Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 72, Ayat: 10-13)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما أخبروا عن إيمانهم أنه كان عقب سماعهم من غير توقف ، ثم ذكروا منعهم من الاستراق ، ذكروا أنه اشتبه عليهم المنع فلم يعلموا سره دلالة على أن جهل بعض المسائل الفرعية لا يقدح ، وندباً إلى رفع الهمة عن الخوض في شيء بغير علم ، وحثاً على التفويض إلى علام الغيوب ، فبينوا الذي حملهم على ضرب مشارق الأرض ومغاربها حتى وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن : فقالوا مؤكدين لأن العرب كانوا ينسبونهم إلى علم المغيبات وحل المشكلات : { وإنا لا ندري } أي بوجه من الوجوه وإن دافعنا واجتهدنا { أشر } ولما كان المحذور نفس الإرادة الماضية لا كونها من معروف مع أن الفاعل معروف ، وهو الفاعل المختار الذي له الإرادة الماضية النافذة ، بنوا للمفعول قولهم : { أريد } معلمين للأدب في أن الشر يتحاشى من إسناده إليه سبحانه حيث لا إشكال في معرفة أنه لا يكون شيء إلا به { بمن في الأرض } أي بهذه الحراسة فينشأ عنها الغي { أم أراد بهم ربهم } أي المحسن إليهم المدبر لهم ، بنوه للفاعل في جانب الخير إعلاماً مع تعليم الأدب بأن رحمته سبقت غضبه ، وإشارة إلى أنه قد يكون أراد بهذا المنع الخير { رشداً * } أي سداداً فينشأ عنه الخير ، فالآية من الاحتباك : ذكر الشر أولاً دليلاً على الخير ثانياً ، والرشد ثانياً دليلاً على الغنى أولاً . ولما أخبر سبحانه بسهولة إيمانهم ، فكان ربما ظن أن ذلك ما كان إلا لأن شأنهم اللين ، أتبعه ما يعلم أن ذلك خارقة لأجله صلى الله عليه وسلم كانت ، ولإعظامه وإكرامه وجدت ، فقال حكاية عنهم مؤكدين لأن الكلام السابق ظاهر في سلامة طباع الكل : { وإنا منا } أي أيها الجن { الصالحون } أي العريقون في صفة الصلاح التي هي مهيئة لقبول كل خير . ولما كان غير الصالح قد يكون فاسداً بأن يكون مباشراً للفساد قاصداً له وقد يكون غير مباشر له ، قالوا متفطنين لمراتب العلوم والأعمال المقربة والمبعدة : { ومنا } وبنى الظرف المبتدأ به لإضافته إلى مبني فقيل : { دون } أي قوم في أدنى رتبة من { ذلك } أي هذا الوصف الشريف العالي . ولما كان من دون الصالح ذا أنواع كثيرة بحسب قابليته للفساد أو الصلاح وتهيؤه له أو بعده عنه ، حسن بيان ذلك بقولهم : { كنا } أو كوناً هو كالجبلة { طرائق } أي ذوي طرق أي مذاهب ووجوه كثيرة ، وأطلقوا الطرق على أصحابها إشارة إلى شدة تلبسهم بها . ولما كان الانفصال قد يكون بأدنى شيء ، بين أنه على أعلى الوجوه فأطلق عليهم نفس المنقطع ووصفهم به فقال : { قدداً * } أي فرقاً متفرقة أهواؤها ، جمع قدة وهي الفرقة من الناس هواها على غير هواهم ، من القد وهو القطع الموجب للتفرق العظيم مثل السيور التي تقطع من الجلد وقد منه بحيث تصير كل فرقة على حدتها ، قال الحسن والسدي : كافرين ومسلمين ورافضة ومعتزلة ومرجئة وغير ذلك مثل فرق الإنس . ولما دلوا على قهرهم عما كانوا يقدرون عليه من أمر السماء بما ذكروا ، وعلى قهر مفسديهم بهذا القرآن عن كثير مما كانوا يفعلونه بأهل الأرض ، فقهروا بهذا القرآن العظيم الشأن في الحقيقة عن الخافقين فمنعنا منهم وحفظاً به ، ودلوا على أنهم موضع القهر بالتفرق ، كان ذلك موجباً للعلم بشمول قدرته تعالى حتى لا يدركه طالب ، ولا ينجو منه هارب ، لما أبدى لهم من شؤون عظمته وقهره في الحراسة وغيرها ، فذكر سبحانه ما أثر ذلك عندهم من الاعتراف والإذعان للواحد القهار ، فقال حاكياً عنهم ذلك ندباً إلى الاقتداء بهم في معرفة النفس بالعز والذل والضعف بالتفرق والانقسام ، ومعرفة الرب سبحانه بالقدرة الكاملة والسلطان والعظمة بالتفرد التام الذي لا يقبل المماثلة ولا القسمة : { وإنا } أكدوا لظن الإنس في قوتهم غير ما هو لها { ظننا } أطلقوا الظن على العلم إشارة إلى أن العاقل ينبغي له أن يجتنب ما يخيله ضاراً ولو بأدنى أنواع الحيل فكيف إذا تيقن { أن } أي أن الشأن العظيم ، وزادوا في التأكيد لما تقدم فقالوا : { لن نعجز الله } أي أن نقاومه إن أراد بنا سواءاً لما له من الإحاطة بكل شيء علماً وقدرة لأنه واحد لا مثل له ، ودلوا على وجه الضعف بقولهم : { في الأرض } أي كائنين فيها مقيمين وهي جهة السفل الملزومة للقهر ، وذلك أقصى جهدنا فأين نحن من سعة ملكه الذي هو في قبضته { ولن نعجزه } أي بوجه من الوجوه { هرباً * } أي ذوي هرب أو من جهة الهرب ، أي هربنا من الأرض إلى غيرها فإن السماء منعت منا وليس لنا مضطرب إلا في قبضته ، فأين أم إلى أين المهرب ، وقد منعوا بذلك وجهي النجاة باللقاء والنصر والهرب عند القهر . ولما كان الظانّ قد يبادر على العمل بموجب ظنه وقد لا ، بينوا أن مرادهم به العلم ، وأنهم بادروا إلى العمل بما دعا إليه ، فقالوا مؤكدين لما للجن من الإباء والعسر : { وإنا لما سمعنا } أي من النبي صلى الله عليه وسلم { الهدى } أي القرآن الذي له من العراقة التامة في صفة البيان والدعاء إلى الخير ما سوغ أن يطلق عليه نفس الهدى : { آمنا به } أي من غير وقفة أصلاً عملاً بما له من هذا الوصف العظيم . ولما كان التقدير : فآمنا بسبب إيماننا الذي قادنا إليه حفظ السماء من الإيقاع به لتمام قدرته علينا الذي هدانا إليه منعنا من الاستماع بالحراسة ، سببوا عن ذلك قولهم معترفين بالعجز عن مقاومة التهديد من الملك طالبين التحصن بتحصينه والاعتصام بحبله : { فمن يؤمن } أي يوجد حقيقة الإيمان ويستمر على تجديدها كل لحظة . ولما فهموا أن دعاءه إليه وبيانه للطريق مع قدرته التامة إنما هو من عموم لطفه ورحمته ، ذكروا وصف الإحسان لزيادة الترغيب فقالوا : { بربه } أي المحسن إليه منا ومن غيرنا . ولما كان المؤمن هو المختص من بين الخلق بالنجاة ، أدخل الفاء على الجواب ورفعه على تقدير مبتدأ دلالة على ذلك وعلى أن نجاتهم ما لا بد منه فقال : { فلا } أي فهو خاصة لا { يخاف } أصلاً { بخساً } أي نقصاً وقلة وخبثاً ونكداً في الثواب والإكرام بوجه من الوجوه { ولا رهقاً * } أي مكروهاً يلحقه فيقهره لأنه لم يفعل مع أحد شيئاً من ذلك ليجازى عليه ، فهذا حث للمؤمن على اجتناب ذلك لئلا يجازى به ، وقد هدى السياق إلى تقدير : ومن يشرك به فلا ، يأمن محقاً ولا صعقاً .