؤكد بالكون لتغليظ الزجر عنه لما للنفوس عند الحظوظ من الدواعي إلى القتل : { وما كان لمؤمن } أي يحرم عليه { أن يقتل مؤمناً } أي في حال من الحالات { إلا خطأ } أي في حالة الخطأ بأن لا يقصد القتل ، أو لا يقصد الشخص ، أو يقصده بما لا يقصد به زهوق الروح ، أو لا يقصد ما هو ممنوع منه كمن يرمي إلى صف الكفار وفيهم مسلم ، أو بأن يكون غير مكلف ، فإن القتل على هذا الوجه ليس بحرام ، وهذا الذي ذكره في أقسام المنافقين إشارة إلى أنه ينبغي التثبت والتحري في جميع أمر القتل متى احتمل أن يكون القاتل مؤمناً احتمالاً لا تقضي العادة بقربه ، فلزم من ذلك بيان حكم الخطأ ، ولام الاختصاص قد تطلق على ما لا مانع منه " فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب " وكأنه عبر به ليفيد بإيجاب الكفارة والدية غاية الزجر عن قتل المؤمن ، لأنه إذا كان هذا جزاء ما هو له فما الظن بما ليس له ! فقال تعالى : { ومن قتل مؤمناً } صغيراً كان أو كبيراً ، ذكراً كان أو أنثى ، ولعله عبَّر سبحانه وتعالى بالوصف تنبيهاً على أنه إن لم يكن كذلك في نفس الأمر لم يكن عليه شيء في نفس الأمر وإن ألزم به في الظاهر { خطأ } . ولما كان الخطأ مرفوعاً عن هذه الأمة ، فكان لذلك يظن أنه لا شيء على المخطىء ؛ بين أن الأمر في القتل ليس كذلك حفظاً للنفوس ، لأن الأمر فيها خطر جداً ، فقال - مغلظاً عليه حثاً على زيادة النظر والتحري عند فعل ما قد يقتل - : { فتحرير } أي فالواجب عليه تحرير { رقبة } أي نفس ، عبر بها عنها لأنها لا تعيش بدونها كاملة الرق { مؤمنة } ولو ببيع الدار أو البساتين ، سليمة عما يخل بالعمل ، وقدم التحرير هنا حثاً على رتق ما خرق من حجاب العبد ، وإيجاب ذلك في الخطأ إيجاب له في العمد بطريق الأولى ، وكأنه لم يذكره في العمد لأنه تخفيف في الجملة والسياق للتغليظ { ودية مسلّمة } أي مؤداة بيسر وسهولة { إلى أهله } أي ورثته يقتسمونها كما يقسم الميراث { إلا أن يصدّقوا } أي يجب ذلك عليه في كل حال إلا في حال تصدقهم بالعفو عن القاتل بإبرائه من الدية ، فلا شيء عليه حينئذ ، وعبر بالصدقة ترغيباً { فإن كان } أي المقتول { من قوم } أي فيهم منعة { عدو لكم } أي محاربين { وهو } أي والحال أنه { مؤمن فتحرير } أي فالواجب على القاتل تحرير { رقبة مؤمنة } وكأنه عبر بذلك إشارة إلى التحري في جودة إسلامها ، وقد أسقط هذا حرمة نفسه بغير الكفارة بسكناه في دار الحرب التي هي دار الإباحة أو وقوعه في صفهم ، ولعده في عدادهم قال : { من } ومعناه - كما قال الشافعي وغيره تبعاً لابن عباس رضي الله تعالى عنهما - : في { وإن كان } أي المقتول { من قوم } أي كفرة أيضاً عدو لكم { بينكم وبينهم ميثاق } وهو كافر مثلهم { فدية } أي فالواجب فيه كالواجب في المؤمن المذكور قبله دية { مسلّمة إلى أهله } على حسب دينه ، إن كان كتابياً فثلث دية المسلم ، وإن كان مجوسياً فثلثا عشرها { وتحرير رقبة مؤمنة } وكأنه قدم الدية هنا إشارة إلى المبادرة بها حفظاً للعهد ، ولتأكيد أمر التحرير بكونه ختاماً كما كان افتتاحاً حثاً على الوفاء به ، لأنه أمانة لا طالب له إلا الله ؛ وقال الأصبهاني : إن سر ذلك أن إيجابه في المؤمن أولى من الدية ، وبالعكس ها هنا - انتهى . وكان سره النظر إلى خير الدين في المؤمن ، وإلى حفظ العهد في الكافر { فمن لم يجد } أي الرقبة ولا ما يتوصل به إليها { فصيام } أي فالواجب عليه صيام { شهرين متتابعين } حتى لو أفطر يوماً واحداً بغير حيض أو نفاس وجب الاستئناف ، وعلل ذلك بقوله عادا للخطأ - بعد التعبير عنه باللام المقتضية أنه مباح - ذنباً تغليظاً للحث على مزيد الاحتياط : { توبة } أي أوجب ذلك عليكم لأجل قبول التوبة { من الله } أي الملك الأعظم الذي كل شيء في قبضته . ولما كان الكفارات من المشقة على النفس بمكان ، رغب فيها سبحانه وتعالى بختم الآية بقوله : { وكان الله } أي المحيط بصفات الكمال { عليماً } أي بما يصلحكم في الدنيا والآخرة ، وبما يقع خطأ في نفس الأمر أو عمداً ، فلا يغتر أحد بنصب الأحكام بحسب الظاهر { حكيماً * } في نصبه الزواجر بالكفارات وغيرها ، فالزموا أوامره وباعدوا زواجره لتفوزوا بالعلم والحكمة .