Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 73, Ayat: 16-19)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان الإرسال سبباً للقبول أو الرد قال : { فعصى فرعون } أي بما له من تعوج الطباع { الرسول } أي الذي تقدم أنا أرسلناه إليه فصار معهوداً لكم بعد ما أراه من المعجزات البينات والآيات الدامغات - بما أشار إليه مظهر العظمة ، ولذلك سبب عن عصيانه قوله : { فأخذناه } أي بما لنا من العظمة ، وبين أنه أخذ قهر وغضب بقوله : { أخذاً وبيلاً * } أي ثقيلاً شديداً متعباً مضيقاً رديء العاقبة من قولهم : طعام وبيل - إذا كان وخماً لا يستمرأ أي لا ينزل في المري ولا يخف عليه ، وذلك بأن أهلكناه ومن معه أجمعين لم ندع منهم أحداً - وسيأتي إن شاء الله تعالى في " ألم نشرح " قاعدة إعادة النكرة والمعرفة . ولما علم بهذا أنه سبحانه شديد الأخذ ، وأنه لا يغني ذا الجد منه الجد ، سبب عن ذلك قوله محذراً لهم الاقتداء بفرعون : { فكيف تتقون } أي توجدون الوقاية التي تقي أنفسكم ، ولما كان التنفير من سبب التهديد أهم لأنه أدل على رحمة المحذر وأبعث على اجتنابه ، قال مشيراً بأداة الشك إلى أن كفرهم بالله مع ما نصب لهم من الأدلة العقلية المؤيدة بالنقلية ينبغي أن لا يوجد بوجه ، وإنما يذكر على سبيل الفرض والتقدير : { إن كفرتم } أي أوقعتم الستر لما غرس في فطركم من أنوار الدلائل القائدة إلى الإيمان فبقيتم على كفركم - على أن العبارة مشيرة إلى أنه عفا عنهم الكفر الماضي فلا يعده عليهم رحمة منه وكرماً ولا يعد عليهم إلا ما أوقعوه بعد مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم { يوماً } أي هو مثل في الشدة بحيث إنه يقال فيه { يجعل } لشدة أهواله وزلزاله وأوجاله { الولدان } أي عند الولادة أو بالقرب منها { شيباً } جمع أشيب وهو من ابيض شعره ، وذلك كناية أن عن كثرة الهموم فيه لأن العادة جارية بأنها إذا تفاقمت أسرعت بالشيب ، والمعنى إنكار أن يقدروا على أن يجعلوا لهم وقاية بغاية جهدهم تقيهم عذاب ذلك اليوم الموصوف بهذا الهول الأعظم ، وذلك حين يقول الله : " يا آدم قم فابعث بعث النار من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين " وأسند الجعل إلى اليوم لكونه واقعاً فيه كما جعله المتقي ، وإنما المتقي العذاب الواقع فيه . ولما كان هذا أمراً عظيماً ، صور بعض أهواله زيادة في عظمه فقال : { السماء } أي على عظمها وعلوها وشدة إحكامها . ولما كان المراد الجنس الشامل للكل ذكر فقال : { منفطر } أي منشق متزايل من هيبة الرب تزايل المتفرط من السلك ، ولو أنث لكان ظاهراً في واحدة من السماوات ، وفي اختيار التذكير أيضاً لطيفة أخرى ، وهي إفهام الشدة الزائدة في الهول المؤدي إلى انفطاره ما هو في غاية الشدة لأن الذكر في كل شيء أشد من الأنثى ، وذلك كله تهويلاً لليوم المذكور { به } أي بشدة ذلك اليوم وباؤه للآلة ، ويجوز كونها بمعنى " فيه " أي يحصل فيه التفطر والتشقق بالغمام ونزول الملائكة وغير ذلك من التساقط والوهي على شدة وثاقتها فما ظنك بغيرها . ولما كان هذا عظيماً ، استأنف بيان هوانه بالنسبة إلى عظمته سبحانه وتعالى فقال : { كان } أي على كل حال وبكل اعتبار { وعده } أي وعد الله الذي تقدم ذكره في مظاهر العظمة ، فالإضافة للمصدر على الفاعل { مفعولاً * } أي سهلاً مفروغاً منه في أي شيء كان ، فكيف إذا كان بهذا اليوم الذي هو محط الحكمة ، أو الضمير لليوم فالإضافة إلى المفعول ، إشارة إلى أن الوعد الواقع به وفيه لا بد منه ، ومعلوم أنه لا يكون إلا من الله . ولما كان ما مضى من هذه السورة من الأحكام والترغيب والترهيب مرشداً إلى معالي الأخلاق منقذاً من كل سوء ، قال مستأنفاً مؤكداً تنبيهاً على عظمها وأنها مما ينبغي التنبيه عليه : { إن هذه } أي القطعة المتقدمة من هذه السورة { تذكرة } أي تذكير عظيم هو أهل لأن يتعظ به المتعظ ويعتبر به المعتبر ، ولا سيما ما ذكر فيها بأهل الكفر من أنواع العقاب . ولما كان سبحانه قد جعل للإنسان عقلاً يدرك به الحسن والقبيح ، واختياراً يتمكن به من اتباع ما يريد فلم يبق له مانع من جهة اختيار الأصلح والأحسن إلا قسر المشيئة التي لا اطلاع له عليها ولا حيلة له فيها ، سبب عن ذلك قوله : { فمن شاء } أي التذكر للاتعاظ { اتخذ } أي أخذ بغاية جهده { إلى ربه } أي خاصة ، لا إلى غيره { سبيلاً * } أي طريقاً يسلبه حظوظه لكونه لا لبس فيه ، فيسلك على وفق ما جاءه من التذكرة ، وذلك الاعتصام حال السير بالكتاب والسنة على وفق ما اجتمعت عليه الأمة ، ومتى زاغ عن ذلك هلك .