Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 101-103)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما انقضى ذلك على هذا الوجه الأعظم والنظم الأبلغ الأحكم ، وكانت هذه القرى بحيث تعرفها العرب ويرونها ، أشار إليهم حثّاً على الاعتبار بهم ، ولما كان أهلها جديرين بالبعد عنهم والهرب منهم ، عبر عنهم بأداة البعد فقال : { تلك القرى } أي محالّ القبائل الخمس ، ويجوز أن يكون البعد لعظمة ما حصل لأهلها من العذاب ، ويؤيده قوله مبيناً لحالها : { نقص عليك } . ولما كان العاقل من يكفيه أدنى شيء ، هوّل الأمر بأن أخبارها تفوت الحصر ، وأن ما قص منها يكفي المعتبر ، فقال : { من أنبائها } أي أخبارها العظيمة الهائلة المطابقة للواقع شيئاً بعد شيء كما يفعل من يتتبع الأثر ، وأنث الضمير لأن لرؤية القرى أنفسها مدخلاً في معرفة أخبار أهلها . ولما كان المقام مقام العجب من التكذيب بعد ذلك البيان ، كان ربما تخيل متخيل أنهم لم يؤتوا بالبيان الشافي ، فشهد الله تعالى للرسل عليهم السلام تصديقاً لمن قال مهم : قد جاءتكم بينة ، بقوله : { ولقد } أي والحال أنه قد { جاءتهم } أي أهل القرى لأنهم المقصودون بالذات { رسلهم } أي الذين أرسلناهم إليهم { بالبينات فما } أي فلم يتسبب عن ذلك بسبب طبعنا على قلوبهم إلا أنهم ما { كانوا } موفقين { ليؤمنوا } أي عند مجيئها ، وقد أكد منافاة حالهم الإيمان باللام والكون أتم تأكيد { بما } أي بالذي { كذبوا } أي به ، وحذفها أدل على الزجر من مطلق التكذيب وأوفق لمقصود السورة . ولما كان تكذبيهم غير مستغرق للزمان الماضي ، أدخل الجارّ فقال : { من قبل } أي قبل مجيء الرسل إليهم أو بتكذيبهم الواقع منهم للرسل فيما أتوا به عن الله من قبل الأخذ بغتة ، أو من قبل مجيء الرسل بالآيات ، فإنهم أول ما جاؤوهم فاجؤوهم بالتكذيب ، فجوزوا على تكذيب الحق من غير نظر في دليل بالطبع على قلوبهم فأتوهم . بالمعجزات فأصروا على ذلك التكذيب ووقفوا لذلك الطبع مع حظوظهم ، ومنعتهم شماختهم وشدة شكائمهم عن الإيمان لئلا يقال : إنهم خافوا أولا فيما وقع منهم من التكذيب فكانوا فيه على غير بصيرة ، أو إنهم خافوا ثانياً ما قرعتهم به الرسل من الوعيد ، فدخلوا جبناً فيما يعلمون بطلانه ، فكان تزيين هذا لهم طبعاً على قلوبهم ، فكأنه قيل : إن هذا العجب هل يقع في مثل ذلك أحد ؟ فقيل : نعم ، مثل ما طبعنا على قلوبهم حتى صارت مع الفهم لا تنتفع ، فكأنها لا تفهم فكأنها لا تسمع { كذلك يطبع الله } أي الجامع لصفات الكبر ونعوت الجلال بما يجعل من الرين بما له من العظمة { على قلوب الكافرين * } أي كل من يغطي ما أعطاه الله من نور العقل بما تدعوه إليه نفسه من الهوى عريقاً في الاتصاف بذلك فيترك آيات الله . ولما كان نقض العهد أفظع شيء ولا سيما عند العرب ، قال عاطفاً على " فما كانوا " : { وما وجدنا } أي في عالم الشهادة { لأكثرهم } أي الناس ، وأكد الاستغراق فقال : { من عهد } طبق ما كان عندنا في عالم الغيب ، وهذا إما إشارة إلى الميثاق يوم { ألست بربكم } إن كان ذلك على حقيقته ، أو إلى ما يفعلون حال الشدائد من الإقلاع عن المعاصي والمعاهدة على الشكر { لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين } [ يونس : 22 ] أو إلى إقامة الحجج بإفاضة العقول ونصب الأدلة ، فصار بنصبها وإيضاحها للعقول كأنه أخذ العهد على من عقل أنه يبذل الجهد في التأمل ولا يتجاوز ما أبداه له صحيح النظر { وإن } أي وإنا { وجدنا } أي علمنا في عالم الشهادة { أكثرهم لفاسقين * } أي خارجين عن دائرة العهد مارقين مما أوقفهم عند الحد عريقين في ذلك طبق ما كنا نعلمه منهم في عالم الغيب ، وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم . ولما انقضى بيان هذا الإجمال الخالع لقلوب الرجال ، أتبعه الكشف عما كان بعد قصة شعيب عليه السلام من قصة صهره موسى عليه السلام مع فرعون وقومه ، وهي كالدليل على آيات الإجمال كما كانت القصص الماضية كالدليل على ما في أول السورة من الإجمال ، فإن قصة فرعون مشتملة على الأخذ بالبأساء والضراء ، ثم الإنعام بالرخاء والسراء ، ثم الأخذ بغتة بسبب شدة الوقوف مع الضلال بعد الكشف الشافي والبيان لما على قلوبهم من الطبع وما قادت إليه الحظوظ من الفسق ، وكأنه فصلها عن القصص الماضية تنويهاً بذكرها وتنبيهاً على عليّ قدرها ، لأن معجزات صاحبها من معجزات من كان قبله ، وجهل من عالجهم كان أعظم وأفحش من جهل تلك الأمم ، ولذلك عطفها بأداة البعد مع قرب زمنها من التي قبلها إشارة إلى بعد رتبتها بما فيها من العجائب وما اشتملت عليه من الرغائب والغرائب ، ولذلك مد لها الميدان وأطلق في سياقها للجواد العنان فقال : { ثم بعثنا } أي على عظمتنا { من بعدهم } أي الرسل المذكورين والأمم المهلكين { موسى بآياتنا } أي التي يحق لها العظمة بإضافتها إلينا فثبت بها النبوة { إلى فرعون } هو علم جنس لملوك مصر ككسرى لملوك فارس وقيصر لملوك الروم ، وكان اسم فرعون موسى عليه السلام قابوس ، وقيل : الوليد بن مصعب ابن الريان { وملئه } أي عظماء قومه ، وخصمهم لأنهم إذا أذعنوا أذعن من دونهم ، فكأنهم المقصودون والإرسال إليهم إرسال إلى الكل . ولما سببت لهم الظلم الظلم قال : { فظلموا } أي وقعوا في مثل الظلام حتى وضعوا الأشياء في غير مواضعها فوضعوا الإنكار موضع الإقرار { بها } أي بسبب رؤيتها خوفاً على رئاستهم ومملكتهم الفانية أن تخرج من أيديهم ؛ ولما كان ذلك من أعجب العجب ، وهو أن سبب العدل يكون سبب الظلم ، وكان هذا الظلم أعظم الفساد ، سبب عنه قوله معجباً : { فانظر } أي بعين البصيرة { كيف كان عاقبة } أي آخر أمر { المفسدين * } فلخص في هذه الآية على وجازتها جميع قصتهم على طولها ، وقدم ذكر الآيات اهتماماً بها ولأنها الدليل على صحة دعوى البعث .