Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 77-78)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما قامت الأدلة على بطلان قول اليهود ثم على بطلان مدعى النصارى ، ولم يبق لأحد علة ، أمره صلى الله عليه وسلم أن ينهى الفريقين عن الغلو بالباطل في أمر عيسى عليه السلام : اليهود بإنزاله عن رتبته ، والنصارة برفعه عنها بقوله تعالى : { قل يا أهل الكتاب } أي عامة { لا تغلوا } أي تجاوزوا الحد علواً ولا نزولاً { في دينكم } . ولما كان الغلو ربما أطلق على شدة الفحص عن الحقائق واستنباط الخفي من الأحكام والدقائق من خبايا النصوص ، نفى ذلك بقوله : { غير الحق } وعرّفه ليفيد أن المبالغة في الحق غير منهي عنها ، وإنما المنهي عنه تجاوز دائرة الحق بكمالها ، ولو نكر لكان من جاوز حقاً إلى غيره واقعاً في النهي ، كما جاوز الاجتهاد في الصلاة النافلة إلى الجد في العلم النافع ، ولو قيل : باطلاً ، لأوهم أن المنهي عنه المبالغة في الباطل ، لا أصله ومطلقه . ولما نهاهم أن يضلوا بأنفسهم ، نهاهم أن يقلدوا في ذلك غيرهم فقال : { ولا تتبعوا } أي فاعلين فعل من يجتهد في ذلك { أهواء قوم } أي هَوَوا مع ما لهم من القوة ، فكانوا أسفل سافلين ، والهوى لا يستعمل إلا في البشر { قد ضلوا } ولما كان ضلالهم غير مستغرق للزمان الماضي ، أدخل الجار فقال : { من قبل } أي من قبل زمانكم هذا عن منهاج العقل فصبروا على ضلالهم وأنسوا بما تمادوا عليه في محالهم { وأضلوا } أي لم يكفهم ضلالُهم في أنفسهم حتى أضلوا غيرهم { كثيراً } أي من الناس بتماديهم في الباطل من التثليث وغيره حتى ظن حقاً { وضلوا } أي بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم بمنابذة الشرع { عن سواء } أي عدل { السبيل * } أي الذي لا سبيل في الحقيقة غيره ، لأن الشرع هو الميزان القسط والحكم العدل ، وهذا إشارة إلى أنهم إن لم ينتهوا كانوا على محض التقليد لأسلافهم الذين هم في غاية البعد عن النهج وترك الاهتداء بنور العلم ، وهذا غاية في التبكيت ، فإن تقليدهم لو كان فيما يشبه الحق كان جهلاً ، فكيف وإنما هو تقليد في هوى . ولما نهاهم عن ذلك وقبحه عليهم . علله محذراً منه بقوله تعالى بانياً للمفعول ، لأن الفاعل معروف بقرينة من هو على لسانهما : { لعن } ووصفهم بما نبه على علة لعنهم بقوله : { الذين كفروا } وصرح بنسبتهم تعييناً لهم وتبكيتاً وتقريعاً فقال : { من بني إسرائيل } وأكد هذا اللعن وفخمه بقوله : { على لسان داود } أي الذي كان على شريعة موسى عليه السلام ، وذلك باعتدائهم في السبت فصاروا قردة { وعيسى ابن مريم } أي الذي نسخ شرع موسى عليه السلام ، بكفرهم بعد المائدة فمسخوا خنازير ، لأنهم خالفوا النبيين معاً ، فلا هم تعبدوا بما دعاهم إليه داود عليه السلام من شرعهم الذي هم مدعون التمسك به ، وعارفون بأن ما دعاهم إليه منه حقاً ، ولا هم خرجوا عنه إلى ما أمروا بالخروج إليه على لسان موسى عليه السلام في بشارته به متقيدين بطاعته ، فلم تبق لهم علة من التقيد به ولا التقيد بحق دعاهم إليه غيره ، فعلم قطعاً أنهم مع الهوى كما مضى ، ولم ينفعهم مع نسبتهم إلى واحدة من الشريعتين نسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام ، فإنه لا نسب لأحد عند الله دون التقوى لا سيما في يوم الفصل إذ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين . ولما أخبر بلعنهم وأشار إلى تعليله بكفرهم ، صرح بتعليله بقوله : { ذلك } أي اللعن التام { بما } أي بسبب ما { عصوا } أي فعلوا في ترك أحكام الله فعل العاصي على الله { وكانوا يعتدون * } أي كانت مجاوزة الحدود التي حدها الله لهم خلقاً . ذكر الإشارة إلى لعنهم في الزبور والإنجيل ، قال في المزمور السابع والسبعين من الزبور : أنصت يا شعبي لوصاياي ، قربوا أسماعكم إلى قول فمي ، فإني أفتح بالأمثال فمي ، وأنطق بالسرائر الأزلية التي سمعناها وعرفناها وأخبرنا آباؤنا بها ولم يخفوها عن أبنائهم ليعرفوا الجيل الآتي تسابيح الرب وقوته وعجائبه التي صنعها ، أقام شهادته في يعقوب وجعل ناموساً في إسرائيل كالذي أوصى آباءنا ليعلموا أبناءهم ، لكيما يخبر الجيل الآخر البنين الذين يولدون ويقومون ، ويعلمون أيضاً بنيهم أن يجعلوا توكلهم على الله ولا ينسوا أعمال الرب ، ويتبعوا وصاياه لئلا يكونوا كآبائهم الجيل المنحرف المخالف الخلف الذي لم يثق قلبه ولم يؤمن بالله المفرج عنه ، بنو إفرام الذين أوتروا ورفعوا عن قسيهم وانهزموا في يوم القتال لأنهم لم يحفظوا عهد الرب ولم يشاؤوا أن يسيروا في سبله ، ونسوا حسن أعماله وصنائعه التي أظهرها قدام آبائهم ، العجائب التي صنعها بأرض مصر في مزارع صاعان ، فلق البحر وأجازهم وأقام المياه كالزقاق ، هداهم بالنهار في الغمام وفي الليل أجمع بمصابيح النار ، فلق صخرة في البرية وسقاهم منها كاللجج العظيمة ، أخرج الماء من الحجر فجرت المياه كجري الأنهار ، وعاد الشعب أيضاً في الخطيئة ، وأسخطوا العلي حيث لم يكن ماء ، جربوا الله في قلوبهم بمسألة الطعام لنفوسهم ، وقذفوا على الله وقالوا : هل يقدر أن يصنع لنا مائدة في البرية ، لأنه ضرب الصخرة فجرت المياه وفاضت الأودية ، هل يستطيع أن يعطينا خبزاً أو يعد مائدة لشعبه ، سمع الرب فغضب واشتعلت النار في يعقوب ، وصعد الرجزُ على إسرائيل لأنهم لم يؤمنوا بالله ولا رجوا خلاصه ، فأمر السحاب من فوق وانفتحت أبواب السماء ليشبعوا ، أهاج ريح التيمن من السماء وأتى بقوة العاصف ، وأنزل اللحم مثل التراب وطير السماء ذات الأجنحة مثل رمل البحار ، يسقطن في محالهم حول خيامهم ، فأكلوا وشبعوا جداً ، أعطاهم شهوتهم ولم يحرمهم إرادتهم ، فبينما الطعام في أفواههم إذ غضب الله نزل عليهم فقتل في كثرتهم وصرع في مختاري إسرائيل ، ومع هذا كله أخطؤوا إليه أيضاً ولم يؤمنوا بعجائبه ، فنيت بالباطل أيامهم ، وتصرمت عاجلاً سنوهم ، فحين قتلهم رغبوا إلى الله وعادوا وابتكروا إليه وذكروا أن الله معينهم وأن الله العلي مخلصهم ، أحبوه بأفواههم وكذبوه بألسنتهم ، ولم تخلص له قلوبهم ولم يؤمنوا بعهده ، وهو رحيم رؤوف ، يغفر ذنوبهم ولا يهلكهم ، ويرد كثرة سخطه عنهم ولا يبعث كل رجزه ، وذكر أنهم لحم وروح يذهب ولا يعود ، مراراً كثيرة أسخطوه في البرية وأغضبوه في أرض ظامئة ، وعادوا وجربوا الله وأسخطوا قدوس إسرائيل ، ولم يذكروا يده في يوم نجاهم من المضطهدين - انتهى . هذا بعض ما في الزبور ، وأما الإنجيل فطافح بذلك ، منه ما في إنجيل متى ، قال : وانتقل يسوع من هناك وجاء إلى عبر الجليل ، وصعد إلى الجبل وجلس هناك ، وجاء إليه جمع كبير معهم خرس وعمى وعرج وعسم وآخرون كثيرون ، فخروا عند رجليه فأبرأهم ، وتعجب الجمع لأنهم نظروا الخرس يتكلمون والصم يسمعون والعرج يمشون والعمى يبصرون ، ومجدوا إله إسرائيل ، وإن يسوع دعا تلاميذه وقال لهم : إني أتحنن على هذا الجمع ، لأن لهم معي ثلاثة أيام ههنا ، وليس عندهم ما يأكلون ، ولا أريد أطلقهم صياماً لئلا يضيعوا في الطريق ، قال مرقس : لأن منهم من جاء من بعيد - انتهى . قال له التلاميذ : من أين نجد من خبز القمح في البرية ما يشبع هذا الجمع ؟ فقال لهم يسوع : كم عندكم من الخبز ؟ فقالوا : سبعة أرغفة ويسير من السمك ، فأمر الجمع أن يجلس على الأرض وأخذ السبع خبزات والسمك وبارك وكسر وأعطى تلاميذه ، وناول التلاميذ الجمع ، فأكل جميعهم وشبعوا ورفعوا فضلات الكسر سبع قفاف مملوءة ، وكان الذين أكلوا نحو أربعة آلاف رجل سوى النساء والصبيان ، وأطلق الجمع وصعد السفينة وجاء إلى تخوم مجدل - وقال مرقس : إلى نواحي مابونا - وجاء الفريسيون والزنادقة يجربونه ويسألونه أن يريهم آية من السماء ، فأجابهم يسوع قائلاً : إذا كان المساء قلتم : إن السماء صاحية - لاحمرارها ، وبالغداة تقولون : اليوم شتاء - لاحمرار جو السماء العبوس ، أيها المراؤون ! تعلمون آية هذا الزمان ، الجيل الشرير الفاسق يطلب آية ، ولا يعطى إلا آية يونان النبي - وتركهم ومضى ، ثم جاء التلاميذ إلى العبر ونسوا أن يأخذوا خبزاً - قال مرقس : ولم يكن في السفينة إلا رغيف واحد - وإن يسوع قال لهم : انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والزنادقة - وقال مرقس : وخمير هيرودس - ففكروا قائلين : إنا لم نجد خبزاً ، فعلم يسوع فقال لهم : لماذا تفكرون في نفوسكم يا قليلي الأمانة ؟ إنكم ليس معكم خبز ، أما تفهمون ولا تذكرون الخمس خبزات لخمسة آلاف وكم سلاً أخذتم ؟ والسبع خبزات لأربعة آلاف ، وكم قفة أخذتم ؟ لماذا لا تفهمون ؟ لأني لم أقل لكم من أجل الخبز ، حينئذ فهموا أنه لم يقل لهم أن يتحرزوا من خمير الخبز ، لكن من تعليم الزنادقة والفريسيين ، وقال لوقا : تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء ، لأنه ليس خفي إلا سيظهر ، ولا مكتوم إلا سيعلم ، الذي تقولونه في الظلام سيسمع في النور ، والذي وعيتموه في الآذان سوف ينادى به على السطوح ، أقول لكم : يا أحبائي لا تخافوا ممن يقتل الجسد ، وبعد ذلك ليس له أن يفعل أكثر ، خافوا ممن إذا قتل له سلطان أن يلقى في نار جهنم - وسيأتي بقية الإشارة إلى لعنهم في سورة الصف إن شاء الله تعالى ، والعسم جمع أعسم - بمهملتين ، وهو من في يده أو قدمه اعوجاج أو يده يابسة .