Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 29-35)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان التقدير : فكل شيء جعلنا له وزاناً ، عطف عليه قوله : { وكل شيء } أي مطلقاً من أعمالهم وغيرها أو كل ما يقع عليه الحساب { أحصيناه } ولما كان الإحصاء موافقاً للكتابة في الضبط ، أكد فعله بها فقال : { كتاباً * } فلا جائز أن نترك شيئاً من الأشياء بغير جزاء ، ويمكن تنزيل الآية على الاحتباك وهو أحسن : دل فعل الإحصاء على حذف مصدره ، وإثبات مصدر " كتب " عليه أي أحصيناه إحصاء وكتبناه كتاباً ، وذلك الإحصاء والكتب لعدم الظلم . ولما ذكر عذابه ووجه موافقته لجزائهم ، سبب عن تكذيبهم ما يقال لهم بلسان الحال أو المقال إهانة وزيادة في الجزاء على طريق الالتفات المؤذن بشدة الخزي والغضب عليهم وكمال القدرة له سبحانه وتعالى فقال : ويجوز أن يكون سبباً عن مقدر بعد " كتاباً " نحو : ليجازيهم على كل شيء منه ، قائلاً لهم على لسان الملائكة أو لسان الحال : { فذوقوا } أي من هذا العذاب في هذا الحال بسبب تكذيبكم بالحساب ، وأكد ذوقهم في الاستقبال فقال : { فلن نزيدكم } أي شيئاً من الأشياء في وقت من الأوقات { إلا عذاباً * } فإن داركم ليس بها إلا الجحيم كما أن الجنة ليس بها إلا النعيم ، فأفهم هذا أن حصول شيء لهم غير العذاب محال . ولما ذكر جزاء الكافرين وأشعر آخره بكونه إخزاء ، ذكر جزاء المؤمنين المخالفين لهم فقال مستأنفاً مؤكداً لتكذيب الكافرين به : { إن للمتقين } أي الراسخين في الخوف المقتضي لاتخاذ الوقاية مما يخاف فوقوا أنفسهم من سخط الله بما يرضيه من الأعمال والأقوال والأحوال { مفازاً } أي فوزاً وموضع فوز وزمان فوز بالراحة الدائمة من جميع ما مضى ذكره للطاغين الذين هم أضدادهم ، وقد كشفوا أنفسهم للعذاب كل الكشف ، ثم فسره أو أبدل منه على حذف مضاف أي فوز : { حدائق } أي بساتين فيها أنواع الأشجار ذوات الثمار والرياحين لتجمع مع لذة المطعم لذة البصر والشم ، قد أحدقت بها الجدران وحوطت بها ، قال ابن جرير : فإن لم تكن بحيطان محدقة بها لم يقل لها حديقة . وخص أشجار العنب لطيبها وحسنها وشرفها وما فيها من لذة الذوق وعبر عن أشجارها بثمرتها إعلاماً بأنها لا توجد إلا موقرة حملاً وأن ثمرتها هي جل منفعتها فقال : { وأعناباً * } . ولما ذكر المساكن النزهة المؤنقة المعجبة ، ذكر ما يتمتع به وهو جامع لألذاذ الحواس : البصر واللمس والذوق فقال : { وكواعب } أي نساء كعبت ثديهن { أتراباً * } أي على سن واحد من مس جلد واحد التراب قبل الأخرى ، بل لو كن مولودات لكانت ولادتهن في آن واحد . ولما ذكر النساء ذكر الملائم لعشرتهن فقال : { وكاساً } أي من الخبر التي لا مثل لها في لذة الذوق ظاهراً وباطناً وكمال السرور وإنعاش القوى . ولما كانت العادة جارية بأن الشراب الجيد يكون قليلاً ، دل على كثرته دليلاً على جودته بقوله : { دهاقاً * } أي ممتلئة . ولما كانت مجالس الخمر في الدنيا ممتلئة بما ينغصها من اللغو والكذب إلا عند من لا مروءة له فلا ينغصه القبيح ، قال نافياً عنها ما يكدر لذة السمع : { لا يسمعون فيها } أي الجنة في وقت ما { لغواً } أي لغطاً يستحق أن يلغى لأنه ليس له معنىً أعم من أن يكون مهملاً ليس له معنى أصلاً ، أو مستعملاً ليس له معنىً موجود في الخارج وإن قل ، أو له معنى ولكنه لا يترتب به كبير فائدة . ولما انتفى الكذب بهذه الطريقة ، وكان التكذيب أذى للمكذب ، نفاه بقوله : { ولا كذباً * } فإن هذه الصيغة تقال على التكذيب ومطلق الكذب ، فصار المعنى : ولا أذىً بمعارضة في القول ، مع موافقة قراءة الكسائي بالتخفيف فإن معناها كذباً أو مكاذبة ، وشدد في قراءة الجماعة لرشاقة اللفظ وموازنة " أعناباً وأتراباً " مع الإصابة لحلق المعنى من غير أدنى جور عن القصد ولا تكلف بوجه ما .