Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 82, Ayat: 17-19)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما علم أن الوعيد الأعظم يوم الدين ، هول أمره بالسؤال عنه إعلاماً بأنه أهل لأن يصرف العمر إلى الاعتناء بأمره والسؤال عن حقيقة حاله سؤال إيمان وإذعان لا سؤال كفران وطغيان ، ليكون أقعد في الوعيد به فقال : { وما أدراك } أي أعلمك وإن اجتهدت في طلب الدراية به { ما يوم الدين * } أي أيّ شيء هو في طوله وأهواله وفظاعته وزلزاله . ولما كانت أهواله زائدة على الحد ، كرر ذلك السؤال لذلك الحال فقال معبراً بأداة التراخي زيادة في التهويل : { ثم ما أدراك } أي كذلك { ما يوم الدين * } . ولما بين أنه من العظمة بحيث لا تدركه دراية دار وإن عظم وإن اجتهد ، لخص أمره في شرح ما يحتمله العقول منه على سبيل الإجمال دافعاً ما قد يقوله بعض من لا عقل له : إن كان انضممت والتجأت إلى بعض الأكابر وقصدت بعض الأماثل فأخلص قهراً أو بشفاعة ونحوها ، فقال مبدلاً من " يوم الدين " في قراءة ابن كثير والبصريين بالرفع : { يوم } وهو ظرف ، قال الكسائي : العرب تؤثر الرفع إذا أضافوا الليل واليوم إلى مستقبل ، وإذا أضافوا إلى فعل ماض آثروا النصب { لا تملك } أي بوجه من الوجوه في وقت ما { نفس } أيّ نفس كانت من غير استثناء ، ونصبه الباقون على الظرف ، ويجوز أن تكون الفتحة للبناء لإضافته إلى غير متمكن { لنفس شيئاً } أي قل أو جل ، وهذا وإن كان اليوم ثابتاً لكنه في هذه الدار بطن سبحانه في الأسباب ، فتقرر في النفوس أن الموجودين يضرون وينفعون لأنهم يتكلمون ويبطشون ، وأما هناك فالمقرر في النفوس خلاف ذلك من أنه لا يتكلم أحد إلا بإذنه إذناً ظاهراً ، ولا يكون لأحد فعل ما إلا بإذنه كذلك ، فالأمر كله له دائماً ، لكن اسمه الظاهر هناك ظاهر واسمه الباطن هذا مقرر لموجبات الغرور . ولما كان التقدير : فلا أمر لأحد من الخلق أصلاً ، لا ظاهراً ولا باطناً ، عطف عليه قوله : { والأمر } أي كله { يومئذ } أي إذ كان البعث للجزاء { لله * } أي مختص به لا يشاركه فيه مشارك ظاهراً كما أنه لا يشاركه فيه باطناً ، ويحصل هناك الكشف الكلي فلا يدعي أحد لأحد أمراً من الأمور بغير إذن ظاهر خاص ، وتصير المعارف بذلك ضرورية ، فلذلك كان الانفطار والزلازل الكبار ، والإحصاء لجميع الأعمال الصغار والكبار ، وقد رجع أخرها كما ترى إلى أولها ، والتف مفصلها بموصلها - والله الهادي للصواب .