Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 45, Ayat: 28-32)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان ذلك من شأن اليوم مهولاً ، عم في الهول بقوله مصوراً لحاله : { وترى } أي في ذلك اليوم { كل أمة } من الأمم الخاسرة فيها والفائزة { جاثية } أي مجتمعة لا يخلطها غيرها ، وهي مع ذلك باركة على الركب رعباً واستيفازاً لما لعلها تؤمر به ، جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ، ينتظروا القضاء الحاتم ، والأمر الجازم اللازم ، لشدة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم . ولما كان كأن قيل : هم مستوفزون ، قال : { كل أمة } أي من الجاثين { تدعى إلى كتابها } أي الذي أنزل إليها وتعبدها الله به والذي نسخته الحفظة من أعمالها ليطبق أحدهما بالآخر ، فمن وافق كتابه ما أمر به من كتاب ربه نجا ، ومن خاله هلك ، ويقال لهم حال الدعاء : { اليوم تجزون } على وفق الحكمة بأيسر أمر { ما } أي عين الذي { كنتم } بما هو لكم كالجبلات { تعملون * } أي مصرين عليه غير راجعين عنه من خير أو شر . ولما أخبر بالجزاء ، بين كيفية ما به يطبق بين كتاب الإنزال وكتاب الأعمال ، فما حكم به كتاب الإنزال أنفذه الكبير المتعال ، فقال مشيراً إلى كتاب الإنزال بأداة القريب لقربه وسهولة فهمه : { هذا كتابنا } أي الذي أنزلناه على ألسنة رسلنا { ينطق } أي يشهد شهادة هي في بيانها كالنطق { عليكم بالحق } أي الأمر الثابت الذي يطابقه الواقع من أعمالكم ، ذلك بأن يقول : من عمل كذا فهو كافر ، ومن عمل كذا فهو عاص ، ومن عمل كذا فهو مطيع ، فيطبق ذلك على ما عملتموه فإذا الذي أخبر به الكتاب مطابق لأعمالكم لا زيادة فيه ولا نقص ، كل كلي ينطبق على جزئيه سواء بسواء كما نعطيكم علم ذلك في ذلك اليوم ، فينكشف أمر جبلاتكم وما وقع منكم من جزئيات الأفعال لا يشذ عنه منه ذرة ، وتعلمون أن هذا الواقع منكم مطابق لما أخبر به الكتاب الذي أنزلناه ، فهو حق لأن الواقع طابقه ، هذا نطقه عليكم ، وأما نطقه لكم فالفضل : الحسنة بعشر أمثالها إلى ما فوق ذلك . ولما كانت العادة جارية في الدنيا بإقامة الحقوق بكتابة الوثائق ، وكانوا كأنهم يقولون : من يحفظ أعمالنا على كثرتها مع طول المدة وبعد الزمان ، وكانوا ينكرون أمر الحفظة وغيره مما أتت به الرسل ، أكد قوله مجيباً بما يقرب إلى عقل من يسأل عن ذلك : { إنا } على ما لنا من القدرة والعظمة الغنية عن الكتابة { كنا } على الدوام { نستنسخ } أي نأمر ملائكتنا بنسخ أي نقل { ما كنتم } طبعاً لكم وخلقاً { تعملون * } قولاً وفعلاً ونية ، فإن كان المراد بالنسخ مطلق النقل فهو واضح ، وإن كان النقل من أصل فهو إشارة إلى لوح الجبلات المشار إليه بكنتم أو من اللوح المحفوظ ليطابق به ما يفعله العامل ، ومن المشهور بين الناس أن كل أحد يسطر في جبينه ما يلقاه من خير أو شر . ولما صرح بالمبطلين حسب ما اقتضاه الحال كما تقدم ، وأشار إلى المحقين ، صرح بما لوح إيه من أمر المحقين وعطف عليهم أضدادهم ، فقال بادئاً بهم على طريق النشر المشوش مفصلاً : { فأما الذين آمنوا } أي من الأمم الجاثية { وعملوا } تصديقاً لدعواهم الإيمان { الصالحات فيدخلهم } أي في ذلك اليوم الذي ذكرنا عظمته وشدة هوله { ربهم } الذي أحسن إليهم بالتوفيق بالأعمال الصالحة المرضية الموصلة { في رحمته } أي تقريبه وإكرامه بجليل الثواب وحسن المآب ، وتقول لهم الملائكة تشريفاً : سلام عليكم أيها المؤمنون ، ودل على عظيم الرحمة بقوله : { ذلك } أي الإحسان العالي المنزلة { هو } أي لا غيره { الفوز } . ولما كان السياق لغباوتهم وخفاء الأشياء عليهم قال تعالى : { المبين * } الذي لا يخفى على أحد شيء من أمره ، لأنه لا يشوبه كدر أصلاً ولا نقص ، بخلاف ما كان من أسبابه في الدنيا ، فإنها - مع كونها كانت فوزاً - كانت خفية جداً على غير الموقنين { وأما الذين كفروا } أي ستروا ما جلته لهم مرائي عقولهم وفطرهم الأولى من الحق الذي أمر الله به ولو عملوا جميع الصالحات غير الإيمان ، فيدخلهم الملك الأعظم في لعنته . ولما كان هذا الستر سبباً واضحاً في تبكيتهم قال : { أفلم } أي فيقال لهم : ألم يأتكم رسلي ، وأخلق لكم عقولاً تدلكم على الصواب من التفكر في الآيات المرئية من المعجزات التي أتوكم بها وأنزل عليكم بواسطتهم آيات مسموعة فلم { تكن آياتي } على ما لها من عظمة الإضافة إليّ وعظمة الإتيان إليكم على ألسنة رسلي الذين هم أشرف خلقي . ولما كانت هذه الآيات توجب الإيمان لما لها من العظمة بمجرد تلاوتها ، بني للمفعول قوله : { تتلى } أي تواصل قراءتها من أيّ تال كان ، فكيف إذا كانت بواسطة الرسل ، تلاوة مستعلية { عليكم } لا تقدرون على رفع شيء منها بشيء يرضاه منصف { فاستكبرتم } أي فتسبب عن تلاوتها التي من شأنها إيراث الخشوع والإخبات والخضوع أن طلبتم الكبر لأنفسكم وأوجدتموه على رسلي وآياتي { وكنتم } خلقاً لازماً { قوماً } أي ذوي قيام وقدرة على ما تحاولونه { مجرمين * } أي عريقين في قطع ما يستحق الوصل ، وذلك هو الخسران المبين ، والآية من الاحتباك : ذكر الإدخال في الرحمة أولاً دليلاً على الإدخال في اللعنة ثانياً ، وذكر التبكيت ثانياً دليلاً على التشريف أولاً ، وسره أن ما ذكره أدل على شرف الولي وحقارة العدو { وإذا } أي وكنتم إذا { قيل } من أيّ قائل كان ولو على سبيل التأكيد : { إن وعد الله } الذي كل أحد يعلم أنه محيط بصفات الكمال { حق } أي ثابت لا محيد عنه يطابقه الواقع من البعث وغيره لأن أقل الملوك لا يرضى بأن يخلف وعده فكيف به سبحانه وتعالى فكيف إذا كان الإخلاف فيه مناقضاً للحكمة { والساعة } التي هي مما وعد به وهي محط الحكمة فهي أعظم ما تعلق به الوعد { لا ريب فيها } بوجه من الوجوه لأنها محل إظهار الملك لما له من الجلال والجمال أتم إظهار { قلتم } راضين لأنفسكم بحضيض الجهل : { ما ندري } أي الآن دراية علم ولو بذلنا جهدنا في محاولة الوصول إليه { ما الساعة } أي نعرف حقيقتها فضلاً عما تخبروننا به من أحوالها . ولما كان أمرها مركوزاً في الفطر لا يحتاج إلى كبير نظر ، بما يعلم كل أحد من تمام قدرة الله تعالى ، فمتى نبه عليها نوع تنبيه سبق إلى القلب علمها ، سموا ذلك ظناً عناداً واستكباراً ، فقالوا مستأنفين في جواب من كأنه يقول : أفلم تفدكم تلاوة هذه الآيات البينات علماً بها : { إن } أي ما { نظن } أي نعتقد ما تخبروننا به عنها { إلا ظناً } وأما وصوله إلى درجة العلم فلا . ولما كان المحصور لا بد وأن يكون أخص من المحصور فيه كان الظن الأول بمعنى الاعتقاد ، ولعله عبر عنه بلفظ الظن تأكيداً لمعنى الحصر ، ولذلك عطفوا عليه - تصريحاً بالمراد لأن الظن قد يطلق على العلم - قولهم : { وما نحن } وأكدوا النفي فقالوا : { بمستيقنين * } أي بموجود عندنا اليقين في أمرها ولا بطالبين له - هذا مع ما تشاهدونه من الآيات في الآفاق وفي أنفسكم وما يبث من دابة وما ينبهكم على ذلك من الآيات المسموعة ، وهذا لا ينافي آية { إن هي إلا حياتنا الدنيا } لأن آخرها مثبت للظن ، فكأنهم كانوا تارة يقوى عندهم ما في جبلاتهم وفطرهم الأولى من أمرها فيظنونها ، وتارة تقوى عليهم الحظوظ مع ما يقترن بها من الشبهة المبنية على الجهل فيظنون عدمها فيقطعون به لما للنفس إليه من الميل ، أو كانوا فرقتين - والله أعلم .