Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 51-53)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما أمره بتوبيخهم ، أمره - عاطفاً على قوله " قل " - بالإنذار على وجه مخز لهم أيضاً فقال : { وأنذر به } أي بما يوحى إليك ، وليس المراد تخصيص الإنذار بالخائف ، بل الإشارة إلى جلافتهم وعظيم بلادتهم وكثافتهم في عدم تجويز الجائز الذي هو أهل لأن يخافه كل واحد بقوله : { الذين يخافون } أي تجويزاً للجائز عقلاً وعادة . ولما كان المرهوب الحشر نفسه ، لا بقيد كونه من معين ؛ بني للمفعول قوله { أن يحشروا } أي يجمعوا وهم كارهون { إلى ربهم } أي المحسن إليهم بالإيجاد والتربية مع التقصير في الشكر ، حال كونهم { ليس لهم } وأشار إلى تحقير ما سواه وسفوله بالجار فقال : { من دونه } أي من المنزلة التي هي تحت منزلته ، ومن المعلوم أن كل شيء تحت قهر عظمته ومتضائل عن رتبته ، ليس لهم ذلك ، أي على وجه الانفراد أو التوسل { ولي } يتولى أمورهم فينقذهم قهراً مما يخافون { ولا شفيع } ينقذهم بحسن سفارته وعظيم رتبته وترتيبه { لعلهم يتقون * } أي ليكون حالهم حال من يرجى أن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية . ولما أمره بدعاء من أعرض عنه ومجاهرته ، أمره بحفظ من تبعه وملاطفته ، فقال : { ولا تطرد الذين يدعون } وهم الفقراء من المسلمين { ربهم } أي المحسن إليه عكس ما عليه الكفار في دعاء من لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً ؛ ثم بين من حالهم من الملازمة ما يقتضي الإخلاص فقال : { بالغداة والعشي } أي في طرفي النهار مطلقاً أو بصلاتيهما أو يكون كناية عن الدوام ؛ ثم أتبع ذلك نتيجته فقال معبراً عن الذات بالوجه ، لأنه أشرف - على ما نتعارفه - وتذكّره يوجب التعظيم ويورث الخجل من التقصير : { يريدون وجهه } أي لأنه لو كان رياء لاضمحل على طول الزمان وتناوب الحدثان باختلاف الشأن . ولما كان أكابر المشركين وأغنياؤهم قد وعدوه صلى الله عليه وسلم الاتباع إن طرد من تبعه ممن يأنفون من مجالستهم ، وزهدوه فيهم بفقرهم وبأنهم غير مخلصين في اتباعه ، إنما دعاهم إلى ذلك الحاجة ؛ بين له تعالى أنه لا حظ له في طردهم ولا في اتباع أولئك بهذا الطريق إلا من جهة الدنيا التي هو مبعوث للتنفير عنها ، فقال معللاً لما مضى أو مستأنفاً : { ما عليك } قدم الأهم عنده وهو تحمله { من حسابهم } وأغرق في النفي فقال : { من شيء } أي ليس لك إلا ظاهرهم ، وليس عليك شيء من حسابهم ، حتى تعاملهم بما يستحقون في الباطن من الطرد إن كانوا غير مخلصين { وما من حسابك } قدم أهم ما إليه أيضاً { عليهم من شيء } أي وليس عليهم شيء من حسابك فتخشى أن يحيفوا عليك فيه على تقدير غشهم ، أو ليس عليك من رزقهم شيء فيثقلوا به عليك ، وما من رزقك عليهم من شيء فيضعفوا عنه لفقرهم ، بل الرازق لك ولهم الله ؛ ثم أجاب النفي مسبباً عنه فقال : { فتطردهم } أي فتسبب عن أحد الشيئين طردك لهم ليقبل عليك الأغنياء فلا يكلفوك ما كان أولئك يكلفونك ، وإن كلفتهم ما كان أولئك عاجزين عنه أطاقوه ؛ والحاصل أنه يجوز أن يكون معنى جملتي { ما عليك من حسابهم } - إلى آخرهما راجعاً إلى آية الكهف { ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا } [ الكهف : 28 ] فيكون المعنى ناظراً إلى الرزق ، يعني أن دعاءك إلى الله إنما مداره الأمر الأخروي ، فليس شيء من رزق هؤلاء عليك حتى تستنفر بهم وترغب في الآغنياء ، ولا شيء من رزقك عليهم فيعجزوا عنه ، وفي اللفظ من كلام أهل اللغة ما يقبل هذا المعنى ؛ قال صاحب القاموس وغيره : الحساب : الكافي ومنه { عطاء حساباً } [ النبأ : 36 ] وحسّب فلان فلاناً : أطعمه وسقاه حتى شبع وروي . وقال أبو عبيد الهروي : يقال : أعطيته فأحسبته ، أي أعطيته الكفاية حتى قال : حسبي ، وقوله { يرزق من يشاء بغير حساب } [ البقرة : 212 ] أي بغير تقتير وتضييق ، وفي حديث سماك : ما حسبوا ضيفهم ، أي ما أكرموه ، وقال ابن فارس في المجمل : وأحسبته : أعطيته ما يرضيه ، وحسّبته أيضاً ، وأحسبني الشيء : كفاني . ولما نهاه عن طردهم مبيناً أنه ضرر لغير فائدة ، سبب عن هذا النهي قوله { فتكون من الظالمين * } أي بوضعك الشيء في غير محله ، فإن طردك هؤلاء ليس سبباً لإيمان أولئك ، وليس هدايتهم إلا إلينا ، وقد طلبوا منا فيك لما فتناهم بتخصيصك بالرسالة ما لم يخف عليك من قولهم { لولا أنزل عليه ملك } [ الأنعام : 8 ] ونحوه مما أرادوا به الصرف عنك ، فكما لم تقبلهم فيك فلا تقبلهم أنت في أوليائنا ، فإنا فتناهم بك حتى سألوا فيك ما سألوا وتمنوا ما تمنوا { وكذلك } أي ومثل ما فتناهم بإرسالك { فتنا } أي فعلنا فعل المختبر قسراً بما لنا من العظمة { بعضهم ببعض } بالتخصيص بالإيمان والغنى والفقر ونحو ذلك { ليقولوا } أي إنكاراً لأن تفضل غيرهم عليهم احتقاراً لهم واستصغاراً { أهؤلاء } أي الذين لا يساووننا بل لا يقاربوننا في خصلة من خصال الدنيا { منَّ الله } أي على جلاله وعظمه { عليهم } أي وفقهم لإصابة الحق وما يسعدهم عنده وهم فيما نرى من الحقارة { من بيننا } فالآية ناظرة إلى ما يأتي في هذه السورة من قوله تعالى { حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله } [ الأنعام : 124 ] . ولما كان الإنكار لا يسوغ إلاّ مع نهاية العلم بمراتب المفضلين ، وأن المفضل لا يستحق التفضيل من الوجه المفضل به ، أنكر إنكارهم بقوله : { أليس الله } أي الذي له جميع الأمر ، فلا اعتراض عليه { بأعلم بالشاكرين * } أي الذين يستحقون أن يفضلوا لشكرهم على غيرهم لكفرهم .