Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 58-60)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كانت الموت موتين : حسياً ومعنوياً - كما أشير في الأنعام في آية { إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله } [ الأنعام : 36 ] { أو من كان ميتاً فأحييناه } [ الأنعام : 122 ] كان كأنه قيل : لا فرق في ذلك عندما بين أموات الإيمان وأموات الأبدان ، فكما أنا فاوتنا بين جواهر الأراضي بخلق بعضها جيداً وبعضها رديئاً كذلك فاوتنا بين عناصر الأناسي بجعل بعضها طيباً وبعضها خبيثاً ، فالجيد العنصر يسهل إيمانه ، والخبيث الأصل يعسر إذعانه وتبعد استقامته وإيقانه { والبلد الطيب } أي الذي طابت أرضه فكانت كريمة منبتة { يخرج نباته } أي إذا نزل عليه الماء خروجاً كثيراً حسناً سهلاً غزيراً { بإذن } أي بتمكين { ربه } أي المربي له بما هيأه له ، والذي طاب في الجملة ولم يصل إلى الغاية يخرج له نبات دون ذلك ، والخبيث لا يخرج له نبات أصلاً بمنع ربه له { والذي خبث } أي حصلت له خباثة في جبلته بكون أرضه سبخة أو نحوها مما لا يهيئه الله تعالى للإنبات { لا يخرج } أي نباته { إلا } أي حال كونه { نكداً } أي قليلاً ضعيف المنفعة ، وهو - مع كونه دالاً على أن ذلك ما كان على ما وصف مع استواء الأراضي في الأصل واستواء المياه ونسبتها إلى الأفلاك والنجوم إلا بالفاعل المختار - مثل ضربه سبحانه للمؤمن والكافر عند سماعهما للذكر من الكتاب والسنة ، والآية من الاحتباك . ولما استوت هذه الآيات على الذروة من بدائع الدلالات ، كان السامع جديراً بأن يقول : هل تبين جميع هذه الآيات هذه البيان ؟ فقيل : { كذلك } أي نعم ، مثل هذا التصريف ، وهو الترديد مع اختلاف الأنحاء لاختلاف الدلالات وإبرازها في قوالب الألفاظ الفائقة والمعاني الرائقة في النظوم المعجزة على وجوه لا تكاد تدخل تحت الحصر : { نصرف الآيات } أي كلها ؛ ولما تم ذلك على هذا المنهاج الغريب والمنوال العجيب المذكر بالنعم في أسلوب دال على التفرد وتمام القدرة ، كان أنسب الأشياء ختمه بقوله مخصصاً بها المنتفع لأنها بالنسبة إلى غيرهم كأنها لم توجد : { لقوم يشكرون * } أي يوجد منهم الشكر للنعم وجوداً مستمراً فلا يشركون بل ينتفعون بما أنعم عليهم به وحده في عبادته وحده ، وينظرون بعقولهم أنه أقدرهم بنعمه على ما هم عاجزون عنه ، فلا يسلبون عنه شيئاً من قدرته على بعث ولا غيره فإنهم يزعمون أنهم أهل معالي الأخلاق التي منها أنه ما جزاء الإحسان إلاّ الإحسان . ولما طال تهديده سبحانه لمن أصر على إفساده ، ولم يرجع عن غيّه وعناده بمثل مصارع الأولين ومهالك الماضين ، ونوَّع في هذه الآيات محاسن الدلالات على التوحيد والمعاد بوجوه ظاهرة وبينات قاهرة وبراهين قاطعة وحجج ساطعة ، ساق سبحانه تلك القصص دليلاً حسياً على أن في الناس الخبيث والطيب مع الكفالة في الدلالة على تمام القدرة والغيرة من الشرك على تلك الحضرة - بتفصيل أحوال من سلفت الإشارة إلى إهلاكهم وبيأن مصارعهم وأنه لم تغن عنهم قوتهم شيئاً ولا كثرتهم بقوله تعالى { وكم من قرية أهلكناها } [ الأعراف : 4 ] وقوله { فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة } [ الأعراف : 34 ] الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتقوية لصالحي أتباعه بالتنبيه على أن الإعراض عن الآيات ليس من خواص هذه الأمة بلف هي عادة الأمم السالفة ، وعلى أن النعم خاصة بالشاكرين ، ولذا كانت النقم مقصورة على الكافرين ، فقال تعالى { لقد أرسلنا } أي بعظمتنا ، وافتتحه بحرف التوقع لما للسامع الفطن من التشوف إلى ذكر ما تكرر من الإشارة إليه ، ولأن اللام المجاب بها القسم المحذوف لا ينطقون بها غالباً إلا مقترنة بقد ، لأن الجملة القسمية لا تساق إلا تاكيداً للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة بمعنى التوقع الذي هو معنى " قد " عند استماع المخاطب كلمة القسم { نوحاً } يعني ابن لمك بم متوشلخ بن خنوخ ، وهو إدريس عليه السلام ، وكان عند الإرسال ابن خمسين سنة . ولما كان إرساله صلى الله عليه وسلم قبل القبائل باختلاف اللغات قال : { إلى قومه } أي الذين كانوا ملء الأرض كما في حديث الشفاعة في الصحيحين وغيرهما عن أنس رضي الله عنه ، ائتوا نوحاً أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض . وفيهم من القوة على القيام بما يريدون ما لا يخفي على من تأمل آثارهم وعرف أخبارهم ، فإن كانت آثارهم فقد حصل المراد ، وإن كانت لمن بعدهم علم - بحكم قياس الاستقرار - أنهم أقوى على مثلها وأعلى منها ، ولسوق ذلك دليلاً على ما ذكر جاء مجرداً عن أدوات العطف ، وهو مع ذلك كله منبه على أن جميع الرسل متطابقون على الدعوة إلى ما دل عليه برهان { إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض } [ الأعراف : 54 ] من التوحيد والصلاح إلى غير ذلك من بحور الدلائل والحجاج المتلاطمة الأمواج - والله الهادي إلى سبيل الرشاد ، وكون نوح عليه السلام رسولاً إلى جميع أهل الأرض - لأنهم قومه لوحده لسانهم - لا يقدح في تخصيص نبينا صلى الله عليه وسلم بعموم الرسالة ، لأن معنى العموم إرساله إلى جميع الأقوام المختلفة باختلاف الألسن وإلى جميع من ينوس من الإنس والجن والملائكة ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الصافات لهذا مزيد بيان . ولما كان من المقاصد العظيمة الإعلام بأن الذي دعا إليه هذا الرسول لم تزل الرسل - على جميعهم أفضل الصلاة والسلام والتحية والإكرام - تدعو إليه ، وكان نوح أول رسول ذكرت رسالته عقب ذكر إرساله بذكر ما أرسل به بالفاء بقوله { فقال يا قوم } أي فتحبب إليهم بهذه الإضافة { اعبدوا الله } أي الذي له جميع العظمة من الخلق والأمر ، فإنه مستحق لذلك وقد كلف عباده به . ولما كان المقصود إفراده بذلك ، علله بقوله مؤكداً له بإثبات الجار { ما لكم } وأغرق في النفي فقال : { من إله غيره } ثم قال معللاً أو مستأنفاً مخوفاً مؤكداً لأجل تكذيبهم : { إني أخاف عليكم } في الدنيا والآخرة ، ولعلة قال هنا : { عذاب يوم عظيم * } وفي هود { أليم } [ هود : 26 ] وقال في المؤمنون { أفلا تتقون } [ المؤمنون : 23 ] لأن ترتيب السور الثلاث - وإن كان الصحيح أنه باجتهاد الصحابة رضي الله عنهم - فلعله جاء على ترتيبها في النزول ، لأنها مكيات ، وعلى ترتيب مقال نوح عليه السلام لهم فألان لهم أولاً المقال من حيث إنه أوهم أن العظم الموصوف به { اليوم } لا بسبب العذاب بل الأمر آخر ، فيصير العذاب مطلقاً يتناول أي عذاب كان و لو قل ، فلما تمادى تكذيبهم بين لهم أن عظمه إنما هو من جهة إيلام العذاب الواقع فيه ، فلما لجوا في عتوهم قال لهم قول القادر إذا هدد عند مخالفة غيره له : ألا تفعل ما أقول لك ؟ أي متى خالفت بعد هذا عاجلتك بالعقاب وأنت تعرف قدرتي . ولما تم ذلك ، وكان الحال مقتضياً - مع ما نصب من الأدلة الواضحة على الوحدانية - لأن يجيبوا بالتصديق ، كان كأنه قيل : فبماذا كان جوابهم ؟ فقال { قال الملأ } أي الأشراف الذين يملأ العيون مرآهم عظمة ، وتتوجه العيون في المحافل إليهم ، ولم يصفهم في هذه السورة بالكفر لأن ذلك أدخل في التسلية ، لأنها أول سورة قص فيها مثل هذا في ترييب الكتاب ، ولأن من آمن به مطلقاً كانوا في جنب من لم يؤمن في غاية القلة ، فكيف عند تقييدهم بالشرف ! وأكد ذمهم تسلية لهذا النبي الكريم بالتعريف بقربهم منه في النسب بقوله : { من قومه } وقابلوا رقته وأدبه بغلطة مؤكداً ما تضمنته من البهتان لأن حالهم مكذب لهم فقالوا : { إنا لنراك } أي كل واحد منا يعتقد اعتقاداً هو في الثقة به كالرؤية أنك { في ضلال } أي خطأ وذهاب عن الصواب ، هو ظرف لك محيط بك { مبين * } أي ظاهر في نفسه حتى كأنه يظهر ذلك لغيره .