Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 54, Ayat: 40-44)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كرر هذا التكرير ، علم منه أن سبب العذاب التكذيب بالإنذار لأي رسول كان ، وكان استئناف كل قصة منبهاً على أنها أهل على حدتها لأن يتعظ بها ، علم أن التقدير : فلقد بلغت هذه المواعظ النهاية لمن كان له قلب ، فعطف عليه قوله مذكراً بالنعمة التي لا عدل لها : { ولقد يسرنا } أي تعالى جدنا وتناهى مجدنا { القرآن } الجامع الفارق { للذكر } ولو شئنا لأعليناه بما لنا من العظمة إلى الحد حتى تعجز القوي عن فهمه ، كما أعليناه إلى رتبة وقفت القوى عن معارضته في نظمه ، أو مطلع لا يتشبث بأذيال أدنى علمه ، إلا الأفراد من حذاق العباد ، فكيف بما فوق ذلك . ولما كانوا مع ذلك واقفين عن المبادرة إليه والإقبال عليه ، قال تلطفاً بهم وتعطفاً عليهم مسبباً عن ذلك : { فهل } وأكد فقال : { من مدكر * } مفتك لنفسه من مثل هذا الذي أوقع فيه هؤلاء أنفسهم ظناً منهم أن الأمر لا يصل إلى ما وصل إليه جهلاً منهم وعدم اكتراث بالعواقب . ولما كان الآخر ينبغي له أن يحذر ما وقع للأول ، وكان قوم فرعون قد جاء بعد قوم لوط عليه السلام ، فكان ربما ظن أنهم لم ينذروا لأن من علم أن العادة جرت أن من كذب الرسل هلك أنكر أن يحصل ممن تبع ذلك تكذيب ، قال مقسماً : { ولقد جاء آل فرعون } أي ملك القبط بمصر وأشرافه الذين إذا رؤوا كان كأنه رئي فيهم لشدة قربهم منه وتخلقهم بأخلاقهم { النذر * } أي الإنذارات والمنذرون بنذارة موسى وهارون عليهما السلام ، فإن نذارة بعض الأنبياء كنذارة الكل لأنه يأتي أحد منهم إلا وله من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، والمعجزات كلها متساوية في خرق العادة ، وكان قد أنذرهم يوسف عليه السلام ، ولما كان كأنه قيل : فما فعلوا عند مجيء ذلك إليهم ، قال : { كذبوا } أي تكذيباً عظيماً متسهينين { بآياتنا } التي أتاهم بها موسى عليه السلام وغيرها لأجل تكذيبهم بها على ما لها من العظمة المعرفة قطعاً عن أنها من عندنا . ولما كانت خوارق العادات كما مضى متساوية الأقدام في الدلالة على صدق الآتي بها ، وكانوا قد صمموا على أنه مهما أتاهم بآية كذبوا بها ، كانوا كأنهم قد أتتهم كل آية فلذلك قال : { كلها } وسبب عن ذلك القول : { فأخذناهم } أي بما لنا من العظمة بنحو ما أخذنا به قوم نوح من الإغراق { أخذ عزيز } أي لا يغلبه شيء وهو يغلب كل شيء { مقتدر * } أي لا يعجل بالأخذ لأنه لا يخاف الفوت ولا يخشى معقباً لحكمه ، بالغ القدرة إلى حد لا يدرك الوصف كنهه لأن صيغة الافتعال مبناها على المعاجلة من عاجل فعلاً أجهل نفسه فيه ، فكان على أتم الوجوه ، وهذه الغاية هي المرادة ليس غيرها ، فهو تمثيل لأنه سبحانه يخاطبنا بما نعبده ، وبهذه المبالغة فلم يلفت منهم أحد ، وقد ختمت القصص بمثل ما افتتحت به من عذاب المفسدين بالإغراق ليطابق الختم البدء ، وكانت نجاة المصلحين من الأولين بالسفينة ، وكانت نجاة المصلحين من الآخرين بأرض البحر كانت هي سفينتهم ، ليكون الختم أعظم من البدء كما هو شأن أهل الاقتدار . ولما بلغت هذه المواعظ الانتهاء ، وعلت أقدامها على رتبة السها ، ولم يبين ذلك كفار قريش عن شرادهم ، ولا فتر من جحودهم وعنادهم ، كان لسان حالهم قائلاً : إنا لا نخاف شيئاً من هذا ، فكان الحال مقتضياً لأن يقال لهم إلزاماً بالحجة : { أكفاركم } الراسخون منكم في الكفر الثابتون عليه يا أيها المكذبون لهذا النبي الكريم الساترون لشموس دينه { خير } في الدنيا بالقوة والكثرة أو الدين عند الله أو عند الناس { من أولائكم } أي الكفار أي الكفار العظماء الجبابرة الأشداء الذين وعظناكم بهم في هذه السورة ليكون ذلك سبباً لافتراق حالهم منهم فيأمنوا العذاب مع جامع التكذيب وإن لم يكن لهم براءة من الله { أم لكم } أجمعين دونهم كفاركم وغير كفاركم { براءة } من العذاب من الله { في الزبر * } أي الكتب الآتية من عنده أأمنتم بها من العذاب مع أنهم خير منكم ، فالآية من الاحتباك : أثبت الخيرية أولاً دليلاً على حذفها ثانياً ، والبراءة ثانياً دليلاً على حذفها أولاً . ولما بلغوا إلى هذا الحد من التمادي في الكفر مع المواعظ البالغة والاستعطاف المكين ، استحقوا أعظم الغضب ، فأعرض عنهم الخطاب إيذاناً بذلك وإهانة لهم واحتقاراً وإقبالاً على النبي صلى الله عليه وسلم تسلية فقال عاطفاً على ما تقديره : أيدعون جهلاً ومكابرة شيئاً من هذين الأمرين : { أم يقولون } أي هؤلاء الذي أنت بين أظهرهم تعاملهم باللين في القال والقيل والصفح الجميل امتثالاً لأمرنا تعظيماً لقدرك فاستهانوا بك : { نحن جميع } أي جمع واحد مبالغ في اجتماعه فهو في الغاية من الضم فلا افتراق له { منتصر * } أي على كل من يناويه لأنهم على قلب رجل واحد ، فالإفراد للفظ " جميع " ولإفهام هذا المعنى ، أو أن كل واحد محكوم له بالانتصار .