Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 8-11)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما كان هذا الفعل العظيم لا يكون من عاقل إلا لسبب يليق به ، بين أنه إنما هو لسبب يبعد منه ، فقال على طريقة : @ ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب @@ { وما نقموا } أي أنكروا وكرهوا { منهم } من الحالات وكان ديناً لهم ونقصاً فيهم { إلا أن يؤمنوا } أي يجددوا الإيمان مستمرين عليه { بالله } أي الملك الأعلى الذي له جميع صفات الكمال . ولما كان ربما أوهم ترك معالجته سبحانه لهم لكونهم يعذبون من آمن به لأجل الإيمان به ما لا يليق ، نفى ذلك بقوله واصفاً له بما يحقق وجوب العبادة له وتفرده بها : { العزيز } أي الذي يغلب من أراد ولا يغلبه شيء ، فلا يظن إمكانه من أهل ولايته لعجز ، بل هو يبتليهم ليعظم أجورهم ويعظم عقاب أعدائهم ويعظم الانتقام منهم { الحميد * } أي المحيط بجميع صفات الكمال ، فهو يثيب من أصيب فيه أعظم ثواب ، وينتقم ممن آذاه بأشد العذاب ، وقرر ذلك بقوله : { الذي له } أي خاصة { ملك السماوات والأرض } أي على جهة العموم مطلقاً ، فكل ما فيهما جدير بأن يعبده وحده ولا يشرك به شيئاً . ولما قدم سبحانه التحذير بالشاهد والمشهود ، وأن الكافرين شهود على أنفسهم ، زاد في التحذير بأنه سبحانه أعظم شهيد في ذلك اليوم وغيره فهو لا يحتاج إلى غيره ، ولكنه أجرى ذلك على ما نتعارفه فقال : { والله } أي الملك الأعظم الذي له الإحاطة الكاملة { على كل شيء } أي هذا الفعل وغيره { شهيد * } أي أتم شهادة لا يغيب عنه شيء أصلاً ، ولا يكون شيء ولا يبقى إلا بتدبيره ، ومن هو بهذه الصفات العظيمة لا يهمل أولياءه أصلاً ، بل لا بد أن ينتقم لهم من أعدائه ويعليهم بعلائه ، ولذلك قال مستأنفاً جواباً لمن يقول : فما فعل بهم ؟ مؤكداً لإنكار الكفار ذلك : { إن الذين فتنوا } أي خالطوا من الأذى بما لا تحتمله القوى فلا بد أن يميل أو يحيل في أي زمان كان ومن أي قوم كانوا { المؤمنين والمؤمنات } أي ذوي الرسوخ في وصف الإيمان . ولما كانت التوبة مقبولة قبل الغرغرة ولو طال الزمان ، عبر بأداة التراخي فقال : { ثم لم يتوبوا } أي عن ذنوبهم وكفرهم . ولما كان سبحانه لا يعذب أحداً إلا بسبب ، سبب عن ذنبهم وعدم توبتهم قوله : { فلهم } أي خاصة لأجل كفرهم { عذاب جهنم } أي الطبقة التي تلقى داخلها بغاية الكراهة والتجهم ، هذا في الآخرة { ولهم } أي مع ذلك في الدارين لأجل فتنتهم لأولياء الله { عذاب الحريق * } أي العذاب الذي من شأنه المبالغة في الإحراق بما أحرقوا من قلوب الأولياء ، وقد صدق سبحانه قوله هذا فيمن كذب النبي صلى الله عليه وسلم بإهلاكهم شر إهلاك مغلوبين مقهورين مع أنهم كانوا قاطعين بأنهم غالبون كما فعل بمن كان قبلهم ، فدل ذلك على أنه على كل شيء قدير ، فدل على أنه يبدىء ويعيد . ولما ذكر عقاب المعاندين بادئاً به لأن المقام له ، أتبعه ثواب العابدين ، فقال مؤكداً لما لأعدائهم من إنكار ذلك : { إن الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان ولو على أدنى الوجوه من المقذوفين في النار وغيرهم من كل طائفة في كل زمان { وعملوا الصالحات } تصديقاً لإيمانهم وتحقيقاً له . ولما كان الله سبحانه من رحمته قد تغمد أولياءه بعنايته ولم يكلهم إلى أعمالهم لم يجعلها سبب سعادتهم فلم يقرن بالفاء قوله : { لهم } أي جزاء مقاساتهم لنيران الدنيا من نار الأخدود الحسية التي ذكرت ، ومن نيران الغموم والأحزان المعنوية التي يكون المباشر لأسبابها غيره سبحانه فيكون المقاسي لها مع حفظه للدين كالقابض على الجمر { جنّات } أي فضلاً منه { تجري } وقرب منالها بالجار فقال : { من تحتها } أي تحت غرفها وأسرتها وجميع أماكنها { الأنهار } يتلذذون ببردها في نظير ذلك الحر الذي صبروا عليه في الدنيا ويروقهم النظر إليها مع خضرة الجنان والوجوه الحسان الجالبة للسرور الجالية للأحزان . ولما ذكر هذا الذي يسر النفوس ويذهب البؤس ، فذلكه بقوله : { ذلك } أي الأمر العالي الدرجة العظيم البركة { الفوز } أي الظفر بجميع المطالب لا غيره { الكبير * } كبراً لا تفهمون منه أكثر من ذكره بهذا الوصف على سبيل الإجمال ، وذلك أن من كبره أن هذا الوجود كله يصغر عن أصغر شيء منه .