Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 53, Ayat: 33-38)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أمره سبحانه بالإعراض عمن تولى عن التشرف بذكر الملك الأعظم واللجاء إليه ، ونهى عن التزكية للجهل بالعواقب ، وكان قد ارتد ناس عن الإسلام ، كان سبب ارتدادهم إخباره صلى الله عليه وسلم عن بعض ما رأى من الآيات الكبرى ليلة الإسراء ، وكان لما نزلت عليه صلى الله عليه وسلم سجدة النجم وسجد فيها صلى الله عليه وسلم سجد معه - كما في البخاري - المسلمون والمشركون والجن والإنس ، ولم يكن في ظن أحد من الخلق انقلابهم على أدبارهم بعد حتى ولا في ظن المرتدين ، سبب عن ذلك قوله : { أفرأيت } أي أخبروني { الذي تولّى * } أي عن ذكرنا بعد أن كان حريصاً عليه ، يظن هو وأهله أنه عريق في أهله بإيمانه وأعماله في أيام إيمانه { وأعطى قليلاً وأكدى * } أي قطع ذلك العطاء على مكده وقلته وأبطله وأفسده فصار كالحافر الذي وصل في حفره إلى كدية ، يقال لحافر البئر : أجبل - إذا وصل إلى جبل ، وأكدى - إذا وصل إلى كدية أي صفاة عظيمة شديدة لا تعمل فيها المعاول ، فصار لا يقدر معها على شيء من علمه ، ولا يستطيع النفوذ فيها بشيء من حيله ، وقد كان قبل ذلك لما صادف التراب الليل يظن أنه لا يمنعه مانع مما يريد ، فهذا دليل خبري شهودي على أنه لا علم لأحد من الخلق بما حباه الله في نفسه فضلاً عن غيره ، فلا ينبغي لأحد أن يزكي نفسه ولا غيره ، قيل : نزلت في الوليد بن المغيرة أسلم ثم ارتد لتعيير بعض المشركين له ، وقوله له " ارجع وأنا أتحمل عنك العذاب " وهي تصلح لكل من ارتد ظاهراً أو نافق أو انهمك في المعاصي بعد إيمانه معرضاً عن الأعمال الصالحة . ولما كان هذا - وقد وقع في خطر عظيم من إفساد العمل في الماضي وتركه في المستقبل فصار على خطأ عظيم في أحدهما - يتعلق بأصل الدين : الكفر والإيمان ، وكان مثل هذا لا يفعله عاقل بنفسه إلا عن بصيرة ، قال تعالى موبخاً له مقرعاً : { أعنده } أي خاصة { علم الغيب } أي كله بحيث لا يشاركه في مشارك يمكن أن يخفى عليه شيء منه { فهو } أي فيتسبب عن ذلك أنه { يرى * } أي الرؤية الكاملة فيعلم جميع ما ينفعه فيرتكبه وجميع ما يضره فيجتنبه ويعلم أن هذا القليل الذي أعطاه قد قبل وأمن به من العطب فاكتفى به . ولما كان الغبي قد يظن أن عمل غيره ينفعه ، عبر عنه جامعاً للوعظ والتهويل بقوله : { أم لم ينبأ } أي يخبر إخباراً عظيماً متتابعاً { بما في صحف موسى * } أي التوراة المنسوبة إليه بإنزالها عليه وكذا ما يتبعها من أسفار الأنبياء الذين جاؤوا بعده بتقريرها . ولما قدم كتاب موسى عليه السلام لكونه أعظم كتاب بعد القرآن مع أنه موجود بين الناس يمكن مراجعته ، قال : { وإبراهيم } ومدحه بقوله دالاً بتشديد الفعل على غاية الوفاء : { الذي وفى } أي أتم ما أمر به وما امتحن به وما قلق شيئاً من قلق ، وكان أول من هاجر قومه وصبر على حر ذبح الولد وكذا على حر النار ولم يستعن بمخلوق ، وخص هذين النبيين لأن المدعين من بني إسرائيل اليهود والنصارى يدعون متابعة عيسى عليه السلام ، ومن العرب يدعون متابعة إبراهيم عليه السلام ، ومن عداهم لا متمسك لهم ولا سلف في نبوة محققة ولا شريعة محفوظة ، ثم فسر الذي في الصحف أو استأنف بقوله : { ألا تزر } أي تأثم وتحمل { وازرة } أي نفس بلغت مبلغاً تكون فيه حاملة { وزر أخرى * } أي حملها الثقيل من الإثم ، يعني فمن يحمل عنه أثم أحد الشقين الذي لزمه فلا بد أن يكون آثماً وهما قبل التولي وما بعده .