Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 142-144)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان السياق للمآكل من الحرث والأنعام من حلال وحرام ، وفرغ من تقرير أمر الحرث الذي قدم في الجملة الأولى لأنه مادة الحيوان ، قال : { ومن } أي وأنشأ من { الأنعام حمولة } أي ما يحمل الأثقال { وفرشاً } أي وما يفرش للذبح أو للتوليد ، ويعمل من وبره وشعره فرش ؛ ولما استوفى القسمين أمر بالأكل من ذلك كله على وجه يشمل غيره مخالفة للكفار فقال : { كلوا مما رزقكم الله } أي لأنه الملك الأعظم الذي لا يسوغ رد عطيته { ولا تتبعوا } ولعله شدد إشارة إلى العفو عن صغيرة إذا ذكّر الإنسان فيها رجع ولم يعتد في هواه { خطوات الشيطان } أي طريقه في التحليل والتحريم كما قال في البقرة { كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تتبعوا خطوات الشيطان } [ البقرة : 168 ] وعبر بذلك لأنه - مع كونه من مادة الخطيئة دال على أن شرائعه شريعة الأندراس ، لولا مزيد الاعتناء من الفسقة بالتتبع في كل خطوة حال تأثيرها لبادر إليها المحو لبطلانها في نفسها ، فلا أمر من الله يحييها ولا كتاب يبقيها ، وإنما أسقط هنا { حلالاً طيباً } لبيانه سابقاً في قوله { فكلوا مما ذكر اسم الله عليه } [ الأنعام : 118 ] ، { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } [ الأنعام : 121 ] ، ولاحقاً في قوله { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً } [ الأنعام : 125 ] ؛ ثم علل نهيه عن اتباعه فقال : { إنه لكم عدو } أي فهو لذلك لا يأمركم بخير { مبين * } أي ظاهر العداوة لأن أمره مع أبيكم شهير . ولما رد دين المشركين وأثبت دينه ، وكانوا قد فصلوا الحرمة بالنسبة إلى ذكور الآدمي وإناثه ، ألزمهم تفصيلها بالنسبة إلى ذكور الأنعام وإناثه ، ففصل أمرها في أسلوب أبان فيها أن فعلهم رث القوى هلهل النسيج بعيد من قانون الحكمة ، فهو موضع للاستهزاء وأهل للتهكم ، فقال بياناً لـ { حمولة وفرشاً } { ثمانية أزواج } أي أصناف ، لا يكمل صنف منها إلا بالآخر ، أنشأها بزواج كل من الذكر والأنثى الآخر ، ولحق بتسميتهم الفرد بالزوج - بشرط أن يكون آخر من جنسه - تسميتهم الزجاجة كأساً بشرط أن يكون فيها خمر . ولما كان الزوج يطلق على الاثنين وعلى ما معه آخر من نوعه ، قال مبيناً أن هذا هو المراد لا الاثنان مفصلاً لهذه الثمانية : { من الضأن } جمع ضائن وضائنة كصاحب وصحب { اثنين } أي ذكراً وأنثى كبشاً ونعجة { ومن المعز } جمع ماعز وماعزة كخادم وخدم في قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر ، وتاجر وتجر في قراءة غيرهم { اثنين } أي زوجين ذكراً وأنثى تيساً وعنزاً . ولما كان كأنه قيل : ما المراد بهذا التفصيل قبل سؤالهم عن دينهم ، قال : { قل } أي لهم مستفهماً ؛ ولما كان هذا الاستفهام بمعنى التوبيخ والتهكم والإنكار ، أتى فيه بـ " ام " التي هي مع الهمزة قبلها بمعنى " أيّ " ليتفهم بها عما يعلم ثبوت بعضه وإنما يطلب تعيينه ، فقال معترضاً بين المعدودات تأكيداً للتوبيخ ، لأن الاعتراضات لا تساق إلاّ للتأكيد : { ءآلذكرين } . ولما كان المستفهم عنه بنصبه ما بعده لا ما قبله ، قال : { حرم } أي الله ، فإن كان كذلك لزمكم تحريم جميع الذكور { أم الأنثيين } ليلزمكم تحريم جميع الإناث ، واستوعب جميع ما يفرض من سائر الأقسام في قوله : { أما } أي أم حرم ما { اشتملت } أي انضمت { عليه } وحملته { أرحام الأنثيين } أي من الذكور والإناث ، ومتى كان كذلك لزمكم تحريم الكل فلم تلزموا شيئاً مما أوجبه هذا التقسيم فلم تمشوا على نظام . ولما علم أنه لا نظام لهم فعلم أنهم جديرون بالتوبيخ ، زاد في توبيخهم فقال : { نبئوني } أي أخبروني عما حرم الله من هذا إخباراً جليلاً عظيماً ؛ ولما كان هذا الإخبار الموصوف لا يكون بشيء فيه شك ، قال : { بعلم } أي أمر معلوم من جهة الله لا مطعن فيه { إن كنتم صادقين } أي إن كان لكم هذا الوصف . ولما فصل الغنم إلى ضان ومعز ، أغنى ذلك عن تنويع الإبل إلى العراب والبخت والبقر إلى العراب والجواميس ، - ولأن هذه يتناتج بعضها من بعض بخلاف الغنم فإنها لا يطرق أحد نوعيها الآخر - نقله الشيخ بدر الدين الزركشي في كتاب الوصايا من شرح المنهاج عن كتاب الأعداد لابن سراقة فقال : { ومن الإبل اثنين } أي ذكراً وأنثى { ومن البقر اثنين } أي كذلك { قل } أي لهؤلاء الذين اختلقوا جهلاً وسفهاً ما تقدم عنهم { ءآلذكرين } أي من هذين النوعين { حرم } أي حرمهما الله { أم الأنثيين } أي حرمهما { أما } أي الذي { اشتملت عليه } أي ذلك المحرم على زعمكم { أرحام الأنثيين } أي حرمهما الله . ولما كان التقدير : أجاءكم هذا عن الله الذي لا حكم لغيره على لسان نبي ؟ عادله توبيخاً لهم وإنكاراً عليهم بقوله : { أم كنتم شهدآء } أي حاضرين { إذ وصاكم الله } أي الذي لا ملك غيره فلا حكم لسواه { بهذا } أي كما جزمتم عليه به ، أو جزمتم بالحرمة فيما حرمتموه والحل فيما أحللتموه ، ولا محرم ولا محلل غير الله ، فكنتم بذلك ناسبين الحكم إليه ؛ ولما كان التقدير كما أنتجه السياق : لقد كذبتم على الله حيث نسبتم إليه ما لم تأخذوه عنه لا بواسطة ولا بغير واسطة ، سبب عنه قوله معمماً ليعلم أن هذا إذا كان في التحريم والتحليل كان الكذب في أصول الدين أشد : { فمن أظلم } ووضع موضع " منكم " قوله معمماً ومعلقاً للحكم بالوصف : { ممن افترى } أي تعمد { على الله } أي الذي لا أعظم منه لأنه ملك الملوك { كذباً } كعمرو بن لحي الذي غير شريعة إبراهيم عليه السلام ، وكل من فعل مثل فعله . ولما كان يلزم من شرعهم لهذه الأمور إضلال من تبعهم فيها عن الصراط السوي ، وكانوا يدعون أنهم أفطن الناس وأعرفهم بدقائق الأمور في بداياتها ونهاياتها وما يلزم عنها ، جعل غاية فعلهم مقصوداً لهم تهكماً بهم فقال : { ليضل الناس } ولما كان الضلال قد يقع من العالم الهادي خطأ ، قال : { بغير علم } . ولما كان هذا محل عجب ممن يفعل هذا ، كشفه سبحانه بقوله استئنافاً : { إن الله } وهو الذي لا حكم لأحد سواه لا يهديهم ، هكذا كان الأصل ولكنه أظهر تعميماً بما هو أعم من وصفهم ليكون الحكم عليهم بطريق الأولى فقال : { لا يهدي القوم الظالمين } أي الذين يضعون الأشياء في غير مواضعها فكيف بالأظلمين ! وما أحسن هذا الختم لأحكامهم وأنسبه لما بناها عليه من قوله { إنه لا يفلح الظالمون } [ الأنعام : 21 ] .