Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 28-29)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما قرر سبحانه أن الرسل دعاة للحق إلى سيدهم طوعاً أو كرهاً بالكتاب والحديد ، وقرر أن السعادة كلها في اتباعهم ، وأن البدع لا تأتي بخير وإن زين الشيطان أمرها وخيل أنه خير ، وأن أصحاب الذي كان نسخ شريعة من قبله ابتدعوا بدعة حسنة فوكلوا إليها ففسق أكثرهم ، فاقتضى ذلك إرسال من ينسخ كل شريعة تقدمته نسخاً لا زوال له لأنه لا نبي بعده ونهى عن البدع نهياً لم يتقدمه أحد إلى مثله ، أنتج ذلك قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بذلك إقراراً صحيحاً بنبي مما تقدم أو بالنبي صلى الله عليه وسلم { اتقوا الله } أي خافوا عقابه فاجعلوا بينكم وبين سخطه - لأنه الملك الأعظم - وقاية بحفظ الأدب معه ولا تأمنوا مكره ، فكونوا على حذر من أن يسلبكم ما وهبكم ، فاتبعوا الرسول تسلموا ، وحافظوا على اتباعه لئلا تهلكوا { وآمنوا برسوله } أي الذي لا رسول له الآن غيره ، إيماناً مضموماً إلى إيمانكم بالله فإنه لا يصح الإيمان به إلا مع الإيمان برسوله ، وبأن تثبتوا على الإيمان به ، وتضموا الإيمان به إلى الإيمان بمن تقدمه يا أهل الكتاب ، لأن رسالته عامة ، لقد نسخ جميع ما تقدمه من الأديان فإياكم أن يميلكم عنه ميل من حسد أو غيره ، فبادروا إلى إجابته والزموا جميعاً حذره فلا تميلوا إلى بدعة أصلاً { يؤتكم } ثواباً على اتباعه { كفلين } أي نصيبين ضخمين { من رحمته } تحصيناً لكم من العذاب كما يحصن الكفل الراكب من الوقوع ، وهو كساء يعقد على ظهر البعير فيلقى مقدمه على الكاهل ومؤخره على العجز ، وهذا التحصين لأجل إيمانكم به صلى الله عليه وسلم وإيمانكم بمن تقدمه مع خفة العمل ورفع الأصار وهو أعلى بالأجر من الذي عمل الخير في الجاهلية ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله عنه " أسلمت على ما أسلفت من خير " ودل على أن الكفلين برفع الدرجات وإفاضة خواص من الخيرات بقوله : { ويجعل لكم } أي مع ذلك { نوراً } مجازياً في الأولى بالتوفيق للعمل من المعلوم والمعارف القلبية وحسياً في الآخرة بسبب العمل { تمشون به } أي مجازاً في الأولى بالتوفيق للعمل ، وحقيقة في الآخرة بسبب العمل . ولما كان الإنسان لا يخلو من نقصان ، فلا يبلغ جميع ما يحق للرحمن ، قال : { ويغفر لكم } أي ما فرط منكم من سهو وعمد وهزل وجد . ولما قرر سبحانه وذلك ، أتبعه التعريف بأن الغفران وما يتبعه صفة له شاملة لمن يريده فقال : { والله } أي المحيط بجميع صفات الكمال والعظمة والكبرياء { غفور } أي بليغ المحو للذنب عيناً وأثراً { رحيم * } أي بليغ الإكرام لمن يغفر له ويوفقه للعمل بما يرضيه . ولما كان أهل الكتاب قد تابعوا أهويتهم على بغض الأميين ، وأشربت قلوبهم أن النبوة مختصة بهم لأنهم أولاد إبراهيم عليه السلام من ابنة عمه ، والعرب - وإن كانوا أولاده - فإنهم من الأمة وما دروا أن كونهم من أولاده مرشح لنبوة بعضهم وكونهم من الأمة ، مهيئ لعموم الرسالة لأجل عموم النسب ، قال دالاً على أنهم صاروا كالبهائم لا يبصرون إلا المحسوسات معلقاً الجار بـ { آمنوا } و { يؤتكم } وما بعده : { لئلا يعلم } أي ليعلم علماً عظيماً يثبت مضمون خبره وينتفي ضده - بما أفاده زيادة النافي { أهل الكتاب } أي من الفريقين الذي اقتصروا على كتابهم وأنبيائهم ولم يؤمنوا بالنبي الخاتم وما أنزل { ألا } أي أنهم لا { يقدرون } أي في زمن من الأزمان { على شيء } أي وإن قل { من فضل الله } أي الملك الأعلى الذي خصكم بما خصكم به لا يمنع ولا بإعطائكم حيث نزع النبوة منهم ووضها في بني عمهم إسماعيل عليه السلام الذي كانوا لا يقيمون لهم وزناً فيقولون : إنهم بنو الأمة ، وإنهم أميون ، وإنهم ليس عليهم منهم سبيل ، وجعل النبوة التي خصكم بها عامة - كما أشار إليه ما في ابن الأمة من شمول بنسبته وانشعابه وحيث عملوا كثيراً وأعطوا قليلاً : " اليهود من أول النهار على قيراط قيراط ، والنصارى من الظهر على قيراط قيراط ، وهذه الأمة من صلاة العصر على قيراطين قيراطين ، فقال الفريقان : ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً ، قالك هل ظلمتكم من حقكم شيئاً ، قالوا : لا ، قال : ذلك فضلي أوتيه من أشاء " وذكر ابن برجان معنى هذا الحديث - كما تقدم عنه قريباً - من الإنجيل وطبقه عليه وذكرته أنا في الأعراف ، روى الإمام أحمد في مواضع من المسند والبخاري في سبعة مواضع في الصلاة والإجارة وذكر بني إسرائيل وفضائل القرآن والتوحيد ، والترمذي في الأمثال - وقال : حسن صحيح - من وجوه شتى جمعت بين ألفاظها عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثلكم " - وفي هذه الرواية : " مثل هذه الأمة " ، وفي رواية : " مثل أمتي " وفي رواية : إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل ، وفي رواية : " مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استعمل عملاء " ، وفي رواية : " استأجر أجراء " فقال : " من يعمل لي من صلاة الصبح " وفي رواية أخرى : " من غدوة إلى نصف النهار على قيراط ، ألا فعملت اليهود " - وفي رواية : " قالت اليهود : نحن - فعملوا ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ، ألا فعملته النصارى " ، وفي رواية : " قالت النصارى : نحن ، فعملوا ، ثم قال : من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس " - وفي رواية : إلى أن تغيب الشمس - " على قيراطين قيراطين ، ألا فأنتم الذين عملتم " ، وفي رواية : " تعملون " ، وفي رواية " وأنتم المسلمون تعملون من صلاة العصر إلى الليل " ، وفي رواية " إلى مغارب " ، وفي رواية : " مغرب الشمس على قيراطين قيراطين قيراطين ألا لكم الأجر مرتين ، فغضبت اليهود والنصارى " وقالوا : " نحن " - وفي رواية : " ما لنا - أكثر عملاً وأقل عطاء " ، وفي رواية " أجراً ، قال الله تعالى هل " - وفي رواية : " وهل - نقصتكم - " وفي رواية : " هل ظلمتكم - من حقكم شيئاً - " وفي رواية : " أجركم شيئاً ، قالوا : لا ، قال : فإنه " - وفي رواية : " فإنما - هو فضل " ، وفي رواية : " فذلك فضلي أوتيه من أشاء " ، وفي رواية : " أعطيه من شئت " وفي رواية : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول : " ألا إن بقاءكم " ، وفي رواية : " إنما بقاؤكم " ، وفي رواية : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم " - وفي رواية : " فيما سلف من قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر والمغرب " - وفي رواية : " إلى غروب الشمس " ، وفي رواية : " ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغيربان " ، وفي رواية : " إلى مغرب " ، وفي رواية : " إلى مغارب الشمس ، أعطي " - وفي رواية : " أوتي - أهل التوراة التوراة ، فعملوا بها حتى انتصف النهار فعجزوا ، فأعطوا قيراطاً قيراطاً ، وأعطي " - وفي رواية : " ثم أوتي - أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى " - وفي رواية : " إلى - صلاة العصر " ، وفي رواية " حتى صليت العصر ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس " ، وفي رواية : " حتى غروب الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين " ، وفي رواية : " ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين ، فقال أهل الكتابين " - وفي رواية : " أهل التوراة والإنجيل - ربنا هؤلاء أقل منا عملاً وأكثر أجراً " ، وفي رواية : " جزاء " ، وفي رواية : " أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطتينا قيراطاً قيراطاً ، ونحن أكثر عملاً منهم ، قال الله تبارك وتعالى : هل " وفي رواية : " فهل ظلمتكم من أجركم " - وفي رواية : " من أجوركم - من شي ؟ فقالوا : لا ، فقال : فهو فضلي " ، وفي رواية " فذلك فضلي ، أوتيه من أشاء " وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث ما قبل هذه الأمم وترك على ذلك أحوالهم فقال : إنه دال على قوم نوح وإبراهيم عليهما السلام ، كان لهم الليل ، فكان قوم نوح في أوله في ظلام صرف طويل لم يلح لهم شيء من تباشير الضياء ولا أمارات الصبح ، ونوح عليه السلام يخبرهم به ويأمرهم بالتهيؤ له ، فلذلك طال بلاؤه عليه السلام بهم ، وما آمن معه إلا قليل ، وأما قوم إبراهيم عليه السلام فكانوا كأنهم في أواخر الليل ، قد لاحت لهم تباشير الصباح وأومضت لهم بوارق الفلاح ، فلذلك آمن لوط عليه السلام وكذا سارة زوجته وأولاده منها ومن غيرها كلهم ، واستمر الإسلام في أولاده والنبوة حتى جاء موسى عليه السلام ، فكان وقته كما بين الصبح والظهر ، فكان قومه تارة وتارة ، تارة يحسبون أنهم في ضياء كيفما كانوا ، فيروغون يميناً وشمالاً فيكونون كمن دخل غيراناً وكهوفاً وأسراباً ثم يخرجون منها فيرجعون إلى الضياء ، فكانت غلطاتهم تارة كباراً وتارة صغاراً ، وأما قوم عيسى عليه السلام فكانوا كمن هو في الظهيرة في شدة الضياء فالغلط منه لا يكون إلا عن عمى عظيم ، فلذلك كان غلطهم أفظع الغلط وأفحشه - والله الموفق - { وإن } أي ولتعلموا أن { الفضل } أي الذي لا يحتاج إليه من هو عنده { بيد الله } أي الذي له الأمر كله { يؤتيه من يشاء } منهم أو من غيرهم نبوة كانت أو غيرها . ولما كان ربما ظن ظان أنه لا يخص به إلا لأنه لا يسع جميع الناس دفع ذلك بقوله : { والله } أي الذي أحاط بجميع صفات الكمال { ذو الفضل العظيم * } أي مالكه ملكاً لا ينفك عنه ولا ملك لأحد فيه معه ولا تصرف بوجه أصلاً ، فلذلك يخص من يشاء بما يشاء ، فلا يقدر أحد على اعتراض بوجه ، فقد نزه له التنزيه الأعظم جميع ما في السماوات والأرض فهو العزيز الحكيم الذي لا عزيز غيره ولا حكيم سواه ، فقد انطبق كما ترى آخرها على أولها ، ورجع مفصلها على موصلها - والله الهادي للصواب وإليه المرجع والمآب .