Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 44, Ayat: 38-45)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان التقدير للاستدلال على الجزاء الذي جامعه التكفل بجميع أنحائه يوم القيامة : فإنا ما خلقنا الناس عبثاً يبغي بعضهم على بعض ثم لا يؤاخذون ، عطف عليه ما هو أكبر في الظاهر منه فقال : { وما خلقنا السماوات } أي على عظمها واتساع كل واحدة منها واحتوائها لما تحتها ، وجمعها لأن العمل كلما زاد كان أبعد من العبث مع أن إدراك تعددها مما يقتضي المشاهدة بما فيها من الكواكب ، ووحد في سورة الأنبياء تخصيصاً بما يتحقق المكذبون بالبعث رؤيته لما ذكر هناك من اختصاص " لدن " بما بطن . ولما كان الدليل على تطابق الأرضي دقيقاً وحدها فقال : { والأرض } أي على ما فيها من المنافع { وما بينهما } أي النوعين وبين كل واحدة منها وما يليها { لاعبين * } أي على ما لنا من العظمة التي يدرك من له أدنى عقل تعاليها عن اللعب لأنه لا يفعله إلا ناقص ، ولو تركنا الناس يبغي بعضهم على بعض كما تشاهدون ثم لا نأخذ لضعيفهم بحقه من قويهم لكان خلقنا لهم لعباً ، بل اللعب أخف منه ، ولم نكن على ذلك التقدير مستحقين لصفة القدوسية ، فإنه " لا قدست أمة لا يؤخذ لضعيفها بالحق من قويها غير متعتع " - رواه ابن ماجة عن أبي سعيد وابن جميع في معجمه عن جابر ، وصاحب الفردوس عن أبي موسى رضي الله عنهم رفعوه ، وهو شيء لا يرضى به لنفسه أقل حكام الدنيا ، فكان هذا برهاناً قاطعاً على صحة الحشر ليظهر هناك الفصل بالعدل والفضل . ولما نفى أن يكون خلق لك اللعب الذي هو باطل ، أثبت ما خلقه له ولم يصرح بما في البين لأنه تابع ، وقد نبه ما مضى ، فقال مستأنفاً : { ما خلنقاهما } أي السماوات والأراضي مع ما بينهما { إلا بالحق } من الحكم بين من فيهما ، فمن عمل الباطل عاقبناه ومن عمل الحق أثبناه ، وبذلك يظهر غاية الظهور إحاطتنا بجميع أوصاف الكمال كما نبهنا عليه أهل الكمال في هذا الدار بخلقهما الذي واقعة بمطابق للحق ، وهو ما لنا من تلك الصفات المقتضية للبعث لأحقاق الحق وإبطال الباطل بما لا خفاء فيه عند أحد . ولما كان أكثر الخلق لا يعلم ذلك لعظمته عن النظر في دليله وإن كان قطعياً بديهيّاً . { ولكن أكثرهم } أي أكثر هؤلاء الذين أنت بين أظهرهم وهم يقولون : { إن هي إلا موتتنا الأولى } وكذا من نحا نحوهم { لا يعلمون * } أي أنا خلقنا الخلق بسبب إقامة الحق فهم لأجل ذلك يجترئون على المعاصي ويفسدون في الأرض لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً ، ولو تذكروا ما ركزناه في جبلاتهم لعلموا علماً ظاهراً أنه الحق الذي لا معدل عنه كما يتولى حكامهم المناصب لأجل إظهار الحكم بين رعاياهم ، ويشرطون الحكم بالحق ، ويؤكدون على أنفسهم أنهم لا يتجاوزونه . ولما كان كأنه قيل : إنا نرى أكثر المظلومين يموتون بمرير غصصهم مقهورين ، وأكثر الظالمين يذهبون ظافرين بمطالبهم مسرورين ، فمتى يكون هذا الحق ؟ قال جواباً لذلك مؤكداً لأجل تكذبيهم : { إن يوم الفصل } عند جمع الأولين والآخرين من جميع المكلفين الذين ينتظره كل أحد للفرق بين كل ملبس ، فلا يدع نوعاً منه حتى أنه يميز بين المكاره والمحاب ودار النعيم وغار الجحيم ، وبين أهل كل منهما بتمييز المحق من المبطل بالثواب والعقاب وهو بعد البعث من الموت { ميقاتهم } أي وقت جمع الخلائق للحكم بينهم الذي ضرب لهم في الأزل وأنزلت به الكتب على ألسنة الرسل { أجمعين * } لا يتخلف عنه أحد ممن مات من الجن والإنس والملائكة وجميع الحيوانات . ولما ذكر هذا اليوم الذي دل على عظمته بهذه العبارة إفراداً وتركيباً ، ذكر من وصفه ما يحمل على الخوف والرجاء ، فقال مبدلاً منه : { يوم لا يغني } بوجه من الوجوه { مولى } بقرابة أو غيرها بحلف أو رق من أعلى أو أسفل { عن مولى } أريد أخذه بما وقع منه { شيئاً } من الإغناء . ولما كان الإغناء تارة يكون بالرفق وأخرى بالعنف ، صرح بالثاني لأنه أعظمها والسياق للإهلاك والقهر فقال : { ولا هم } أي القسمان { ينصرون * } أي من ناصر ما لو أراد بعضهم نصرة بعض ، أو أراد غيرهم لو فرض أن ينصرهم ، وعبر بالجمع الذي أفاده الإبهام للمولى ليتناول القليل والكثير منه لأن النفي عنه نفي عن الأفراد من باب الأولى . ولما نفى الإغناء استثنى منه فقال : { إلا من رحم الله } أي أراد إكرامه الملك الأعظم وهم المؤمنون يشفع بعضهم لبعض بإذن الله في الشفاعة لأحدهم فيكرم الشافع فيه بقبول شفاعته ويكرمه بقبوله الشفاعة فيه . ولما كان ما تقدم دالاً على تمام القدرة في الإكرام والانتقام ، وكان الإكرام قد يكون عن ضعف ، قال نافياً لذلك ومقرراً لتمام القدرة اللازم منه الاختصاص بذلك مؤكداً له تنبيهاً على أنه ما ينبغي أن يجعل نصب العين وتعقد عليه الخناصر ، ولأن إشراكهم وتكذيبهم بالبعث يتضمن التكذيب بذلك : { إنه هو } أي وحده { العزيز } أي المنيع الذي لا يقدح في عزته عفو ولا عقاب ، بل ذلك دليل على عزته فإنه يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير مبالاة بأحد . ولما كان العزيز قد لا يرحم قال : { الرحيم * } أي الذي لا تمنع عزته أن يكرم من يشاء . ولما كان السياق للانتقام ، أخبر عن حال الفجار على سبيل الاستئناف ، فقال مؤكداً لما يكذبون به : { إن شجرة الزقوم * } التي تقدم من وصفها ما يقطع القلوب من أنها تخرج من أصل الجحيم ، وأن طلعها كأنه رؤوس الشياطين ، وغيره مما لا يعلمه حق علمه إلا الله تعالى والذي تعرفونه من ذلك في الدنيا أنها شجرة صغيرة الورق ذفرة أي شديد النتن - مرة ، من الزقم ، أي اللقم الشديد والشوب والمفرط ، وقال عبد الحق في كتابه الواعي : الزقوم شجرة غبراء صغيرة الورق لا شوك لها ذفرة لها كعابر في سوقها أي عقد كالأنابيب ولها ورد تجرسه النحل ، ورأس ورقها قبيح جداً ، وهي مرعى ، ومنابتها السهل ، قال ابن برجان : وهي في النار في مقابلة شجرة طوبى في الجنة ، يضطرون إلى أكلها وإلى شرب الغسلين كما يضطر أهل الدنيا لإدخال الطعام والشراب { طعام الأثيم * } أي المبالغ في اكتساب الآثام حتى مرن عليها فصارت به إلى الكفر { كالمهل } أي القطران الرقيق وما ذاب من صفر أو حديد أو دردية ، روى أحمد والترمذي - وقال : لا نعرفه إلا من حديث رشدين - وابن حبان في صحيحه والحاكم من وجه آخر - وقال الحاكم : صحيح الإسناد - عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله { كالمهل } قال : " كعكر الزيت فإذا قرب إلى وجهه سقطت فروة وجهه فيه " { تغلي } أي الشجرة - على قراءة الجماعة بالتأنيث ، والطعام على قراءة ابن كثير وحفص عن عاصم ورويس عن يعقوب بالتذكير ولا يعود الضمير على المهل لأنه مشبه به { في البطون * } أي من شدة الحر .