Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 34-37)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان الإخبار بكونها لهم وإن كان أمراً ساراً لا يقتضي دخولها في ذلك الوقت ، زاد سرورهم بالإذن بقوله معبراً بضمير الجميع بياناً لأن المراد من " من " جميع المتقين : { ادخلوها } أي يقال لهم : ادخلوا الجنة . ولما كان المراد استقبالهم بالإلذاذ بالبشارة قال : { بسلام } أي مصاحبين للسلامة من كل يمكن أن يخاف ، فأنتج ذلك قوله إنهاء للسرور إلى غاية لا توصف : { ذلك } أي اليوم العظيم جداً { يوم } ابتداء أو تقرير { الخلود * } أي الإقامة التي لا آخر لها ولا نفاذ لشيء من لذاتها أصلاً ، ولذلك وصل به قوله جواباً لمن كأنه قال : على أي وجه خلودهم ؟ : { لهم } بظواهرهم وبواطنهم { ما يشاؤون } أي يتجدد مشيئتهم أو تمكن مشيئتهم له { فيها } أي الجنة { ولدينا } أي عندنا من الأمور التي في غاية الغرابة عندهم وإن كان كل ما عندهم مستغرباً { مزيد * } أي مما لا يدخل تحت أوهامهم يشاؤه ، فإن سياق الامتنان يدل على أن تنوينه للتعظيم ، والتعبير بلدى يؤكد ذلك تأكيداً يناسبها بأن يكونوا كل لحظة في زيادة على أمانيهم عكس ما كانوا في الدنيا ، وبذلك تزداد علومهم ، فمقدورات الله لا تنحصر ، لأن معلوماته لا تنتهي . ولما ذكر سبحانه أول السورة تكذيبهم بالقدرة على اعترافهم بما يكذبهم في ذلك التكذيب ، ثم سلى وهدد بتكذيب الأمم السابقة ، وذكر قدرته عليهم ، وأتبعه الدلالة على كمال قدرته إلى أن ختم بالإشارة إلى أن قدرته لا نهاية لها ، ولا تحصر بحدّ ولا تحصى بعدّ ، رداً على أهل العناد وبدعة الاتحاد في قولهم " ليس في الإمكان أبدع مما كان " عطف على ما قدرته بعد { فحق وعيد } من إهلاك تلك الأمم مما هو أعم منه بشموله جميع الزمان الماضي وأدل على شمول القدرة ، فقال : { وكم أهلكنا } أي بما لنا من العظمة . ولما كان المراد تعميم الإهلاك في جميع الأزمان لجميع الأمم ، نزع الجار بياناً لإحاطة القدرة فقال : { قبلهم } وزاد في دلالة التعميم فأثبته في قوله : { من قرن } أي جيل هم في غاية القوة ، وزاد في بيان القوة فقال : { هم } أي أولئك القرون بظواهرهم وبواطنهم { أشد منهم } أي من قريش { بطشاً } أي قوة وأخذاً لما يريدونه بالعنف والسطوة والشدّة ، وحذف الجار هنا يدل على أن كل من كان قبل قريش كانوا أقوى منهم ، وإثباته في ص يدل على أن المذكورين بالإهلاك هناك مع الاتصاف بالنداء المذكور بعض المهلكين لا كلهم . ولما أخبر سبحانه بأشديتهم سبب عنه قوله : { فنقبوا } أي أوقعوا النقب { في البلاد } بأن فتحو فيها الأبواب الحسية والمعنوية وخرقوا في أرجائها ما لم يقدر غيرهم عليه وبالغوا في السير في النقاب ، وهي طرق الجبال والطرق الضيقة فضلاً عن الواسعة وما في السهول ، بعقولهم الواسعة وآرائهم النافذة وطبائعهم القوية ، وبحثوا مع ذلك عن الأخبار ، وأخبروا غيرهم بما لم يصل إليهم ، وكان كل منهم نقاباً في ذلك أي علامة فيه فصارت له به مناقب أو مفاخر . ولما كان التقدير : ولم يسلموا مع كثربة تنقيبهم وشدته من إهلاكنا بغوائل الزمان ونوازل الحدثان ، توجه سؤال كل سامع على ما في ذلك من العجائب والشدة والهول والمخاوف سؤال تنبيه للذاهل الغافل ، وتقريع وتبكيت للمعاند الجاهل ، بقوله : { هل من محيص * } أي معدل ومحيد ومهرب وإن دق ، من قضائنا ليكون لهؤلاء وجه ما في رد أمرنا . ولما ذكرنا هنا من المواعظ ما أرقص الجماد ، فكيف بمن يدعي أنه من رؤوس النقاد ، أنتج قوله مؤكداً لأجل إنكار الجاحد وعناد المعاند : { إن في ذلك } أي الأمر البديع من العظات التي صرفناها هنا على ما ترون من الأساليب العجيبة والطرق الغريبة في الإهلاك وغيره { لذكرى } أي تذكيراً عظيماً جداً . ولما كان المتذكر بمصارع المهلكين تارة بأن يكون حاضراً فيرى مصارعهم حال الإيقاع بهم أو يرى آثارهم بعد ذلك ، وتارة يخبر عنها ، قال بادئاً بالرائي لأنه أجدر بالتذكير : { لمن كان } أي كوناً عظيماً { له قلب } هو في غاية العظمة والنورانية إن رأى شيئاً من ذلك فهو بحيث يفهم ما يراه ويعتز به ، ومن لم يكن كذلك فلا قلب له لأن قلبه لما كان غير نافع كان عدماً . ولما كان قد بدأ بالناظر لأنه أولى بالاعتبار وأقرب إلى الادكار ، ثنى بمن نقلت إليه الأخبار فقال : { أو ألقى } أي إلقاء عظيماً بغاية إصغائه حتى كأنه يرمي بشيء ثقيل من علو إلى سفل { السمع } أي الكامل الذي قد جرده عن الشواغل من الحظوظ وغيرها إذا سمع ما غاب عنه { وهو } أي والحال أنه في حال إلقائه { شهيد * } أي حاضر بكليته ، فهو في غاية ما يكون من تصويب الفكر وجمع الخاطر ، فلا يغيب عنه شيء مما تلي عليه وألقي إليه ، فيتذكر بما ذكرناه به عن قدرتنا من الجزئيات ما أنتجه من القدرة على كل شيء ، ورأى مجد القرآن فعلم أنه كلام الله فسمعه منه فصدق الرسول ، وقبل كل ما يخبر به ، ومن سمع شيئاً ولم يحضر له ذهنه فهو غائب ، فالأول العالم بالقوة وهو المجبول على الاستعداد الكامل فهو بحيث لا يحتاج إلى غير التدبر لما عنده من الكمال المهيأ بفهم ما يذكر به القرآن ، والثاني القاصر بما عنده من كثافة الطبع فهو بحيث يحتاج إلى التعليم فيتذكر بشرط أن يقبل بكليته ، ويزيل الموانع كلها ، فلذلك حسن جداً موقع " أو " المقسمة وعلم منه عظيم شرف القرآن في أنه مبشر للكامل والناقص ، ليس منه مانع غير الإعراض .