Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 2-2)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما استثنى بعض ما أحل على سبيل الإبهام شرع في بيانه ، ولما كان منه ما نهى عن التعرض له لا مطلقاً ، بل ما يبلغ محله ، بدأ به لكونه في ذلك كالصيد ، وقدم على ذلك عموم النهي عن انتهاك معالم الحج المنبه عليه بالإحرام ، أو عن كل محرم في كل مكان وزمان ، فقال مكرراً لندائهم تنويهاً بشأنهم وتنبيهاً لعزائمهم وتذكيراً لهم بما ألزموه أنفسهم : { يا أيها الذين آمنوا } أي دخلوا في هذا الدين طائعين { لا تحلو شعائر الله } أي معالم حج بيت الملك الأعظم الحرام ، أو حدوده في جميع الدين ، وشعائر الحج أدخل في ذلك ، والاصطياد أولاها . ولما ذكر ما عممه في الحرم أو مطلقاً ، أتبعه ما عممه في الزمان فقال : { ولا الشهر الحرام } أي فإن ذلك لم يزل معاقداً على احترامه في الجاهلية والإسلام ، ولعله وحده والمراد الجمع إشارة إلى أن الأشهر الحرم كلها في الحرمة سواء . ولما ذكر الحرم والأشهر الحرم ذكر ما يهدى للحرم فقال : { ولا الهدي } وخص منه أشرفه فقال : { ولا القلائد } أي صاحب القلائد من الهدي ، وعبر بها مبالغة في تحريمه ؛ ولما أكد في احترام ما قصد به الحرم من البهائم رقّى الخطاب إلى من قصده من العقلاء ، فإنه مماثل لما تقدمه في أن قصد البيت الحرام حامٍ له وزاجر عنه ، مع ما زاد به من شرف العقل فقال : { ولا آمين } أي ولا تحلوا التعرض لناس قاصدين { البيت الحرام } لأن من قصد بيت الملك كان محترماً باحترام ما قصده . ولما كان المراد القصد بالزيارة بقوله : { يبتغون } أي حال كونهم يطلبون على سبيل الاجتهاد { فضلاً من ربهم } أي المحسن إليهم شكراً لإحسانه ، بأن يثيبهم على ذلك ، لأن ثوابه لا يكون على وجه الاستحقاق الحقيقي أصلاً ؛ ولما كان الثواب قد يكون مع السخط قال : { ورضواناً } وهذا ظاهر في المسلم ، ويجوز أن يراد به أيضاً الكافر ، لأن قصده البيت الحرام على هذا الوجه يرق قلبه فيهيئه للإسلام ، وعلى هذا فهي منسوخة . ولما كان التقدير : فإن لم يكونوا كذلك . أي في أصل القصد ولا في وصفه - فهم حل لكم وإن لم تكونوا أنتم حرماً ، والصيد حلال لكم ، عطف عليه التصريح بما أفهمه التقييد فيما سبق بالإحرام فقال : { وإذا حللتم } أي من الإحرام بقضاء المناسك والإحصار { فاصطادوا } وترك الشهر الحرام إذ كان الحرام فيه حراماً في غيره ، وإنما صرح به تنويهاً بقدره وتعظيماً لحرمته ، ثم أكد تحريم قاصد المسجد الحرام وإن كان كافراً ، وإن كان على سبيل المجازاة بقوله : { ولا يجرمنكم } أي يحملنكم { شنئان قوم } أي شدة بغضهم . ولما ذكر البغض أتبعه سببه فقال : { إن } على سبيل الاشتراط الذي يفهم تعبير الحكم به أنه سيقع ، هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو ، والتقدير في قراءة الباقين بالفتح : لأجل أن { صدوكم } أي في عام الحديبية أو غيره { عن المسجد الحرام } أي على { أن تعتدوا } أي يشتد عدوكم عليهم بأن تصدوهم عنه أو بغير ذلك ، فإن المسلم من لم يزده تعدي عدوه فيه حدود الشرع إلا وقوفاً عند حدوده ، وهذا قبل نزول { إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام } [ التوبة : 28 ] سنة تسع . ولما نهاهم عن ذلك ، وكان الانتهاء عن الحظوظ شديداً على النفوس ، وكان لذلك لا بد في الغالب من منتهٍ وآبٍ ، أمر بالتعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال : { وتعاونوا على البر } وهو ما اتسع وطاب من حلال الخير { والتقوى } وهي كل ما يحمل على الخوف من الله ، فإنه الحامل على البر ، فإن كان منكم من اعتدى فتعاونوا على رده ، وإلا فازدادوا بالمعاونة خيراً . ولما كان المعين على الخير قد يعين على الشر قال تنبيهاً على الملازمة في المعاونة على الخير ، ناهياً أن يغضب الإنسان لغضب أحد من صديق أو قريب إلا إذا كان الغضب له داعياً إلى بر وتقوى : { ولا تعانوا على الإثم } أي الذنب الذي يستلزم الضيق { والعدوان } أي المبالغة في مجاوزة الحدود والانتقام والتشفي وغير ذلك وكرر الأمر بالتقوى إشارة إلى أنها الحاملة على كل خير فقال : { واتقوا } أي الذي له صفات الكمال لذاته فلا تتعدوا شيئاً من حدوده ؛ ولما كان كف النفس عن الانتقام وزجرها عن شفاء داء الغيظ وتبريد غلة الاحن في غاية العسر ، ختم الآية بقوله : { إن الله } أي الملك الأعظم { شديد العقاب } .