Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 1-5)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما ختم أمر الطامة الكبرى في الحاقة حتى ثبت أمره ، وتساوى سره وجهره ، ودل عليها حتى لم يبق هناك نوع لبس في وجوب التفرقة في الحكمة بين المحسن والمسيء ، وختم بأن ترك ذلك مناف للكمال فيما نتعارقه من أمور العمال بعد أن أخبر أنه يعلم أن منهم مكذبين ، وكان السائل عن شيء يدل على أن السائل ما فهمه حق فهمه ، ولا اتصف بحقيقة علمه ، عجب في أول هذه ممن سأل عنها فقال : { سأل } ودل على أنه لو لم يسأل عنها إلا واحد من العباد لكان جديراً بالتعجب منه والإنكار عليه بالإفراد في قوله : { سائل } وهو من السؤال في قراءتي من خفف بإبدال الهمزة ألفاً ومن همز . ولما كان سؤالهم من وقت مجيء الساعة والعذاب وطلبهم تعجيل ذلك إنما هو استهزاء ، ضمن " سأل " استهزاء ثم حذفه ودل عليه بحال انتزعها منه وحذفها ودل عليها بما تعدى به فقال ، أو أنه حذف مفعول السؤال المتعدي " بعن " ليعم كل مسؤول عنه إشارة إلى أن من تأمل الفطرة الأولى وما تدعو إليه من الكمال فأطاعها فكان مسلماً فاضت عليه العلوم ، وبرقت له متجليه أشعة الفهوم ، فبين المراد من دلالة النص بقوله : { بعذاب } أي عن يوم القيامة بسبب عذاب أو مستهزئاً بعذاب عظيم جداً { واقع * } وعبر باللام تهكماً منهم مثل { فبشرهم بعذاب } فقال : { للكافرين } أي الراسخين في هذا الوصف بمعنى : إن كان لهم في الآخرة شيء فهو العذاب ، وقراءة نافع وابن عامر بتخفيف الهمزة أكثر تعجيباً أي اندفع فمه بالكلام وتحركت به شفتاه لأنه مع كونه يقال : سال يسأل مثل خاف يخاف لغة في المهموز يحتمل أن يكون من سأل يسأل ، قال البغوي : وذلك أن أهل مكة لما خوفهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا : من أهل هذا العذاب ولمن هو ؟ سلوا عنه ، فأنزلت . ولما أخبر بتحتم وقوعه علله بقوله : { ليس له } أي بوجه من الوجوه ولا حيلة من الحيل { دافع * } مبتدىء { من الله } أي الملك الأعلى الذي لا كفؤ له فلا أمر لأحد معه ، وإذا لم يكن له دافع منه لم يكن دافع من غيره وقد تقدم الوعد به ، ودلت الحكمة عليه فتحتم وقوعه وامتنع رجوعه . ولما كان القادر يوصف بالعلو ، والعاجز يوصف بالسفول والدنو ، وكان ما يصعد فيه إلى العالي يسمى درجاً ، وما يهبط فيه إلى السافل يسمى دركاً ، وكانت الأماكن كلها بالنسبة إليه سبحانه على حد سواء ، اختير التعبير بما يدل على العلو الذي يكنى به عن القدرة والعظمة ، فقال واصفاً بما يصلح كونه مشيراً إلى التعليل : { ذي المعارج * } أي الدرج التي لا انتهاء لها أصلاً - بما دلت عليه صيغة منتهى الجموع وهي كناية عن العلو ، وسميت بذلك لأن الصاعد في الدرج يشبه مشية الأعرج ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنها السماوات ، ودل على ما دلت عليه الكثرة مع الدلالة على عجيب القدرة في تخفيفها على الملائكة بقوله : { تعرج الملائكة } أي وهم أشد الخلق وأقدره على اختراق الطباق ، والإسراع في النفوذ حتى يكونوا أعظم من لمح البرق الخفاق { والروح } أي جبريل عليه السلام ، خصه تعظيماً له ، أو هو خلق هو أعظم من الملائكة ، وقيل : روح العبد المؤمن إذا قبض { إليه } أي محل مناجاته ومنتهى ما يمكن من العلو لمخلوقاته ، وعلق بالعروج أو بواقع قوله : { في يوم } أي من أيامكم ، فيه آدمياً { خمسين ألف } وبين المشقة في صعوده أو الكون فيه إن أريد القيامة بأن قال : { سنة * } ولم يقل : عاماً - مثلاً ، ويجوز أن يكون هذا اليوم ظرفاً للعذاب فيكون المراد به يوم القيامة ، وأن يكون طوله على الكافر باعتبار ما يلحقه من الغم لشدة المخاوف عليه لأنه ورد أنه يخفف على المؤمن حتى يكون بمقدار صلاة واحدة - انتهى . وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن المعنى أنه لو ولي الحساب غير الله لم يفرغ منه إلا في هذا المقدار ، ويفرغ منه هو سبحانه في نصف يوم من أيام الدنيا ، وقال مجاهد والحكم وعكرمة : هو عمر الدنيا من أولها إلى آخرها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم مضى وكم بقي إلا الله ، وقد مضى في سورة { ألم السجدة } ما ينفع ههنا . ولما كان هذا كله تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن استعجالهم إياه بالعذاب استهزاء وتكذيباً سواء أريد تصوير العظمة أو العذاب ، سبب عنه قوله : { فاصبر } أي على أذاهم ولا ينفك ذلك عن تبليغهم فإنك شارفت وقت الانتقام منهم أيها الفاتح الخاتم الذي لم أبين لأحد ما بينت على لسانه ، والصبر : حبس النفس على المكروه من الإقدام أو الإحجام ، وجماله بسكون الظاهر بالتثبت والباطن بالعرفان { صبراً جميلاً * } أي لا يشوبه شيء من اضطراب ولا استثقال ، ولا شكوى ولا استعجال ، فإن عذابهم ونصرك عليهم لعظمة من أرسلك ، فلا بد من وقوعه لأن القدح فيه والتكذيب به قدح فيها ، وهذا قبل الأمر بالقتال .