Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 80, Ayat: 28-32)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما كان الحب قوتاً فبدأ به لأنه الأصل في القوام ، عطف عليه ما هو فاكهة وقوت فقال : { وعنباً } هو فاكهة في حال عنبيته وقوت باتخاذه زبيباً ودبساً وخلاً . ولما كان لذلك في بيان عجائب الصنع ليدل على القدرة على كل شيء فيدل على القدرة على البعث فذكر ما إن أخذ من منبته قبل بلوغه فسد ، وإن ترك اشتد وصلح للادخار ، واتبعه ما إن ترك على أصله فسد ، وإن أخذ وعولج - صلح للادخار ، أتبعه ما لا يصلح للادخار بوجه فقال : { وقضباً * } وهو الرطب من البقل وغيره ، وهو يزيد على الماضيين بأنه فيه ما هو دواء نافع وسم ناقع ، وبأنه يقطع مرة بعد أخرى فيخلف ، سمي بمصدر قضبه - إذا قطعه بحصد أو قلع . ولما ذكر ما لا يصلح أن يؤكل إلاّ رطباً من غير تأخير ، أتبعه ما لا يفسد بحال لا على أمه ولا بعد القطاف ويصلح بعد القطاف فيؤكل أو يعصر ، فيكون له دهن للاستصباح والإدهان والائتدام ، وفيه تقوية للعظام والأعصاب ولا يفسده الماء بوجه كما أن العنب يعصر فيكون منه دبس وخل وغيرهما ، ومتى خالطه الماء فسد ، فقال : { وزيتوناً } يكون فيه مع ما مضى حرافة وغضاضة فيها إصلاح المزاج . ولما ذكر ما لا يفسد وشجره يصبر على البرد ، أتبعه ما هو كالعنب يؤكل على أمه ويقطع فيدخر ، فهو جامع بين التحلي والتحمض بالخل والتفكه والتقوي والتداوي للسم الناقع والسحر الصارع من عجوة المدينة الشريفة وغير ذلك من ثمرة وشجرة ، ولا يصبر شجره على البرد فقال : { ونخلاً * } وكل من هذه الأشجار مخالف للآخر في الشكل والحمل وغير ذلك مع الموافقة في الأرض والسقي . ولما ذكر هذه الأشياء من الأقوات والفواكه لكثرة منافعها ، وكانت البساتين تجمعها وغيرها مع ما لها من بهجة العين وسرور النفس وبسط الخاطر وشرح القلب قال : { وحدائق } جمع حديقة وهي الروضة ذات النخل والشجر ، أو كل ما أحاط به البناء وهي تجمع ذلك كله { غلباً * } جمع غلباء - بفتح الغين والمد ، وهي الحديقة ذات أشجار كثيرة عظام غلاظ طوال ملتفة الأغصان متكاثرة ، مستعار من وصف الرقاب ، يقال : غلب فلان - كفرح أي غلظ عنقه ، والغلباء أيضاً من القبائل العزيزة الممتنعة ، ومن الهضاب المشرفة . ولما ذكر ما يتفكه ويدخر جمع فقال : { وفاكهة } أي ثمرة رطبة يتفكه بها كالخوخ والعنب والتين والتفاح والكمثرى والبرقوق مما يمكن أن يصلح فيدخر ومما لا يمكن . ولما ذكر فاكهة الناس ، ذكر فاكهة بقية الحيوان فقال : { وأبّاً * } أي ومرعىً ونباتاً وعشباً وكلأ ما دام رطباً يقصد ، من أب الشيء - إذا أمه . ولما جمع ما يقتات وما يتفكه ، فدل دلالة واضحة على تمام القدرة ، ذكر بالنعمة فيه قارعاً بأسلوب الخطاب لتعميم الأفراد بعد سياق العتاب للتصريح بأن الكل عاجزون عن الوفاء بالشكر فكيف إذا انضم إليه الكفر فقال : { متاعاً } وهو منصوب على الحال . ولما ذكر ما يأكله الناس وما يعلف للدواب ، وكان السياق هنا لطعام الإنسان ، قال مقدماً ضميرهم : { لكم ولأنعامكم * } بخلاف ما في السجدة وقد مضى ، والأنعام بها يكون تمام الصلاح للإنسان بما له فيها من النعم بالركوب والأكل والشرب والكسوة والجمال وسائر المنافع ، وذكر هذا ذكراً ظاهراً مشيراً إلى المعادن لأن منها ما لا يتم ما مضى إلا به ، وهي آلات الزرع والحصد والطبخ والعجن وغير ذلك ، والملائكة المدبرة لما صرفها الله فيه من ذلك ، فدل ذلك على أن الوجود كله خلق لأجل منافع الإنسان ليشكر لا ليكفر ، ودلت القدرة على ذلك قطعاً على القدرة على البعث .