Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 12-16)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان مخالف الملك في محل العقاب ، تشوف السامع إلى خبره فأجيب بقوله : { قال } أي لإبليس إنكاراً عليه توبيخاً له استخراجاً لكفره الذي كان يخفيه بما يبدي من جوابه ليعلم الخلق سبب طرده { ما منعك } ولما كانت هذه العبارة قد صرحت بعدم سجوده ، فكان المعنى لا يلبس بإدخال " لا " في قوله : { ألا تسجد } أتى بها لتفيد التأكيد بالدلالة على اللوم على الامتناع من الفعل والإقدام على الترك ، فيكون كأنه قيل : ما منعك من السجود وحملك على تركه { إذ } أي حين { أمرتك } أي حين حضر الوقت الذي يكون فيه أداء المأمور به { قال } أي إبليس ناسباً ربه سبحانه إلى الجور أو عدم العلم بالحق { أنا خير منه } أي فلا يليق لي السجود لمن هو دوني ولا أمري بذلك لأنه مناف للحكمة ؛ ثم بين وجه الخيرية التي تصورها بسوء فهمه أو بما قاده إليه سوء طبعه بقوله : { خلقتني من نار } أي فهي أغلب أجزائي وهي مشرفة مضيئة عالية غالبة { وخلقته من طين * } أي هو أغلب أجزائه وهو كدر مظلم سافل مغلوب ، وقد غلط غلطاً فاحشاً فإن الإيجاد خير من الإعدام بلا نزاع ، والنار سبب الإعدام والمحق لما خالطته ، والطين سبب النماء والتربية لما خالطه ، هذا لو كان الأمر في الفضل باعتبار العناصر والمبادىء وليس كذلك ، بل هو باعتبار الغايات . ولما كان هذا أمراً ظاهراً ، وكان مجرد التكبر على الله كفراً على أيّ وجه كان ، أعرض عن جوابه بغير الطرد الذي معناه نزوله المنزلة الذي موضع ما طلب من علوها فاستأنف قوله { قال } مسبباً عن إبائه قوله : { فاهبط منها } مضمراً للدار التي كان فيها وهي الجنة . فإنها لا تقبل عاصياً ، وعبر بالهبوط الذي يلزم منه سقوط المنزلة دون الخروج ، لأن مقصود هذه السورة الإنذار وهو أدل عليه ، وسبب عن أمره بالهبوط الذي معناه النزول والحدور والانحطاط والنقصان والوقوع في شيء منه قوله : { فما يكون } أي يصح ويتوجه بوجه من الوجوه { لك أن تتكبر } أي تتعمد الكبر وهو الرفعة في الشرف والعظمة والتجبر ، ولا مفهوم لقوله { لك } ولا لقوله { فيها } لوجود الصرائح بالمنع من الكبر مطلقاً { إنه لا يحب المستكبرين } [ النحل : 23 ] ، { كذلك يطبع الله على قلب كل متكبر } [ غافر : 35 ] { قال الذين استكبروا إنا كل فيها } [ غافر : 48 ] ، وإنما قيد بذلك تهويلاً للأمر ، فكأنه قيل : لا ينبغي التكبر إلا لنا ، وكلما قرب الشخص من محل القدس الذب هو مكان المطيعين المتواضعين جل تحريم الكبر عليه " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل كبر " رواه مسلم وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه ، وسبب عن كونها لا تقبل الكبر قوله : { فاخرج } أي من الجنة دار الرضوان ، فانتقى أن يكون الهبوط من موضع عال من الجنة إلى موضع منها أحط منه ، ثم علل أمره بالهبوط والخروج بقوله مشيراً إلى كل من أظهر الاستكبار ألبس الصغار : { إنك من الصاغرين * } أي الذين هم أهل للطرد والبعد والحقارة والهوان . ولما علم أن الحسد قد أبعده ونزل به عن ساحة الرضى وأقعده ، تمادى فيه فسأل ما يتسبب به إلى إنزال المحسودين عن درجاتهم العاليه إلى دركته السافلة ، ولم يسأل بشقاوته فيما يعليه من دركته السافلة إلى درجاتهم العالية ، وذلك بأن { قال } أي إبليس ، وهو استئناف ؛ ولما كان السياق - ولاسيما الحكم بالصغار العاري عن تقييد - يأبى لأن يكون سبباً لسؤاله الانتظار ، ذكره بصيغة الإحسان فقال { أنظرني } أي بالإمهال ، أي اجعلني موجوداً بحيث أنظر وأتصرف في زمن ممتد { إلى يوم يبعثون * } أي من القبور ، وهو يوم القيامة ، وكان اللعين طلب بهذا أنه لا يموت ، فإن ذلك الوقت ليس وقتاً للموت ، إنما هو وقت إفاضة الحياة الأبدية في شقاوة أو سعادة ، فأعلم سبحانه أنه حكم له بالانتظار ، لكن لا على ما أراده ولا على أنه إجابة له ، ولكن هكذا سبق في الأزل في حكمه في قديم علمه ، وإليه يرشد التعبير بقوله : { قال إنك من المنظرين * } أي في الجملة ، ومنعه من الحماية عن الموت بقوله كما ذكره في سورتين الحجر وص { إلى يوم الوقت المعلوم } [ الحجر : 38 ، ص : 81 ] ، وهووقت النفخة الأولى التي يموت فيها الأحياء فيموت هو معهم ، وكان ترك هذه الجملة في هذه السورة لأن هذه السورة للإنذار ، وإبهام الأمر اشد في ذلك ، وأجابة إلى الإنظار وهو يريد به الفساد ، لأنه لا يعدو أمره فيه وتقديره به ، ولأنه سبحانه لا يسأل عما يفعل ، ولتظهر حكمته تعالى في الثواب والعقاب . ولما كان قد حكم عليه بالشقاء ، قابل نعمة الإمهال وإطالة العمر بالتمادي في الكفر وأخبره عن نفسه بذلك بأن { قال } مسبباً عن إيقاعه في المعصية بسبب نوع الآدميين { فبما أغويتني } أي فبسبب إغوائك لي ، وهو إيجاد الغي واعتقاد الباطل في قلبي من أجلهم والله { لأقعدن لهم } أي أفعل في قطعهم عن الخير فعل المتمكن المقبل بكليته المتأني الذي لا شغل له غير ما أقبل عليه في مدة إمهالك لي بقطعهم عنك بمنعهم من فعل ما أمرتهم به ، وحملهم على فعل ما نهيتهم عنه ، كما يقعد قاطع الطريق على السابلة للخطف { صراطك } أي في جميع صراطك ، بما دل عليه نزع الخافض { المستقيم * } وهو الإسلام بجميع شعبه ، ومن أسند الإغواء إلى غير الله بسبب اعتقاده أن ذلك مما ينزه الله عنه ، فقد وقع في شر مما فر منه ، وهو أنه جعل في الوجود فاعلين يخالف اختيار أحدهما اختيار الآخر .