Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 97-98)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر ذلك ، أتبعه منفعة أخرى تعمهما مع غيرهما مبيناً ما أذن فيه من علم النجوم ومنافعها فقال : { وهو } أي لا غيره { الذي جعل } ولما كانت العناية بنا أعظم ، قدم قوله : { لكم النجوم } أي كلها سائرها وثابتها وإن كان علمكم يقصر عنها كلها كما يقصر عن الرسوخ والبلوغ في علم السير للسيارة منه { لتهتدوا } أي لتكلفوا أنفسكم علم الهداية { بها } لتعلموا القبلة وأوقات الصلوات والصيام وغير ذلك من منافعكم دنيا وديناً . ولما كانت الأرض والماء ليس لهما من نفسهما إلا الظلمة ، وانضمت إلى ذلك ظلمة الليل ، قال : { في ظلمات البر } أي الذي لا عَلَم فيه ، وإن كانت له أعلام فإنها قد تخفى { والبحر } فإنه لا عَلَم به ، والإضافة إليهما للملابسة أو تشبيه الملبَّس من الطرق وغيرها بالظلمة ؛ روى الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في جزء جمعه في النجوم من طريق أحمد بن سهل الأشناني عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : تعلموا من النجوم ما تهتدون في البر والبحر ثم انتهوا ، وتعلموا من الأنساب ما تصلون به أرحامكم وتعرفون ما يحل لكم ويحرم عليكم من النساء ثم انتهوا . وفيه من طريق عبد الله ابن الإمام أحمد في زياداته على المسند عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا علي ! أسبغ الوضوء وإن شق عليك ، ولا تأكل الصدقة ولا تنز الحمير على الخيل ، ولا تجالس أصحاب النجوم " وفيه عن أبي ذر رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تسألوا عن النجوم ، ولا تفسروا القرآن برأيكم ، ولا تسبوا أصحابي ، فإن ذلك الإيمان المحض " وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النظر في النجوم - رواه من طرق كثيرة ؛ وعن عائشة رضي الله عنها مثله سواء ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا ، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا " - رواه من طرق وأسند عن قتادة قوله تعالى { وأنهاراً وسبلاً } [ النحل : 15 ] قال : طرقاً { وعلامات } [ النحل : 16 ] قال : هي النجوم ، قال : إن الله عز وجل إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدى بها ، وجعلها رجوماً للشياطين ، فمن تعاطى فيها شيئاً غير ذلك فقد أخطأ حظه وقال رأيه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به - في كلام طويل حسن ، وهذا الأثر الذي عن قتادة أخرجه عنه البخاري في صحيحه ، وقال صاحب كنز اليواقيت في استيعاب المواقيت في مقدمة الكتاب : واعلم أن العلم منه محمود ، ومنه مذموم لا يذم لعينه ، إنما يذم في حق العباد لأسباب ثلاثة : أولها أن يكون مؤدياً إلى ضرر كعلم السحر والطلسمات وهو حق إذ شهد القرآن به وأنه سبب للتفرقة بين الزوجين ، وسحر النبي صلى الله عليه وسلم ومرض بسببه ، حتى أخبره جبرئيل عليه السلام وأخرج السحر من تحت حجر في قعر بئر - كما ورد في الحديث الصحيح ؛ ومعرفة ذلك من حيث إنه معرفة ليس مذموماً ، أو من حيث إنه لا يصلح إلا لإضرار بالخلق يكون مذموماً . والوسيلة إلى الشر شر ؛ الثاني أن يكون مضراً بصاحبه في غالب الأمر كالقسم الثاني من علم النجوم الاحكامي المستدل به على الحوادث بالأسباب كاستدلال الطبيب بالنبض على ما يحدث من المرض ، وهو معرفة مجاري سنة الله وعادته في خلقه ، ولكنه ذمه الشرع وزجر عنه لثلاثة أوجه : أحدها أنه يضر بأكثر الناس فإنه إذا قيل : هذا الأمر لسبب سير الكواكب ، وقر في نفس الضعيف العقل أنه مؤثر ، فينمحي ذكر الله عن قلبه ، فإن الضعيف يقصر نظره على الوسائط بخلاف العالم الراسخ ، فإنه يطلع على الشمس والقمر والنجوم مسخرات ، وفرق كبير بين من يقف مع الأسباب وبين من يترقى إلى مسبب الأسباب ، ثم ذكر ما حاصله أن السبب الثاني في النهي عنه أنه تخمين لا يصل إلى القطع ؛ والثالث أنه لا فائدة فيه ، فهو خوض في فضول ، وأن السبب الثالث مما يذم به ما يذم من العلوم أنه مما لا تبلغه عقول أكثر الناس ولا يستقل به ، ولا ينكر كون العلم ضاراً لبعض الأشخاص كما يضر لحم الطير بالرضيع - انتهى . وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد " وقال صاحب كتاب الزينة في آخر كتابه بعد أن ذكر العيافة والزجر ونحوهما ، ويأتي أكثره عنه في سورة الصافات : وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إياكم والنجوم ! فإنها تدعو إلى الكهانة " ، قال : هذه الأشياء كلها لها أصل صحيح ، فمنها ما كانت من علوم الأنبياء مثل النجوم والخط وغير ذلك ، ولولا الأنبياء الذين أدركوا علم النجوم وعرفوا مجاري الكواكب في البروج وما لها من السير في استقامتها ورجوعها ، وما قد ثبت وصح من الحساب في ذلك بما لا ارتياب فيه ، لما قدر الناس على إدراكه ، وذلك كله بوحي من الله عز وجل إلى أنبيائهم عليهم السلام ، وقد روي أن إدريس عليه السلام أول من علم النجوم ، وروي في الخط أنه كان علم نبي من الأنبياء ، ولولا ذلك لما أدرك الناس هذه اللطائف ولا عرفوها . ولما كانت هذه الآيات قد بلغت في البيان حداً علا عن طوق الإنسان والملائكة والجان لكونها صفة الرحمن ، فكانت فخراً يتوقع فيه التنبيه عليه فقال : { قد فصلنا } أي بينا بياناً شافياً على ما لنا من العظمة { الآيات } واحدة في إثر واحدة على هذا الأسلوب المنيع والمثال الرفيع ؛ ولما كانت من الوضوح في حد لا يحتاج إلى كثير تأمل قال : { لقوم يعلمون * } أي لهم قيام فيما إليهم ، ولهم قابلية العلم ليستدلوا بها بالشاهد على الغائب . ولما ذكر سبحانه بعض هذا الملكوت الأرضي والسماوي ، أتبعه - كما مضى في أول السورة - الخلق المفرد الجامع لجميع الملكوت ، وهو الإنسان ، دالاً على كمال القدرة على كل ما يريد ، مبطلاً بمفاوتة أول الإبداع وآخر الآجال ما اعتقدوا في النور والظلمة والشمس والقمر وغيرهما ، لأن واحداً منها لا اختيار له في شيء يصدر عنه ، بل هو مسخر ومقهور كما هو محسوس ومشهور ، فقال : { وهو } أي لا غيره { الذي أنشأكم } أي وأنتم في غاية التفاوت في الطول والقد واللون والشكل وغير ذلك من الأعراض التي دبرها سبحانه على ما اقتضته حكمته { من نفس واحدة } ثم اقتطع منها زوجها ثم فرّعكم منهما . ولما كان أغلب الناس في الحياة الدنيا يعمل عمل من لا يحول ولا يزول ، لا يكون على شرف الزوال ما دامت فيه بقية من حياة ، قال : { فمستقر * } أي فسبب عن ذلك أنه منكم مستقر على الأرض - هذا على قراءة ابن كثير وابن عمر وبكسر القاف اسم فاعل ، والمعنى في قراءة الباقين بفتحه اسم مكان { ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين } [ البقرة : 26 ] . ولما كان من في البرزخ قد كشف عنهم الغطاء فهم موقنون بالساعة غير عاملين على ضد ذلك ، وكذا من في الصلب والرحم ، عبر بما يدل على عدم الاستقرار فقال : { ومستودع } أي في الأصلاب أو الأرحام أو في بطن الأرض ، فدلت المفاوتة من كل منهما - مع أن الكل من نفس واحدة - على القادر المختار ، لا يقدر غيره أن يعكس شيئاً من ذلك ، وكل ذلك مضمون الآيتين في أول السورة ، وقدم الإصباح والليل ومتعلقهما لتقدمهما في الخلق ، ثم تلاه بخلق الإنسان على حسب ما مرّ أول السورة ، وذكر هنا أنه جعل ذلك الطين نفساً واحدة فرّع الإنس كلهم منها مع تفاوتهم فيما هناك وفي غيره . ولما ذكر هذا المفرد الجامع ، وفصّله على هذه الوجوه المعجبة ، كان محلاً لتوقع التنبيه عليه فقال : { قد فصلنا } أي بعظمتنا { الآيات } أي أكثرنا بيانها في هذا المفرد الجامع في أطوار الخلقة وأدوار الصنعة ، تارة بأن يكون من التراب بشر ، وأخرى بأن يخرج الأنثى من الذكر ، وتارة بأن يفرّع من الذكر والأنثى ما لا يحيط به العد ولا يجمعه الخبر من النطفة إلى الولادة إلى الكبر . ولما كان إنشاء الناس من نفس واحدة وتصريفهم على تلك الوجوه المختلفة جداً ألطف وأدق صنعة ، فكان ذلك محتاجاً إلى تدبر واستعمال فطنة وتدقيق نظر ، قال : { لقوم يفقهون * } أي لهم أهلية الفقه والفطنة .