Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 63-66)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما تعرف بأفعاله وشؤونه حتى اتضحت وحدانيته وثبتت فردانيته ، ذكرهم أحوالهم في إقرار توحيده وقت الشدائد والرجوع عن ذلك عند الإنجاء منها ، فكانوا كمن طلب من شخص شيئاً وأكد له الميثاق على الشكر ، فلما أحسن إليه بإعطائه سؤله نقض عهده وبالغ في الكفر ، وذلك عندهم في غاية من القبائح لا توصف فقال : { قل } أي لهؤلاء الذين يدعون محاسن الأعمال { من ينجيكم } أي كثيراً وعظيماً { من ظلمات البر والبحر } أي حيث لا هداية لكم بنجم ولا جبل ولا غيرهما ، أإو عبر بالظلمات عن الكروب التي بلغت شدتها إلى أن صاحبها يكون كأنه في أشد ظلام ، فهو بحيث إنه لا يهتدي فيها إلى وجه حيلة بنوع وسيلة { تدعونه } أي على وجه الإخلاص له والتوحيد والإعراض عن كل شرك وشريك لزوال الحظوظ عند إحاطة الرعب واستيلائه على مجامع القلب ، فلا يبقى إلا الفطرة السليمة ؛ قال الإمام عبد الحق الإشبيلي في كتابه الواعي : { تضرعاً } أي مظهرين الضراعة ، وهي شدة الفقر ، وحقيقته الخشوع { و } قوله : { خفية } أي تخفون في أنفسكم مثل ما تظهرون ؛ قال شمر : يقال : ضرع له وهو ضارع بيّن الضراعة ، وهؤلاء قوم ضرع ، أي أذلاء ، وهم ضرعة أي متضرعون ، والتضرع إلى الله : التخشع إليه والتذلل ، وإذا كان الرجل مختل الجسم قلت : إنه لضارع الجسم بيّن الضروع ، وفي الذل بين الضراعة - انتهى . ولما بين وصفهم وقت الدعاء ، بين قولهم إذ ذاك فقال : { لئن أنجانا من هذه } فأكدوا وخصوا وبينوا غاية البيان { لنكونن من الشاكرين * } أي العريقين في الشكر ؛ ولما كانوا مقرين بأن فاعل ذلك هو الله ، ولكنهم يكفرون نعمته ، عدوا منكرين فأمره بالجواب غير منتظر لجوابهم بقوله : { قل الله } أي الذي له جميع العظمة { ينجيكم منها } أي من تلك الشدة { ومن كل كرب } أي وقعتم فيه ، وما أعظم موقع قولُه : { ثم أنتم } مع التزام الإخلاص في وقت الكرب ومع التزام الشكر { تشركون * } مشيراً إلى استبعاد نقضهم بأداة التراخي مع ما فيه من الجِناس لما كان ينبغي لهم من أنهم يشكرون . ولما كانوا بإشراكهم كأنهم يظنون أن الشدة زالت عنهم زوالاً لا يعود ، وكان اللائق بهم دوام التذلل إما وفاء وإما خوفاً ، أخبرهم ترهيباً لهم من سطوته وتحذيراً من بالغ قدرته أن شدتهم تلك التي أذلتهم لم تزل في الحقيقة ، فإن قدرة الملك عليها حالة الرخاء كقدرته عليها في وقتها سواء ، فإنه خالق الحالتين وأسبابهما وما فيهما ، ولكنهم عمي الأبصار أجلاف الطبائع فقال : { قل هو } أي وحده { القادر } ولم يصغه صيغة مبالغة لأنهم لم يكونوا ينكرون قدرته إنما كانوا يدعون المشاركة التي نفاها بالتخصيص ، على أن التعريف يفيد به المبالغة { على أن يبعث } أي في أيّ وقت يريده { عليكم } أي في كل حالة { عذاباً من فوقكم } بإسقاط السماء قطعاً أو شيء منها كالحجارة التي حصب بها قوم لوط وأصحاب الفيل أو بتسليط أكابركم { أو من تحت أرجلكم } أي بالخسف أو إثارة الحيات أو غيرها من الأرض كما وقع لبعض من سلف ، أو بتسليط سفلتكم وعبيدكم عليكم { أو يلبسكم } أي يخلط بينكم حال كونكم { شيعاً } أي متفرقين ، كل شيعة على هوى ، فيكون ذلك سبباً للسيف { ويذيق بعضكم } أي بعض تلك الشيع { بأس بعض } فيساوي في ذلك بين الحرم وغيره ، ويصير التخطف بالنهب والغارات عاماً ، وسوق هذا الكلام هكذا يفهم إيقاعه في وقت ما لناس ما ، لأن كلام الملوك يصان عن أن لا يكون له صورة توجد وإن كان على سبيل الشرط ونحوه ، فكيف بملك الملوك علام الغيوب ! وللتدريب على مثل هذا الفهم في كلام الله تعالى قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي في التفسير عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أما إنها كائنة ولم يأت تأويلها بعد . وقال : حسن غريب ، وسيأتي لهذا مزيد بسط وتحقيق في قوله تعالى في الفرقان { تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك } [ الفرقان : 10 ] . ولما كان هذا بياناً عظيماً ، أشار إلى عظمه بقوله : { انظر } وعظمه تعظيماً آخر بالاستفهام فقال { كيف نصرف الآيات } أي أي نكررها موجهة في جميع الوجوه البديعة النافعة البليغة { لعلهم يفقهون * } أي ليكون حالهم حال من يرجى فهمه وانتفاعه به ، كان هذا { و } الحال أنه { كذب به } أي هذا العذاب أو القرآن المشتمل على الوعد والوعيد والأسباب المبينة للخلق جميع ما ينفعهم ليلزموه وما يضرهم ليحذروه { قومك } أي الذين من حقهم أن يقوموا بجميع أمرك ويسروا بسيادتك ، فإن القبيلة إذا ساد أحدها عزت به ، فإن عزه عزها وشرفه شرفها ، ولا سيما إذا كان من بيت الشرف ومعدن السيادة ، وإذا سفل أحدها اهتمت به غاية الاهتمام وسترت عيوبه مهما أمكنها فإن عاره لاحق بها ، فهو من عظيم التوبيخ لهم ودقيق التقريع ، وزاد ذلك بقوله : { وهو } أي والحال أنه { الحق } أي الثابت الذي لا يضره التكذيب به ولا يمكن زواله . ولما كان الإنسان ربما حصل له اللوم بسبب قومه , كان صلى الله عليه وسلم في هذا المقام بمعرض أن يخاف عاقبة ذلك ويقول : فماذا أصنع بهم ؟ فقال تعالى معلماً أنه ليس عليه بأس من تكذيبهم : { قل لست } وقدم الجار والمجرور للاهتمام به معبراً بالأداة الدالة على القهر والغلبة فقال : { عليكم بوكيل * } أي حفيظ ورقيب لأقهركم على الرد عما أنتم فيه .