Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 38-46)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما قدم سبحانه أحق القصص الدالة على قسمه وما أقسم عليه بما فيها من خفاء الأسباب مع وجودها ، ثم ما فيها من إنزال ما به الوعيد من السماء بالنار والماء الذي أشير إليه بالمقسمات ، مع الفرقة بين المسلم والمجرم ، أتبعها قصة من أيده بحاملات فيها مطر وبرد ونار مضطرمة ، كما مضى بيانه في الأعراف ، ثم بعد ذلك بريح فرقت البحر ونشفت أرضه ودخله فرعون والقبط ، وهو واضح الأمر في أنه سبب لهلاكهم وهم لا يشعرون به ، فقال عاطفاً على المقدر في قصة إبراهيم عليه السلام أو الظاهر في { وفي الأرض } أو على " في " التي في قوله { وتركنا فيها آية للذين يخافون } وهذا أقرب من غيره وأولى : { وفي موسى } أي في قصته وأمره آية على ذلك عظيمة { إذ أرسلناه } بعظمتنا { إلى فرعون } الذي كان قد أساء إلى إبراهيم عليه السلام بعد عظيم إحسانهم إله وإلى جميع قومه بما أحس إليهم يوسف عليه السلام { بسلطان مبين * } أي معجزات ظاهرة في نفسه منادية من شدة ظهورها بأنها معجزة ، فكان فيها دلالة واضحة على صدق وعيده ومع ذلك فلم ينفعهم علمها ولذلك سبب عنه وعقب به قوله : { فتولى } أي كلف نفسه الإعراض بعد ما دعاه علمها إلى الإقبال إليها ، وأشار إلى توليه بقوله : { بركنه } أي بسب ما يركن إليه من القوة في نفسه وبأعوانه وجنوده أو بجميع جنوده - كناية عن المبالغة في الإعراض ، { وقال } معلماً بعجزه عما أتاه به وهو لا يشعر : { ساحر } ثم ناقض كمناقضتكم فقال بجهله عما يلزم على قوله : { أو مجنون * } أي لاجترائه عليّ مع ما لي من عظيم الملك بمثل هذا الذي يدعو إليه ويتهدد عليه . ولما وقعت التسلية بهذا للأولياء ، قال تعالى محذراً للأعداء : { فأخذناه } أي أخذ غضب وقهر بعظمتنا بما استدرجناه به وأوهناه به من العذاب الذي منه سحاب حامل ماء وبرداً وناراً وصواعق { وجنوده } أي كلهم { فنبذناهم } أي طرحناهم طرح مستهين بهم مستخف لهم كما تطرح الحصيات { في اليم } أي البحر الذي هو أهل لأن يقصد بعد أن سلطنا الريح فغرقته لما ضربه موسى عليه السلام بعصاه ونشفت أرضه ، فأيبست ما أبرزت فيه من الطرق لنجاة أوليائنا وهلاك أعدائنا { وهو } أي والحال أن فرعون { مليم * } أي آتٍ بما هو بالغ في استحقاقه الملامة ، ويجوز أن يكون حالاً من { أليم } بمعنى أنه فعل بهم فعل اللائم من ألامه - إذا بالغ في عذله ، وصار ذا لائمة أي لهم ، من ألام - لازماً ، وأن يكون مخففاً من لأم المهموز فيكون المعنى : فهو مصلح أي فاعل فعل المصلحين في إنجاء الأولياء وإغراق الأعداء بالالتئام والانطباق عليهم ، قال في القاموس : اللوم العدل ، لام لوماً وألامه ولومه للمبالغة ، وألام : أتى ما يلام عليه أو صار ذا لائمة ، ولأمه بالهمز كمنعه ، نسبه إلى اللوم ، والسهم : أصلحه كألامه ولأمه فالتأم ، ولا يضر يونس عليه السلام أن يعبر في حقه بنحو هذه العبارة ، فإن أسباب اللوم تختلف كما أن أسباب المعاصي تختلف في قوله { وعصوا رسله } [ هود : 59 ] { وعصى آدم ربه } [ طه : 121 ] وبحسب ذلك يكون اختلاف نفس اللوام ونفس المعاصي . ولما أتم قصة من جمع له السحاب والماء والنار والريح ، أتبعها قصة من أتاهم بريح ذارية لم يوجد قط مثلها ، وكان أصلها موجوداً بين ظهرانيهم وهم لا يشعرون ، بل قاربت الوصول إليهم وهم يظنونها مما ينفعهم : { وفي عاد } أي آية عظيمة { إذ } أي حين { أرسلنا } بعظمتنا { عليهم } إرسال علو وأخذ { الريح } فأتتهم تحمل سحابة سوداء وهي تذرو الرمل وترمي بالحجارة على كيفية لا تطاق { العقيم * } أي التي لا ثمرة لها فلا تلقح شجراً ولا تنشىء سحاباً ولا تحمل مطراً ولا رحمة فيها ولا بركة فلذلك أهلكهم هلاك الاستئصال ، ثم بين عقمها وإعقامها بقوله : { ما تذر } أي تترك على حال ردية ، وأعرق في النفي فقال : { من شيء } ولما كان إهلاكها إنما هو بالفاعل المختار ، نبه على ذلك بأداة الاستعلاء فقال : { أتت عليه } أي إتيان إرادة مرسلها ، استعلاها على ظاهره وباطنه ، وأما من أريدت رحمته كهود عليه السلام ومن معه رضي الله عنهم فكان لهم روحاً وراحة لا عليهم { إلا جعلته كالرميم * } أي الشيء البالي الذي ذهلته الأيام والليالي ، فصيره البلى إلى حالة الرماد ، وهو في كلامهم ما يبس من نبات الأرض ودثر - قاله ابن جريج ، وخرج بالتعبير بـ " تذر " هود عليه السلام ومن معه من المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين ، فإنهم تركتهم على حالة حسنة لم يمسهم منها سوء كما أشير إلى مثل ذلك بأداة الاستعلاء . ولما تم ما اقتضاه سياق السورة من قصة أهل الريح الذارية ، أتبعها قصة من أهلكوا بما يحمله السحاب من الريح وما تحمله الريح من صوت الصيحة الراجفة الماحقة فقال : { وفي ثمود } أي قوم صالح عليه السلام آية عظيمة كذلك { إذ } أي حين { قيل لهم } ممن لا يخلف المعياد : { تمتعوا } أي بلبن الناقة وغيره مما مكناكم فين من الزرع والنخيل والأبنية في الجبال والسهول وغير ذلك من جلائل الأمور الذي أمرناكم به ولا تطغوا { حتى حين * } أي وقت ضربناه لآجالكم { فعتوا } أي أوقعوا بسبب إحساننا إليهم العتو ، وهو التكبر والإباء { عن أمر ربهم } أي مولاهم الذي أعظم إحسانه إليهم فعقروا الناقة وأرادوا قتل نبيه عليه السلام { فأخذتهم } بسبب عتوهم أخذ قهر وعذاب { الصاعقة } أي الصيحة العظيمة التي حملتها الريح ، فأوصلتها إلى مسامعهم بغاية العظمة ، ورجت ديارهم رجة أزالت أرواحهم بالصعق ، وقوله : { وهم ينظرون * } دال على أنها كانت في غمام ، وكان فيها نار ، ويجوز - مع كونه من النظر - أن يكون أيضاً من الانتظار ، فإنهم وعدوا نزول العذاب بعد ثلاثة أيام ، وجعل لهم في كل يوم علامة وقعت بهم فتحققوا وقوعه اليوم الرابع { فما } أي فتسبب عن ذلك أنه ما { استطاعوا } أي تمكنوا ، وأكد النفي فقال : { من قيام } أي بعد مجيئها بأن عاجلتهم بإهلاكها عن القيام . ولما كان الإنسان قد لا يتمكن من القيام لعارض في رجليه وينتصف من عدوه بما يرتبه من عقله ويدبره برأيه قال : { وما كانوا } أي كوناً ما { منتصرين } أي لم يكن فيهم أهلية للانتصار بوجه ، لا بأنفسهم ولا بناصر ينصرهم فيطاوعونه في النصرة لأن تهيؤهم لذل سقط بكل اعتبار . ولما أتم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإهلاك وهو الصاعقة ، أتبعهم قصة من أهلكوا بما من شأنه الإحياء ، وهو الماء الذي جل ما يشتمل عليه الحلامات التي أثارتها الذاريات ، وقد كانوا موجودين في الأرض والسماء - وأسبابه مهيأة - وهم لا يحسون بشيء من ذلك ، وأما عبادنا المؤمنون فهيأنا لهم أسباب النجاة من السفينة وغيرها ، وأعلمناهم بها ، فكان كل ما أردنا وقاله عنا أولياؤنا فقال مغيراً للأسلوب تنبياً على العظمة بنفسه الإهلاك لكونه بما من شأن الإحياء والإبقاء والتصرف في الأسباب : { وقوم } أي وأهلكنا قوم { نوح } على ما كان فيهم من الكثرة وقوة المحاولة والقيام بما يريدونه ، ويجوز أن يكون معطوفاً على " فيها " أي وتركناهم آية ، ويحسن هذا الإعراب أنهم هلكوا جميعاً وكانوا جميع أهل الأرض ، وعم عذابهم جميع الأرض ، كانوا لهم الآية ، ويؤيد هذا الإعراب قراءة أي عمرو وحمزة والكسائي بالجر عطفاً على ضمير " فيها " . ولما كان إهلاكهم على عظمه وانتشاره في بعض الزمان ، أدخل الجارّ فقال : { من قبل } أي قبل هذه الأمم كلها ، ثم علل إهلاكهم بقوله : { إنهم كانوا } خلقاً وطبعاً ، لا حيلة لغيرنا من أهل الأسباب في صلاحهم { قوماً } أي أقوياء { فاسقين * } أي عريقين في الخروج عن حظيرة الدين .