Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 17-21)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أنهى أمر صاعقتهم ، شرع في بيان صاعقة ثمود فقال : { وأما ثمود } وهم قوم صالح عليه الصلاة والسلام { فهديناهم } أي بينا لهم طريق الهدى من أنا قادرون على البعث وعلى كل شيء فلا شريك لنا ، وكان بيان ذلك بالناقة غاية البيان فأبصروا ذلك بأبصارهم التي هي سبب أبصار بصائرهم غايه الإبصار ، فكرهوا ذلك لما يلزمه من تنكب طريق آبائهم وأقبلوا على لزوم طريق آبائهم : { فاستحبوا العمى } اي الضلال الناشئ عن عمى اليصر أو البصيرة أو هما معاً { على الهدى } أي أوجدوا من الأفعال والأقوال ما يدل على حب ذلك وعلى طلب حبه فعموا فضلوا ، وقال القشيري : قيل : إنهم آمنوا وصدقوا ثم ارتدوا وكذبوا ، فأجراهم مجرى إخوانهم في الاستئصال . { فأخذتهم } أي بسبب ذلك أخذ قسر وهوان { صاعقة العذاب } وأبلغ في وصفه بجعله نفس الهون فقال : { الهون } أي ذي الهون ، قامت ضمته مقام ما في الهوان من الصيغة فعلم أن المراد أنه المهين المخزي { بما كانوا } أي دائماً { يكسبون * } أي يتجدد تحصيلهم له وعدهم له فائدة ، فالآية من الاحتباك : ذكر الهداية أولاً دليلاً على حذف الضلال ثانياً والعمى ثانياً دليلاً على حذف الإبصار أولاً ، وسره أنه نسب إليه أشرف فعليه ، وأسند إليهم ما لا يرضاه ذو الروح . ولما أتم الخبر عن الكافرين من الفريقين ، أتبعه الخبر عن مؤمنيهم بشارة لمن اتبع النبي صلى الله عليه وسلم ونذارة لمن صد عنه فقال : { ونجينا } أي تنجية عظيمة { الذين آمنوا } أي أوجدوا هذا الوصف ولو على أدنى وجوهه من الفريقين { وكانوا } أي كوناً عظيماً { يتقون * } أي يتجدد لهم هذا الوصف في كل حركة وسكون فلا يقدمون على شيء بلا دليل . ولما ذكر حالهم في الدنيا ، وأشار إلى حال الآخرة ، أتبعه تفصيل ذلك فقال : { ويوم } أي اذكر أيام أعداء الله في الدنيا في إنزال عذابه بهم وإحلال مثلاته بساحاتهم ، واذكر يوم يحشرون - هكذا كان الأصل ، ولكنه بين ما عذبوا به ليعم كل من اتصف به من الأولين والآخرين فقال : { يحشر } أي يجمع بكثرة بأمر قاهر لا كلفة علينا فيه - هذا على قراءة الجماعة بالبناء للمفعول ، وعلى قراءة ناقع ويعقوب بالنون مبنياً للفاعل يكون ناظراً إلى سياق " ونجينا " وفي كلتا القراءتين معنى العظمة ، فلذلك ناسبهما الاسم الأعظم الذي هو أعظم من مظهر العظمة الذي وقع الصرف عنه لما في ذكره من زيادة التوبيخ لهم والتهجين لفعلهم والتخسيس لعقولهم في قولهم : { أعداء الله } أي الملك الأعظم ولا يخفى إعرابه بحسب كل قراءة { إلى النار } دار الأشقياء { فهم } بسبب حشرهم { يوزعون * } أي يدفعون ويرد بأيسر أمر أولهم على آخرهم ، ومن يريد أن يعرج منهم يميناً أو شمالاً ظناً منه أنه قد يخفى بسبب كثرتهم ويزجرون زجر إهانة ، ويجمع إليهم من شذ منهم ، ة فإن كل شيء من ذلك نوع من العذاب . ولما بين إهانتهم بالوزع ، بين غاياتها فقال : { حتى إذا } وأكد الكلام لإنكارهم مضمونه بزيادة النافي ليكون اجتماعه مع الإثبات نفياً للضد فيفيد غاية القوة بمضمون الخبر في تحقيقه وثباته واتصاله بالشهادة على الفور فقال : { ما جاؤوها } أي النار التي كانوا بها يكذبون { شهد عليهم } حين التكوير فيها مركومين بعضهم على بعض . ولما كان في مقام الترهيب ، وكان التفصيل أهول قال : { سمعهم } أفرده لتقارب الناس فيه { وأبصارهم } جمع لعظم التفاوت فيها { وجلودهم بما } وأثبت الكون بياناً لأنهم كانوا مطبوعين على ما أوجب لهم النار من الأوزار فقال : { كانوا يعملون * } أي يجددون عمله مستمرين عليه ، فكأن هذه الأعضاء تقول في ذلك الحين إقامة للحجة البالغة : أيها الأكوان والحاضرون من الإنس والملائكة والجان ، اعلموا أن صاحبي كان يعمل بي كذا وكذا مع الإصرار ، فاستحق بذلك النار ، وغضب الجبار - ثم يقذف به . ولما أخبر بهذا الذي يفتت الحجارة لو علقت ساعة ما ، أخبر أنه لم يفدهم الرجوع عن طبعهم الجافي وبلادتهم الكثيفة ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فلم تفدهم هذه الشهادة خجلاً من الله ولا خضوعاً في أنفسهم ولا رجوعاً عن الجدال والعناد كما لم يفدهم ذلك مجرد علم الله فيهم : { وقالوا لجلودهم } ودخل فيها ما صرح به من منافعها بها لفقد ما يدعو إلى التفصيل . ولما فعلت فعل العقلاء خاطبوها مخاطبتهم فقالوا : { لم شهدتم علينا } . ولما كان هذا محل عجب منهم ، وكان متضمناً لجهلهم بظنهم أنه كان لها قدرة على السكوت ، وكان سؤالهم عن العلة ليس على حقيقته وإنما المراد به اللوم ، أجيب من تشوف إلى الجواب بقوله معبراً لنطقها بصيغة ما يعقل : { قالوا } معتذرين : { أنطقنا } قهراً { الله } الذي له مجامع العز على وجه لم نقدر على التخلف عنه . ولما كان حال الكفار دائماً دائراً بين غباوة وعناد ، أقاموا لهم على ذلك دليلين شهوديين فقالوا : { الذي أنطق كل شيء } أي فعلاً أو قوة أو حالاً ومقالاً . ولما كانت الأشياء كلها متساوية الأقدام في الإنطاق والإخراس وغيرهما من كل ما يمكن بالنسبة إلى قدرته سبحانه ، نبهوهم على ذلك بقولهم : { وهو خلقكم أول مرة } والعلم القطعي حاصل عندكم بأنكم كنتم عدماً ثم نطفاً لا تقبل النطق في مجاري العادات بوجه ، ثم طوركم في أدوار الأطوار كذلك إلى أن أوصلكم إلى حيز الإدراك ، فقسركم على النطق بحيث لو أردتم سلبه عن أنفسكم ما قدرتم . ولما كان الخلق شيئاً واحداً فعبر عنه بالماضي وكان الرجوع تارة بالحس وتارة بالمعنى وكان الذي بالمعنى كثير التعدد بكثرة التجدد قال : { وإليه } أي إلى غيره { ترجعون * } أي في كل حين بقسركم بأيسر أمر على كل ما يريد من أول ما خلقتم إلى ما لا نهاية له ، فلو كان لكم نوع علم لكفاكم ذلك واعظاً في الدنيا تعلمون به أنكم في غاية العجز ، وأن له العظمة والكبر والقدرة والقهر ، روى مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " هل تدرون ممّ أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : من مخاطبة العبد ربه ، يقول : يا رب ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى ، اقل : فيقول : فإني لا أجيز إلا شاهداً مني ، قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً ، قال : فيختم على فيه فيقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول : بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنا أناضل " .