Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 5-8)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما دل على الفتح بالنصر وما معه ، وعلل الدين بالسكينة ، علل علة الدليل وهي { ليزدادوا إيماناً } وعلل ما دل عليه ملك الجنود من تدبيرهم وتدبير الأكوان بهم بقوله تعالى زيادة في السكينة : { ليدخل } أي بما أوقع في السكينة { المؤمنين والمؤمنات } الذين جبلهم جبلة خير بجهاد بعضهم ودخول بعضهم في الدين بجهاد المجاهدين ، ولو سلط على الكفار جنوده من أول الأمر فأهلكوهم أو دمر عليهم بغير واسطة لفات دخول أكثرهم الجنة ، وهم من آمن منهم بعد صلح الحديبية { جنات } أي بساتين لا يصل إلى عقولكم من وصفها إلا ما تعرفونه بعقولكم وإن كان الأمر أعظم من ذلك { تجري } ودل وقرب وبعض بقوله : { من تحتها الأنهار } فأي موضع أردت أن تجري منه نهراً قدرت على ذلك ، لأن الماء قريب من وجه الأرض مع صلابتها وحسنها . ولما كان الماء لا يطيب إلا بالقرار تعالى : { خالدين فيها } أي لا إلى آخر . ولما كان السامع لهذا ربما ظن أن فعله ذلك باستحقاق ، قال إشارة إلى أنه لا سبب إلا رحمته : { ويكفر } أي يستر ستراً بليغاً شاملاً { عنهم سيئاتهم } التي ليس من الحكمة دخول الجنة دار القدس قبل تكفيرها ، بسبب ما كانوا متلبسين به منها من الكفر وغيره ، فكان ذلك التكفير سبباً لدخولهم الجنة { وكان ذلك } أي الأمر العظيم من الإدخال والتكفير المهيىء له ، وقدم الظرف تعظيماً لها فقال تعالى : { عند الله } أي الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام { فوزاً عظيماً * } يملأ جميع الجهات . ولما كان من أعظم الفوز إقرار العين بالانتقام من العدو وكان العدو المكاتم أشد من العدو المجاهر المراغم قال تعالى : { ويعذب المنافقين } أي يزيل كل ما لهم من العذوبة { والمنافقات } بما غاظهم من ازدياد الإيمان { والمشركين والمشركات } بصدهم الذي كان سبباً للمقام الدحض الذي كان سبباً لإنزال السكينة الذي كان سبباً لقوة أهل الإسلام بما تأثر عنه من كثرة الداخلين فيه ، الذي كان سبباً لتدمير أهل الكفران ، ثم بعد ذلك عذاب النيران . ولما أخبر بعذابهم ، أتبعه وصفهم بما سبب لهم ذلك فقال تعالى : { الظانين بالله } أي المحيط بجميع صفات الكمال { ظن السوء } من أنه لا يفي بوعده في أنه ينصره رسوله صلى الله عليه وسلم وأتباعه المؤمنين أو أنه لا يبعثهم . أو أنه لا يعذبهم لمخالفة رسوله صلى الله عليه وسلم . ومشاققة أتباعه . ولما أخبر سبحانه وتعالى بعذابهم فسره بقوله : { عليهم } أي في الدنيا والآخرة بما يخزيهم الله به من كثرة جنوده وغيظهم منهم وقهرهم بهم { دائرة السوء } التي دبروها وقدروها للمسلمين لا خلاص لهم منها ، فهم مخذولون في كل موطن خذلاناً ظاهراً يدركه كل أحد ، وباطناً يدركه من أراد الله تعالى من أرباب البصائر كما اتفق في هذه العمرة ، والسوء - بالفتح والضم : ما يسوء كالكره إلا أنه غلب في أن يضاف إلى ما يراد ذمه ، والمضموم جار مجرى الشر الذي هو ضد الخير - قاله في الكشاف . ولما كان من دار عليه السوء قد لا يكون مغضوباً عيه ، قال : { وغضب الله } أي الملك الأعظم بما له من صفات الجلال والجمال فاستعلى غضبه { عليهم } ، وهو عبارة عن أنه يعاملهم معاملة الغضبان بما لا طاقة لهم به . ولما كان الغضب قد لا يوجب الإهانة والإبعاد قال : { ولعنهم } أي طردهم طرداً سفلوا به أسفل سافلين ، فبعدوا به عن كل خير . ولما قرر ما لهم في الدارين ، وكان قد يظن أنه يخص الدنيا فلا يوجب عذاب الآخرة ، أتبعه بما يخصها فقال : { وأعد } أي هيأ الآن { لهم جهنم } تلقاهم بالعبوسة والغيظ والزفير والتجهم كما كانوا يتجهمون عباد الله مع ما فيها من العذاب بالحر والبرد والإحراق ، وغير ذلك من أنواع المشاق . ولما كان التقدير : فساءت معداً ، عطف عليه قوله : { وساءت مصيراً * } . ولما كان هذا معلماً بأن الكفار - مع ما يشاهد منهم من الكثرة الظاهرة والقوة المتضافرة المتوافرة - لا اعتبار لهم لأن البلاء محيط بهم في الدارين ، وكان ذلك أمراً يوجب تشعب الفكر في المؤثر فيهم ذلك ، عطف على ما تقديره إعلاماً بأن التدبير على هذا الوجه لحكم ومصالح يكل عنها الوصف ، ودفعاً لما قد يتوهمه من لم يرسخ إيمانه مما يجب التنزيه عنه : فللّه القوة جميعاً يفعل ما يشاء فيمن يشاء من غير سبب ترونه : { ولله } أي الملك الأعظم { جنود السماوات والأرض } فهو يسلط ما يشاء منها على من يشاء . ولما كان ما ذكر من عذاب الأعداء وثواب الأولياء متوقفاً على تمام العلم ونهاية القدرة التي يكون بها الانتقام والسطوة قال تعالى : { وكان الله } الملك الذي لا أمر لأحد مع أزلاً وأبداً { عزيزاً } يغلب ولا يغلب { حكيماً * } يضع الشيء في أحكم مواضعه ، فلا يستطاع نقض شيء مما ينسب إليه سبحانه وتعالى . ولما تبين أنه ليس لغيره مدخل في إيجاد النصر ، وكانت السورة من أولها حضرة مخاطبة وإقبال فلم يدع أمر إلى نداء بياء ولا غيرها . وكان كأنه قيل : فما فائدة الرسالة إلى الناس ؟ أجيب بقوله تقريراً لما ختم به من صفتي العزة والحكمة . { إنا } بما لنا من العزة والحكمة { أرسلناك } أي بما لنا من العظمة التي هي معنى العزة والحكمة إلى الخلق كافة { شاهداً } على أفعالهم من كفر وإيمان وطاعة وعصيان ، من كان بحضرتك فبنفسك ومن كان بعد موتك أو غائباً عنك فبكتابك ، مع ما أيدناك به من الحفظة من الملائكة . ولما كانت البشارة محبوبة إلى النفوس رغبهم فيما عنده من الخيرات وحببهم فيه بصوغ اسم الفاعل منها مبالغة فيه فقال تعالى : { ومبشراً } أي لمن أطاع بأنواع البشائر . ولما كانت لنذارة كريهة جداً ، لا يقدم على إبلاغها إلا من كمل عرفانه بما فيها من المنافع الموجبة لتجشم مرارة الإقدام على الصدع بها ، أتى بصيغة المبالغة فقال تعالى : { ونذيراً * } .