Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 7-11)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما دل سبحانه على تمام قدرته وكمال علمه وغير ذلك من صفات الكمال بآية السماء ، أتبع ذلك الدلالة على أنه لا يقال فيه داخل العالم ولا خارجه لأنه متصل به ولا منفصل عنه ، نبه على ذلك بالدلالة على آية الأرض ، وأخرها لأن السماء أدل على المجد الذي هذا سياقه ، لأنها أعجب صنعة وأعلى علوّاً وأجل مقداراً وأعظم أثراً ، وأن الأرض لكثرة الملابسة لها والاجتناء من ثمارها يغفل الإنسان عن دلالتها ، بما له في ذلك من الصنائع والمنافع ، فقال : { والأرض } أي المحيطة بهم { مددناها } أي جعلناها لما لنا من العظمة مبسوطة لا مسنمة . ولما كان الممدود يتكفأ ، قال : { وألقينا } بعظمتنا { فيها رواسي } أي جبالاً ثوابت كان سبباً لثباتها ، وخالفت عادة المراسي في أنها من فوق ، والمراسي تعالجونها أنتم من تحت . ولما كان سكانها لا غنى لهم عن الرزق ، قال ممتناً عليهم : { وأنبتنا } بما لنا من العظمة { فيها } وعظم قدرتها بالتبعيض فقال : { من كل زوج } أي صنف من النبات تزاوجه أشكاله بأرزاقكم كلها { بهيج * } أي هو في غاية الرونق والإعجاب ، فكان - مع كونه رزقاً - متنزهاً . ولما ذكر هذه الصنائع الباهرة ، عللها بقوله : { تبصرة } أي جعلنا هذه الأشياء كلها ، أي لأجل أن تنظروها بأبصاركم ، ثم تتفكروا ببصائركم ، فتعبروا منها إلى صانعها ، فتعلموا ما له من العظمة { وذكرى } أي ولتتذكروا بها تذكراً عظيماً ، بما لكم من القوى والقدر فتعلموا بعجزكم عن كل شيء من ذلك أن صانعها لا يعجزه شيء ، وأنه محيط بجميع صفات الكمال ، لو ألم بجنابه شائبة من شوائب النقص لما فاض عنه هذا الصنع الغريب البديع . ولما كان من لا ينتفع بالشيء كأنه عادم لذلك الشيء ، قصر الأمر على المنتفع فقال : { لكل عبد } يتذكر بما له من النقص وبما دل عليه هذا الصنع من الكمال أنه عبد مربوب لصانعه . ولما كان الإنسان لما له من النقصان لا يزال كلما أعلاه عقله أسفله طبعه ، فكان ربما ظن أنه لا يقبل إذا رجع ، رغبة في الرجوع بقوله : { منيب * } أي رجاع عما حطه عنه طبعه إلى ما يعليه إليه عقله ، فيرجع من شهود هذه الأفعال إلى شهود هذه الصفات إلى علم الذات . ولما كان إنزال الماء أبهر الآيات وأدلها على أنه أجلّ من أن يقال : إنه داخل العالم أو خارجه ، أو متصل به أو منفصل عنه ، مع أن به تكوّن النبات وحصول الأقوات وبه حياة كل شيء ، أفرده تنبيهاً على ذلك فقال : { ونزلنا } أي شيئاً فشيئاً في أوقات على سبيل التقاطر وبما يناسب عظمتنا التي لا تضاهى بغيب ، بما له من النقل والنبوع والنفوذ فنزل دفعة واحدة فأهلك ما نزل عليه فزالت المفقرة وعادت المنفعة مضرة { من السماء } أي المحل العالي الذي لا يمسك فيه الماء عن دوام التقاطر إلا بقاهر { ماء مباركاً } أي نافعاً جداً ثابتاً لا خيالاً محيطاً بجميع منافعكم . ولما كان الماء سبباً في تكون الأشياء ، وكان ذلك سبباً في انعقاده حتى يصير خشباً وحباً وعنباً ، وغير ذلك عجباً ، قال : { فأنبتنا } معبراً بنون العظمة { به جنات } من الثمر والشجر والزرع وغيره مما تجمعه البساتين فتجنّ - أي تستر - الداخل فيها . ولما كان القصب الذي يحصد فيكون حبه قوتاً للحيوان وساقه للبهائم ، خصه بقوله : { وحب الحصيد } أي النجم الذي من شأنه أن يحصد من البر والشعير ونحوهما ، وأومأ بالتقييد إلى أن هذه الحبوب أشرف من حب اللآلىء الذي ينبته الله من المطر لأنها لقيام النبتة ؟ وتلك للزينة ، ولما كان النخل من أعجبه ما يتكون منه مع ما له من المنافع التي لا يساويه فيها شجر ، والطباق للرزع بالطول والقصر والاتساق بالاقتيات للآدميين والبهائم ، قال : { والنخل باسقات } أي عاليات طويلات على جميع الأشجار المثمرة ذوات أثمار طيبة { لها } مع يبس ساقها { طلع نضيد * } أي مصفوف متراكم بعضه فوق بعض ، وهو حشو طلعه ، والطلع ذلك الخارج من أعلى النخلة كأنه فعلان مطبقان ، والحمل النضيد بينهما ، والطرف محدد ، أو الطلع ما يبدو من ثمر النخل أول ظهورها ، وذلك القشر يسمى الكفرى لتعطيته إياه على أحكم مما يكون وأوثق ، والطلع يشبه ما للناقة المبسق من اللبا المتكون في ضرعها قبل النتاج ، ثم يصير بعد اتحاده في البياض وهو طلع إلى الافتراق حال الينوع إلى أحمر وأصفر وأخضر وغير ذلك من الألوان الغريبة ، والأوصاف العجيبة ، وهي محيطة المنافع بالتفكه على عدة أنواع والاقتيات وغير ذلك ، وطلعها مخالف لعادة أكثر الأشجار فإن ثمارها مفردة ، كل حبة منفردة عن أختها . ولما ذكر سبحانه بعض ما له في الماء من العظمة ، ذكر له علة هي غاية في المنة على الخلق فقال : { رزقاً للعباد } أي أنبتنا به ذلك لأجل أنه بعض ما جعلناه رزقهم . ولما كان ذلك أعظم مذكر للبصراء بالبعث ولجميع صفات الكمال ، أتبعه ما له من التذكير بالبعث بخصوصه فقال : { وأحيينا به } أي الماء بعظمتنا { بلدة } وسمها بالتاء إشارة إلى أنها في غاية الضعف والحاجة إلى الثبات والخلو عنه ، وذكر قوله : { ميتاً } للزيادة في تقرير تمكن الحاجة فيها . ولما كان هذا خاصة من أوضح أدلة البعث ، قال على سبيل النتيجة : { كذلك } أي مثل هذا الإخراج العظيم { الخروج * } الذي هو لعظمته كأنه مختص بهذا المعنى ، وهو بعث الموتى من قبورهم على ما كانوا عليه في الدنيا ، لا فرق بين خروج النبات بعد ما تهشم في الأرض وصار تراباً كما كان من بين أصفره وأبيضه وأحمره وأخضره وأزرقه إلى غير ذلك ، وبين إخراج ما تفتت من الموتى كما كانوا في الدنيا ، قال أبو حيان : ذكر تعالى في السماء ثلاثة : البناء والتزيين ونفي الفروج ، وفي الأرض ثلاثة : المد وإلقاء الرواسي والإنبات ، قابل المد بالبناء لأن المد وضع والبناء رفع ، وإلقاء الرواسي بالتزيين بالكواكب لارتكاز كل واحد منها - أي على سطح ما هو فيه , والإنبات المترتب على الشق بانتفاء الفروج ، فلا شق فيها ، ونبه فيما تعلق به الإنبات على ما يقطف كل سنة ويبقى أصله ، وما يزرع كل سنة أو سنتين ويقطف كل سنة ، وعلى ما اختلط من جنسين ، فبعض الثمار فاكهة لا قوت ، وأكثر الزرع قوت والثمر فاكهة وقوت .