Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 10-16)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما ذكر النوم ، اتبعه وقته الأليق به مذكراً بنعمة الظرف الزماني بعد التذكير بالظرف المكاني ، فقال دالاً بمظهر العظمة على عظمه : { وجعلنا الّيل } أي بعد ذهاب الضياء حتى كأنه لم يكن { لباساً * } أي غطاء وغشاء ساتراً بظلمته ما أتى عليه عن العيون كما يستره اللباس لتسكنوا فيه عن المعاش { وجعلنا النهار } أي الذي آيته الشمس { معاشاً * } أي وقتاً للتقلب الذي هو من أسباب التحصيل الذي هو من أسباب المعاش ، وهو العيش ووقته وموضعه ، مظهراً لما ستره الليل ، فالآية من الاحتباك : ذكر اللباس أولاً دليلاً على حذف ضده ثانياً والمعاش ثايناً دليلاً على حذف ضده أولاً . ولما ذكر المهاد وما فيه ، أتبعه السقف الذي بدورانه يكون الوقت الزمان وما يحويه من القناديل الزاهرة والمنافع الظاهرة لإحياء المهاد ومن فيه من العباد فقال : { وبنينا } أي بناء عظيماً { فوقكم } أي عاماً لجميع جهة الفوق ، وهي عبارة تدل على الإحاطة { سبعاً } أي من السماوات { شداداً * } أي هي في غاية القوة والإحكام ، لا صدع فيها ولا فتق ، لا يؤثر فيها كر العصور ولا مر الدهور ، حتى يأتي أمر الله بإظهار عظائم المقدور . ولما ذكر السقف : ذكر بعض ما فيه من أمهات المنافع فقال دالا بمظهر العظمة على عظمها : { وجعلنا } أي مما لا يقدر عليه غيرنا { سراجاً } أي نجماً منيراً جداً { وهاجاً * } أي هو مع تلألئه وشدة ضيائه حار مضطرم الاتقاد وهو الشمس ، من قولهم : وهج الجوهر : تلألأ ، والجمر : اتقد . ولما ذكر ما يمحق الرطوبة بحرارته ، أتبعه ما يطفىء الحرارة برطوبته وبرودته فينشأ عنه المأكل والمشرب ، التي بها تمام الحياة ويكون تولدها من الظرف بالمهاد والسقف ، وجعل ذلك أشبه شيء بما يتولد بين الزوجين من الأولاد ، فالسماء كالزوج والأرض كالمرأة ، والماء كالمني ، والنبات من النجم والشجر كالأولاد فقال : { وأنزلنا } أي مما يعجز غيرنا { من المعصرات } أي السحائب التي أثقلت بالماء فشارفت أن يعصرها الرياح فتمطر كما حصد الزرع - إذا حان له أن يحصد ، قال الفراء : المعصر ، السحابة التي تتحلى بالمطر ولا تمطر كالمرأة المعصرة وهي التي دنا حيضها ولم تحض ، وقال الرازي : السحائب التي دنت أن تمطر كالمعصرة التي دنت من الحيض { ماء ثجاجاً * } أي منصباً بكثرة يتبع بعضه بعضاً ، يقال : ثجه وثج بنفسه . ولما ذكر بدايته ، أتبعها نهايته فقال : { لنخرج } أي بعظمتنا التي ربطنا بها المسببات بالأسباب { به } أي الماء تسبيباً { حباً } أي نجماً ذا حب هو مقصوده لأنه يقتاته العباد ، صرح به لأنه المقصود وبدأ به لأنه القوت الذي به البقاء كالحنطة والشعير وغيرهما { ونباتاً * } يتفكهون ويتنزهون فيه وتعتلفه البهائم . ولما كان من المشاهد الذي لا يسوغ إنكاره أن في الأرض من البساتين ما يفوت الحصر ، عبر بجمع القلة تحقيراً له بالنسبة إلى باهر العظمة ونافذ الكلمة فقال : { وجنات } أي بساتين تجمع أنواع الأشجار والنبات المقتات وغيره { ألفافاً * } أي ملتفة الأشجار مجتمعة بعضها إلى بعض من شدة الري ، جمع لف كجذع ، قال البغوي : وقيل : هو جمع الجمع ، يقال : جنة لفاء ، وجمعها لف - بضم اللام ، وجمع الجمع ألفاف . وتضمن هذا الذي ذكره المياه النابعة الجارية والواقفة ، فاكتفى بذكره عن ذكرها ، قال مقاتل : وكل من هذا الذي ذكر أعجب من البعث .