Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 33-35)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان هذا الإسراف بعد هذه الموانع محاربة للناهي عنه ، وكان تارة يكون بالقتل وتارة بغيره ، وكان ربما ظن أن عذاب القاتل يكون بأكثر من القتل لكونه كمن قتل الناس جميعاً ، وصل به سبحانه قوله على طريق الحصر : { إنما جزاؤا } وكان الأصل : جزاؤهم ، ولكن أريد تعليق الحكم بالوصف والتعميم فقال : { الذين يحاربون الله } أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له { ورسوله } أي بمحاربة من نَهَيَا عن محاربته بقطع الطريق وهم مسلمون ، ولهم منعة ممن أرادهم ، ويقصدون المسلمين في دمائهم وأموالهم سواء كانوا في البلد أو خارجها . ولما كان عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً ، أعلم أن هؤلاء عماد الشيطان بقوله : { ويسعون في الأرض } ولما كان هذا ظاهراً في الفساد ، صرح به في قوله : { فساداً } أي حال كونهم ذوي فساد ، أو للفساد ، ويجوز أن يكون مصدراً ليسعون - على المعنى ، ولما كانت أفعالهم مختلفة ، فسم عقوبتهم بحسبها فقال : { أن يقتلوا } أي إن كانت جريمتهم القتل فقط ، لأن القتل جزاؤه القتل ، وزاد - لكونه في قطع الطريق - صيرورته حتماً لا يصح العفو عنه { أو يصلّبوه } أي مع القتل إن ضموا إلى القتل أحد المال ، بأن يرفع المصلوب على جذع ، ومنهم من قال : يكون ذلك وهو حيّ ، فحينئذٍ تمد يداه مع الجذع ، والأصح عند الشافعية أنه يقتل ويصلى عليه ثم يرفع على الجذع زمناً يشيع خبره فيه لينزجر غيره ، ولا يزاد على ثلاثة أيام { أو تقطّع أيديهم } أي اليمنى بأخذهم المال من غير قتل { وأرجلهم } أي اليسرى لإخافة السبيل ، وهذا معنى قوله : { من خلاف } أي إن كانت الجريمة أخذ المال فقط { أو ينفوا من الأرض } أي بالإخافة والإزعاج إن لم يقعوا في قبضة الإمام ليكونوا منتقلين من بلد إلى آخر ذعراً وخوفاً ، وبالحبس إن وقعوا في القبضة ، وكانوا قد كثروا سواد المحاربين وما قتلوا ولا أخذوا مالاً { ذلك } أي النكل الشديد المفصّل إلى ما ذكر { لهم } أي خاصاً بهم { خزي } أي إهانة وذل بإيقاعه بهم { في الدنيا } أي ليرتدع بهم غيرهم { ولهم } أي إن لم يتوبوا { في الآخرة } أي التي هي موطن الفصل بإظهار العدل { عذاب عظيم } أي هو بحيث لا يدخل تحت مَعارِفِكم أكثر من وصفه بالعظم . ولما كان التعبير بـ " إنما " يدل بختم الجزاء على هذا الوجه ، استثنى من المعاقبين هذه العقوبة بقوله : { إلا الذين تابوا } أي رجعوا عما كانوا عليه من المحاربة خوفاً من الله تعالى ، ولذا قال : { من قبل } وأثبت الجار إشارة إلى القبول وإن طال زمن المعصية وقصر زمن التوبة { أن تقدروا عليهم } أي فإن تحتم الجزاء المذكور يسقط ، فلا يجازون على ما يتعلق بحقوق الآدمي إلاّ إذا طلب صاحب الحق ، فإن عفا كان له ذلك ، وأما حق الله تعالى فإنه يسقط ، وإلى هذا الإشارة أيضاً بقوله تعالى : { فاعلموا أن الله } أي على ما له من صفات العظمة { غفور رحيم * } أي صفته ذلك أزلاًَ وأبداً ، فهو يفعل منه ما يشاء لمن يشاء ، وأفهمت الآية أن التوبة بعد القدرة لا تسقط شيئاً من الحدود . ولما ذكر تعالى حكمهم عند التوبة ، وختم الآية بما يناسب من الغفران والرحمة ، وكان ذلك ربما كان جزاء من لم يرسخ قدمه في الدين على جنابه المتعالي ، أتبع ذلك الأمر بالتقوى وجهاد كل من أفسد بقطع الطريق أو الكفر أو غيره فقال على وجه الاستنتاج مما قبله : { يا أيها الذين آمنوا } أي وجد منهم الإقرار بالإيمان { اتقوا الله } أي اجعلوا بينكم وبين ما سمعتم من وعيده للمفسدين وقاية تصديقاً لما أقررتم به ، لما له سبحانه من العظمة التي هي جديرة بأن تخشى وترجى لجمعها الجلال والإكرام . ولما كانت مجامع التكليف منحصرة في تخلٍّ من فضائح المنهيات وتحلٍّ بملابس المأمورات ، وقدم الأول لأنه من درء المفاسد ، أتبعه الثاني فقال : { وابتغوا } أي اطلبوا طلباً شديداً { إليه } أي خاصة { الوسيلة } أي التقريب بكل ما يوصل إليه من طاعته ، ولا تيأسوا وإن عظمت ذنوبكم لأنه غفور رحيم . ولما كان سببحانه قد قدم أوامر ونواهي ، وكان الاستقراء قد أبان الناس عند الأمر والنهي بين مقبل ومعرض ، وكان قد أمر المقبل بجهاد المعرض ، وكان للجهاد . بما له من عظيم النفع وفيه من المشقة - مزيدُ خصوصية ، أفرد بالذكر تأكيداً لما مضى منه وإعلاماً بأنه للعاصي مطلقاً سواء كان بالكفر أو بغيره فقال : { وجاهدوا في سبيله } أي لتكون كلمته هي العليا { لعلكم تفلحون * } أي لتكون حالكم حال من يرجى نيله لكل ما يطلبه ، وهذا شامل لكل أمر بمعروف ونهي عن منكر في أعلى درجاته وأدناها .