Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 70-77)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر ما لهم بشارة لهم وترغيباً لغيرهم في اللحاق بهم على وجه فيه إجمال ، شرح ذلك بقوله : { ادخلوا الجنة } ولما كانت الدار لا تكمل إلا بالرفيق السار ، قال تعالى : { أنتم وأزواجكم } أي نساؤكم اللاتي كن مشاكلات لكم في الصفات ، وأما قرناؤهم من الرجال فدخلوا في قوله { كانوا مسلمين } { تحبرون } أي تكرمون وتزينون فتسرون سروراً يظهر أثره عليكم مستمراً يتجدد أبداً . ولما كان هذا أمراً سائقاً إلى حالهم سابقاً لمن كان واقفاً عنهم إلى وصالهم ، أقبل على ما لعله يوقفه الاشتغال بلهو أو مال محركاً لما جهل منه ، ومنبهاً على ما غفل عنه ، فقال عائداً إلى الغيبة ترغيباً في التقوى : { يطاف عليهم } أي المتقين الذين جعلناهم بهذا النداء ملوكاً { بصحاف } جمع صحفة وهي القصعة { من ذهب } فيها من ألوان الأطعمة والفواكه والحلوى ما لا يدخل تحت الوهم . ولما كانت آنية الشرب في الدنيا أقل من آنية الأكل ، جرى على ذلك المعهود ، فعبر بجمع القلة في قوله : { وأكواب } جمع كوب وهو كوز مستدير مدور الرأس لا عروة له ، قد تفوق عن شيء منه اليد أو الشفقة أو يلزم منها بشاعة في شيء من دائر الكوز ، وإيذاناً بأنه لا حاجة أصلاً إلى تعليق شيء لتزيد أوصافه عن أذى أو نحو ذلك . ولما رغب فيها بهذه المغيبات ، أجمل بما لا يتمالك معه عاقل عن المبادرة إلى الدخول فيما يخصها فقال : { وفيها } أي الجنة . ولما كانت اللذة محصورة في المشتهى قال تعالى : { ما تشتهيه الأنفس } من الأشياء المعقولة والمسموعة والملموسة وغيرها جزاء لهم على ما منعوا أنفسهم من الشهوات في الدنيا ، ولما كان ما يخص المبصرات من ذلك أعظم ، خصها فقال : { وتلذ الأعين } من الأشياء المبصرة التي أعلاها النظر إلى وجهه الكريم تعالى ، جزاء ما تحملوه من مشاق الاشتياق . ولما كان ذلك لا يكمل طيبه إلا بالدوام ، قال عائداً إلى الخطاب لأنه أشرف وألذ مبشر لجميع المقبلين على الكتاب ، والملتفت إليهم بالترغيب في هذا الثواب ، بشارة لهذا النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بما قدمه في أول السورة وأثنائها من بلوغ قومه نهاية العقل والعلم والموصلين إلى أحسن العمل الموجب للسعادة : { وأنتم فيها خالدون } لبقائها وبقاء كل ما فيها ، فلا كلفة عليكم أصلاً من خوف من زوال ولا حزن من فوات . ولما كان التقدير : الجنة التي لمثلها يعمل العاملون ، عطف عليه قوله مشيراً إلى فخامتها بأداة البعد : { وتلك الجنة } أي العالية المقام { التي } ولما كان الإرث أمكن للملك ، وكان مطمح النفوس إلى المكنة في الشيء مطلقاً لا يبعد ، بني للمفعول قوله تعالى : { أورثتموها } ولما كان ما حصله الإنسان بسعيه ألذ في نفسه لسرورة بالتمتع به وبالعمل الذي كان من سببه ، قال تعالى : { بما } وبين أن العمل كان لهم كالجبلة التي جبلوا عليها ، فالمنّة لربهم في الحقيقة بما زكى لهم أنفسهم بقوله : { كنتم تعملون } أي مواظبين على ذلك لا تفترون . ولما كان الأكل أعم الحاجات وأعم الطلبات ، قال تعالى مبيناً أن جميع أكلهم تفكه ليس فيه شيء تقوتاً لأنه لا فناء فيها لقوة ولا غيرها لتحفظ بالأكل ولا ضعف { لكم فيها فاكهة } أي ما يؤكل تفكهاً وإن كان لحماً وخبزاً . ولما كان ما يتفكه في الدنيا قليلاً قال تعالى : { كثيرة } ودل مع الكثرة على دوام النعمة بقصد التفكه بكل شيء فيها بقوله : { منها } أي لا من غيرها مما يلحظ فيه التقوت { تأكلون } فلا تنفد أبداً ولا تتأثر بأكل الآكلين لأنها على صفة الماء النابع ، لا يؤخذ منه شيء إلا خلف مكانه مثله أو أكثر منه في الحال . ولما ذكر ما للقسم الثاني من الإخلاء وهم المتقون ترغيباً لهم في التقوى ، أتبعه ما لأضدادهم اهل القسم الأول تحذيراً من مثل أعمالهم ، فقال استئنافاً مؤكداً في مقابلة إنكارهم : { إن المجرمين } أي الراسخين في قطع ما أمر الله به أن يوصل { في عذاب جهنم } أي النار التي من شأنها لقاء داخلها بالتجهم والكراهة والعبوسة كما كان يعمل عند قطعه لأولياء الله تعالى { خالدون } لأن إجرامهم كان طبعاً لهم لا ينفكون عنه أصلاً ما بقوا . ولما بين إحاطته بهم إحاطة الظرف بمظروفه ، وكان من المعلوم أن النار لا تفتر عمن لابسته إلا بمفتر بمنعها بماء يصبه عليها أو تقليل من وقودها أو غير ذلك خرقاً للعادة ، بين أن لا يعتريها نقصان أصلاً كما يعهد في عذاب الدنيا لأنهم هم وقودها فقال تعالى : { لا يفتر عنهم } أي يقصد إضعافه بنوع من الضعف ، فنفي التفتير نفي للفتور من غير عكس ، قال البيضاوي : وهو من فترت عنه الحمى - إذا سكنت ، والتركيب للضعف . ولما كان انتظار الفرج مما يخفف عن المتضايق ، نفاه بقوله : { وهم فيه مبلسون * } أي ساكتون سكوت يأس من النجاة والفرج . ولما كان ربما ظن من لا بصيرة له أن هذا العذاب أكبر وأكثر مما يستحقونه ، أجاب سبحانه بقوله ليزيد عذابهم برجوعهم باللائمة على نفسوهم ووقوعهم في منادمات الندامات : { وما ظلمناهم } نوعاً من الظلم لأنه تعالى مستحيل في حقه الظلم { ولكن كانوا } جبلة وطبعاً وعملاً وصنعاً دائماً { هم } أي خاصة { الظالمين } لأنهم بارزوا المنعم عليهم بالعظائم ونووا أنهم لا ينفكون عن ذلك بقوا ، والأعمال بالنيات ، ولو كانوا يقدرون على أن لا يموتوا لما ماتوا . ولما كان من مفهوم الإبلاس السكوت ، أعلم بأن سكوتهم ليس دائماً لأن الإنسان إذا وطن نفسه على حالة واحدة ربما خف عنه بعد الألم ، فقال مبيناً أنهم من البعد بمحل كبير لا يطمعون معه في خطاب الملك ، وأنهم مع علمهم باليأس يعلقون آمالهم بالخلاص كما يقع للمتمنين للمحالات في الدنيا ليكون ذلك زيادة في المهم : { ونادوا } ثم بين أن المنادي خازن النار فقال مؤكداً لبيان البعد بأداته : { يا مالك } وقراءة " يا مال " للإشارة إلى أن العذاب أوهنهم عن إتمام الكلام ، ولذا قالوا : { ليقض علينا } أي سله سؤالاً حتماً أن القضاء الي لا قضاء مثله ، وهو الموت على كل وحد منا ، وجروا على عادتهم في الغباوة والجلافة فقالوا : { ربك } أي المحسن إليك فلم يروا لله عليهم إحساناً وهم في تلك الحالة ، فلا شك أن إحسانه ما انقطع عن موجود أصلاً ، وأقل ذلك أنه لا يعذب أحداً منهم فوق استحقاقه ، ولذلك جعل النار دركات كما كانت الجنة درجات ، ويجوز أن تكون عبارتهم بذلك تغييظاً له بما رأوا من ملابسة النار من تأثير فيه ، ونداؤهم لا ينافي إبلاسهم لأنه السكوت عن يأس ، فسكوتهم المقيد باليأس دائم ، فلذلك سألوا الموت ، والحاصل أنهم لا يتكلمون ما يدل على رجاء الفرج بل هم ساكتون أبداً عن ذلك . … اليأس لا على رجاء الفرج باللحاق برتبة المتقين . ولما ذكر نداءهم ، استأنف ذكر جوابهم بقوله : { قال } أي مالك عليه الصلاة والسلام مؤكداً لأطماعهم لأن كلامهم هذا بحيث يفهم الرجاء ويفهم بأن رحمة الله تعالى التي هي موضع الرجاء خاصة بغيرهم { إنكم ماكثون } .