Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 18-22)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان الزنجبيل عندنا شجراً يحتاج في تناوله إلى علاج ، أبان أنه هناك عين لا يحتاج في صيرورته زنجبيلاً إلى أن تحيله الأرض بتخميره فيها حتى يصير شجراً ليتحول عن طعم الماء إلى طعم الزنجبيل خرقاً للعوائد فقال : { عيناً فيها } أي الجنة يمزج فيها شرابهم كما يمزج بالماء . ولما كان الزنجبيل يلذع الحق فتصعب إساغته قال : { تسمى } أي لسهولة إساغتها ولذة طعمها وسمو وصفها { سلسبيلاً } والسلسبيل والسلسل والسلسال ما كان من الشراب غاية في السلاسة ، زيدت فيه الباء دلالة على المبالغة في هذا المعنى ، قالوا : وشراب الجنة في برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك من غير لذع . ولما ذكر المطوف به لأنه الغاية المقصودة ، وصف الطائف لما في طوافه من العظمة المشهودة تصويراً لما هم فيه من الملك بعد ما نجوا منه من الهلك : { ويطوف عليهم } أي بالشراب وغيره من الملاذ والمحاب { ولدان } أي غلمان هم في سن من هو دون البلوغ " أقل أهل الجنة من يخدمه ألف غلام " { مخلدون } أي قد حكم من لا يرد حكمه بأن يكونوا كذلك دائماً من غير غلة ولا ارتفاع عن ذلك الحد مع أنهم مزينون بالخلد وهو الحلق والأساور والقرطة والملابس الحسنة { إذ رأيتهم } أي يا أعلى الخلق صلى الله عليه وسلم وأنت أثبت الناس نظراً أو أيها الرائي من كان في أي حالة رأيتهم فيها { حسبتهم } من بياضهم وصفاء ألوانهم ولمع أنوارهم وانعكاس شعاع بعضهم إلى بعض وانبثاثهم في المجالس ذهاباً وإياباً { لؤلؤاً منثوراً * } وذلك كناية عن كثرتهم وانتشارهم في الخدمة وشرفهم وحسنهم ؛ وعن بعضهم أن لؤلؤ الجنة في غاية الكبر والعظمة واختلاف الأشكال ، وكأنه عبر بالحسبان إشارة إلى أن ذلك مطلق تجويز لا مع ترجيح ، قال بعض المفسرين : هم غلمان ينشئهم الله لخدمة المؤمنين . وقال بعضهم : هم أطفال المشركين لأنهم ماتوا على الفطرة ، وقال ابن برجان : وأرى والله أعلم أنهم من علم الله سبحانه وتعالى إيمانه من أولاد الكفار يكونون خدماً لأهل الجنة كما كانوا لهم في الدنيا سبياً وخداماً ، وأما أولاد المؤمنين فيلحقون بآبائهم سناً وملكاً سروراً لهم ، ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم في ابنه إبراهيم عليه الصلاة والسلام " إن له لظئراً يتم رضاعه في الجنة " فإنه يدل على استقبال شأنه فيما هنالك وتنقله في الأحوال كالدنيا ، ولا دليل على خصوصيته بذلك . ولما ذكر المخدوم والخدم شرع في ذكر المكان فقال : { وإذا رأيت } أي أجلت بصرك ، وحذف مفعوله ليشيع ويعم { ثم } أي هناك في أي مكان كان وأي شيء كان { رأيت نعيماً } أي ليس فيه كدر بوجه من الوجوه ، ولما كان النعيم قد يكون في حالة وسطى قال : { وملكاً كبيراً * } أي لم يخطر على بال مما هو فيه من السعة وكثرة الموجود والعظمة أدناهم وما فيهم دني الذي ينظر في ملكه مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه ومهما أراده كان . ولما ذكر الدار وساكنيها من مخدوم وخدم ، ذكر لباسهم بانياً حالاً من الفاعل والمفعول : { عليهم } أي حال كون الخادم والمخدوم يعلو أجسامهم على سبيل الدوام ، وسكن نافع وحمزة الياء على أنه مبتدأ وخبر شارح للملك على سبيل الاستئناف { ثياب سندس } وهو ما رق من الحرير { خضر } رفعه الجماعة صفة لثياب ، وجره ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم صفة لسندس حملاً على المعنى فإنه اسم جنس { وإستبرق } وهو ما غلظ من الديباج يعمل بالذهب ، أو هو ثياب حرير صفاق نحو الديباج - قاله في القاموس ، رفعه ابن كثير ونافع وعاصم نسقاً على ثياب ، وجره الباقون على سندس . ولما كان المقصود لأرباب اللباس الفاخر الحلية ، أخبر عن تحليتهم ، وبني الفعل للمفعول دلالة على تيسر ذلك لهم وسهولته عليهم فقال : { وحلّوا } أي وجدت تحلية المخدومين والخدم { أساور من فضة } وإن كانت تتفاوت بتفاوت الرتب ، وتقدم سر تخصيص هذه السورة بالفضة والأساورة بجمع ما فيها من لذة الزينة لذة اتساع الملك فإنها كناية عنه فإنه - كما قال الملوي - كان في الزمن القديم إذا ملك ملك أقاليم عظيمة كثيرة لبس سواراً وسمي الملك المسور لاتساع مملكته وعظمتها وكثرة أقاليمها ، وإن لم تجمع أقاليم لم يسور فما ظنك بمن أعطى من ذلك جمع الكثرة ، وهي بالغة من الأعضاء ما يبلغ التحجيل في الوضوء كما قال صلى الله عليه وسلم : " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " فلذا كان أبو هريرة رضي الله عنه يرفع الماء إلى المنكبين وإلى الساقين . ولما كان ربما ظن بما تقدم من ذلك الممزوج شيء من نقص لأجله يمزج كما هو في الدنيا ، وكان قد قال أولاً { يشربون } بالبناء للفاعل ، وثانياً ( يسقون ) بالبناء للمفعول ، قال بانياً للفاعل بياناً لفضل ما يسقونه في نفسه وفي كونه من عند الإله الأعظم المتصف بغاية الإحسان على صفة من العظمة تليق بإحسانه سبحانه بما أفاده إسناد الفعل إليه : { وسقاهم } وعبر بصفة الإحسان تأكيداً لذلك فقال : { ربهم } أي الموجد لهم المحسن إليهم المدبر لمصالحهم { شراباً طهوراً * } أي ليس هو كشراب الدنيا سواء كان من الخمر أو من الماء أو من غيرهما ، بل هو بالغ الطهارة والوصف بالشرابية من العذوبة واللذة واللطافة ، وهو مع ذلك آلة للتطهير البالغ للغير فلا يبقى في بواطنهم غش ولا وسواس ، ولا يريدون إلا ما يرضي مليكهم مما أسس على غاية الحكمة وفاق كامل وسجايا مطهرة وأخلاق مصطفاة لا عوج فيها ، ولا يستحيل شيء من شرابهم إلى نجاسة من بول ولا غيره ، بل يصير رشحاً كرشح المسك ويعطي الرجل شهوة مائة رجل في الأكل وغيره ، فإذا أكل شرب فطهر باطنه ورشح منه المسك فعادت الشهوة ، بل الحديث يدل على أن شهوتهم لا تنقضي أصلاً فإنه قال : " يجد لآخر لقمة من اللذة ما يجد لأولها " يفعل بهم هذا سبحانه قائلاً لهم مؤكداً تسكيناً لقلوبهم لئلا يظنون أن ما هم فيه على وجه الضيافة ونحوها فيظنوا انقطاعه { إن هذا } أي الذي تقدم من الثواب كله { كان } أي كوناً ثابتاً { لكم } بتكويني إياه من قبل موتكم { جزاء } أي على أعمالكم التي كنتم تجاهدون فيها أنفسكم عن هواها إلى ما يرضي ربكم فكنتم كلما عملتم عملاً كونت من هذا ما هو جزاء له { وكان } أي على وجه الثبات { سعيكم } ولما كان المقصود القبول لأن القابل الشاكر هو المعمول له ، بني للمفعول قوله : { مشكوراً * } أي لا يضيع شيئاً منه ويجازى بأكثر منه أضعافاً مضاعفة .