Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 35-37)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان استشراف النفس إلى السؤال عما يكون بعد حين المستقر والمتاع أشد من استشرافها إلى هذا لكونه أخفى منه ، فهو أبعد من خطوره في البال ؛ قدم قوله : { قال فيها تحيون } [ الأعراف : 25 ] ولما كان ذكر الدواء لداء هتك السوءة أهم قدم { أنزلنا عليكم لباساً } [ الأعراف : 26 ] ثم ما بعده حتى كان الأنسب بهذه الاية هذا الموضع فنظمت فيه . ولما تقدمت الإشارة إلى الحث على اتباع الرسل بآيات المقصد الأول من مقاصد هذه السورة كقوله تعالى { كتاب أنزل إليك } [ الأعراف : 2 ] و { لتنذر } [ الأعراف : 2 ] و { اتبعوا ما أنزل إليكم } [ الأعراف : 3 ] وقوله { فلنسئلن الذين أرسل إليهم } [ الأعراف : 6 ] وقوله { قل أمر ربي بالقسط } [ الأعراف : 29 ] ، { إنما حرم ربي الفواحش } [ الأعراف : 33 ] والتحذير من الشياطين بقوله { ولا تتبعوا من دونه أولياء } [ الأعراف : 3 ] وبقوله { لأقعدن لهم صراطك المستقيم } [ الأعراف : 16 ] ، { لا يفتننكم الشيطان } [ الأعراف : 27 ] وغيره ، فتحرر أنه لا سبيل إلى النجاة إلا بالرسل ، وختم ذلك بالأحل حثاً على العمل في أيام المهلة ؛ أتبع ذلك قوله حاثاً على التعلق بأسباب النجاة باتباع الدعاة الهداة قبل الفوت بحادث الموت ببيان الجزاء لمن احسن الاتباع في الدارين { يا بني آدم } . ولما كان له سبحانه أن يعذب من خالف داعي العقل من غير إرسال رسول ، وكان إرسال الرسل جائزاً له وفضلاً منه سبحانه إذ لا يوجب عليه ، أشار إلى ذلك بحرف الشك فقال : { إما } هي إن ، الشرطية وصلت بها ما تأكيداً { يأتينكم رسل } ولما كانت زيادة الخبرة بالرسول أقطع للعذر وأقوى في الحجة قال : { منكم } أي من نوعكم من عند ربكم . ولما كان الأغلب على مقصد هذه السورة العلم كما تقدم في { فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين } [ الأعراف : 7 ] ويأتي في { ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم } [ الأعراف : 52 ] وغيرها ، كان التعبير بالقص - الذي هو تتبع الأثر كما تقدم في الأنعام - أليق فقال : { يقصون عليكم آياتي } أي يتابعون ذكرها لكم على وجه مقطوع به ، ويتبع بعضهم بها أثر بعض لا يتخالفون في أصل واحد من الأصول . ولما كان لقاء الرسل حتماً والهجرة إليهم واجبة لأن العمل لا يقبل إلا بالاستناد إليهم مهما وجد إلى ذلك سبيل ، ربط الجزاء بالفاء فقال : { فمن اتقى } أي خاف مقامي وخاف وعيدي بسبب التصدق بالرسل والتلقي عنهم { وأصلح } أي عمل صالحاً باقتفاء آثارهم { فلا خوف } أي غالب { عليهم } أي بسبب ذلك من شيء يتوقعونه { ولا هم } أي بضمائرهم { يحزنون * } أي يتجدد لهم في وقت ما حزن على شيء فاتهم ، لأن الله يعطيهم ما يقر به أعينهم ، وكأنه غاية في التعبير لأن إجلالهم لله تعالى وهيبتهم له يمكن أن يطلق عليهما خوف . ولما ذكر المصدق ، أتبعه المكذب فقال { والذين كذبوا بآياتنا } أي على ما لها من العظمة بإضافتها إلينا ؛ ولما كان التكذيب قد يكون عن شبهة أو نوع من العذر ، نفى ذلك بقوله : { واستكبروا عنها } أي أوجدوا الكبر إيجاد من هو طالب له عظيم الرغبة فيه ، متجاوزين عنها إلى أضداد ما دعت إليه . ولما ذلك ليس سبباً حقيقياً للتعذيب ، وإنما هو كاشف عمن ذرأه الله لجهنم لإقامة الحجة عليه ، أعري عن الفاء قوله : { أولئك } أي البعداء البغضاء { أصحاب النار } ولما كان صاحب الشيء هو الملازم له المعروف به ، قال مصرحاً بذلك : { هم } أي خاصة ليخرج العاصي من غير تكذيب ولا استكبار { فيها } أي النار خاصة ، وهي تصدق بكل طبقة من طبقاتها { خالدون * } فقد تبين أن إثبات الفاء أولاً للترغيب في الاتباع ، وتركها ثانياً للترهيب من شكاسة الطباع ، فالمقام في الموضعين خطر ، ولعل من فوائده الإشارة إلى أنه إذا بعث رسول وجب على كل من سمع به أن يقصده لتحرير أمره ، فإذا بان له صدقه تبعه ، وإن تخلف عن ذلك كان مكذباً - الله الموفق . ولما كان تكذيب الرسل تارة يكون بشرع شيء لم يشرعوه ، وتارة برد ما شرعوه قولاً وفعلاً ، وأخبر أن المكذبين أهل النار ، علل ذلك بقوله : { فمن أظلم } أي أشنع ظلماً { ممن افترى } أي تعمد { على الله } أي الملك الأعلى { كذباً } أي كمن شرع في المطاعم والملابس غير ما شرع ، أو ادعى أنه يوحي إليه فحكم بوجود ما لم يوجد { أو كذب بآياته } أي برد ما أخبر به الرسل فحكم بإنكار ما وجد . ولما كان الجواب : لا أحد أظلم من هذا ، بل هو أظلم الناس ، وكان مما علم أن الظالم مستحق للعقوبة فكيف بالأظلم قال : { أولئك } أي البعداء من الحضرات الربانية { ينالهم نصيبهم من الكتاب } أي الذي كتب حين نفخ الروح أو من الآجال التي ضربها سبحانه لهم والأرزاق التي قسمها ، تأكيداً لرد اعتراض من قال : إن كنا خالفنا فما له لا يهلكنا ؟ ثم غَيَّي نيل النصيب بقوله : { حتى إذا جاءتهم رسلنا } أي الذين قسمنا لهم من عظمتنا ما شئنا حال كونهم { يتوفونهم } أي يقبضون أرواحهم كاملة من جميع أبدانهم { قالوا أين ما كنتم } عناداً كمن هو في جبلته { تدعون } أي دعاء عبادة { من دون الله } أي تزعمون أنهم واسطة لكم عند الملك الأعظم وتدعونهم حال كونكم معرضين عن الله ، ادعوهم الآن ليمنعوكم من عذاب الهوان الذي نذيقكم { قالوا ضلوا } أي غابوا { عنا } فلا ناصر لنا . ولما كان الإله لا يغيب فعلموا ضلالهم بغيبتهم عنهم ، قال مترجماً عن ذلك : { وشهدوا على أنفسهم } أي بالغوا في الاعتراف { أنهم كانوا كافرين * } أي ساترين عناداً لما كشف لهم عنه نور العقل فلا مانع منه إلا حظوظ النفوس ولزوم البؤس .