Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 123-125)
Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ولما علمت المقاصد وتهيأت القلوب لقبول الفوائد ، وأمر بالإنذار بالفقه ، وكان من الناس من لا يرجع إلا بشديد البأس ، أقبل على الكل مخاطباً لهم بأدنى أسنان القلوب ليتوجه إلى الأدنى ويتناول الأعلى منه من باب الأولى فقال : { يا أيها الذين آمنوا } أي ادَّعوا بألسنتهم الإيمان { قاتلوا } أي تصديقاً لدعواكم ذلك { الذين يلونكم } أي يقربون منكم { من الكفار } فالذين يلونهم إن لم تروا غيره أصلح لمعنى يعرض لما في ذلك من حسن الترتيب ومقتضى الحكمة ولأن الجهاد معروف وإحسان ، والأقربون أولى بالمعروف ، ولتبعدوا العدو عن بلادكم فيكثر صلاحهم ويقل فسادكم وتكونوا قد جمعتم بالتفقه والقتال بين الجهادين : جهاد الحجة وجهاد السيف مع الاحتراس بهذا الترتيب من أن يبقى وراءكم إذا قاتلتم من تخشون كيده . ولما كانت الملاينة أولى بالمسالمة ، والمخاشنة أولى بالمصارمة ، قال : { وليجدوا } من الوجدان { فيكم غلظة } أي شدة وحمية لأن ذلك أهيب في صدورهم . وأكف عن فجورهم ، وحقيقة الغلطة في الأجسام ، استعيرت هنا للشدة في الحرب ، وهي تجمع الجراءة والصبر على القتال وشدة العدواة ، فإذا فعلوا ذلك كانوا جامعين بين جهاد الحجة والسيف كما قيل : @ من لا يعدله القرآن كان له من الصغار وبيض الهند تعديل @@ نبه على ذلك أبو حيان . ولما كان التقدير : وليكن كل ذلك مع التقوى لا بسبب مال ولا جاه فإنها ملاك الأمر كله ، قال منبهاً على ذلك بقوله : { واعلموا أن الله } أي الذي له الكمال كله { مع المتقين * } فلا تخافوا أن يؤدي شيء من مصاحبتها إلى وهن فإن العبرة بمن كان الله معه . ولما ذكر هذه السورة أي الطائفة الحاضة بصيغة " لولا " على النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الآمرة بجهاد الكفار والغلظة عليهم ، وكان لا يحمل على ذلك إلا ما أشار إليه ختم الآية السالفة من التقوى بتجديد الإيمان كلما نزل شيء من القرآن ، وكان قد ذكر سبحانه المخالفين لأمر الجهاد بالتخلف دون أمر الإيمان حين قال { وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين } التفت إلى ذلك ليذكر القسم الآخر وهو القاعد عن الإيمان فقال : { وإذا } وأكد بزيادة النافي تنبيهاً على فضل الإيمان فقال : { ما } . ولما كان المنكي لهم مطلق النزول ، بني للمفعول قوله : { أنزلت سورة } أي قطعة من القرآن ، أي في معنى من المعاني { فمنهم } أي من المنزل إليهم { من يقول } أي إنكاراً واستهزاء ، وهم المنافقون { أيكم } أي أيها العصابة المنافقة { زادته هذه إيماناً } إيهاماً لأنهم متصفون بأصل الإيمان ، لأن الزيادة ضم الشيء إلى غيره مما يشاركه في صفته ، هذا ما يظهرون تستراً ، وأما حقيقة حالهم عند أمثالهم فالاستهزاء استبعاداً لكونها تزيد أحداً في حاله شيئاً ، وسبب شكهم واستفهامهم أن سامعيها انقسموا إلى قسمين : مؤمنين ومنافقين ، ولذلك أجاب تعالى بقوله مسبباً عن إنزالها : { فأما الذين آمنوا } أي أوقعوا الإيمان حقيقة لصحة أمزجة قلوبهم { فزادتهم } أي تلك السورة { إيماناً } أي بإيمانهم بها إلى ما كان لهم من الإيمان بغيرها وبتدبرها ورقة القلوب بها وفهم ما فيها من المعارف الموجبة لطمأنينة القلوب وثلج الصدور . ولما كان المراد بالإيمان الحقيقة وكانت الزيادة مفهمة لمزيد عليه ، استغنى عن أن يقول : إلى إيمانهم ، لذلك ولدلالة { الذين آمنوا } عليه { وهم يستبشرون * } أي يحصل لهم البشر بما زادتهم من الخير الباقي الذي لا يعدله شيء { وأما الذين } وبين أن أشرف ما فيهم مسكن الآفة فقال : { في قلوبهم مرض } فمنعهم الإيمان وأثبت لهم الكفران فلم يؤمنوا . ولما كان المراد بالمرض الفساد المعنوي المؤدي إلى خبث العقيدة ، عبر عنه بالرجس فقال : { فزادتهم رجساً } أي اضطراباً موجباً للشك ، وزاد الأمر بياناً بأن المراد المجاز بقوله : { إلى رجسهم } أي شكهم الذي كان في غيرها { وماتوا } أي واستمر بهم ذلك لتمكنه عندهم إلى أن ماتوا { وهم كافرون * } أي عريقون في الكفر ، وسمي الشك في الدين مرضاً لأنه فساد في الروح يحتاج إلى علاج كفساد البدن في الاحتياج ، ومرض القلب أعضل ، وعلاجه أعسر وأشكل ، ودواءه أعز وأطباؤه أقل . ولما زاد الكفار بالسورة رجساً من أجل كفرهم بها ، كانت كأنها هي التي زادتهم ، وحسن وصفها بذلك كما حسن : كفى بالسلامة داء ، وكما قال الشاعر : @ أرى بصري قد رابني بعد نصحه وحسبك داء أن تصح وتسلما @@ قاله الرماني ، فالمؤمنون يخبرون عن زيادة إيمانهم وهؤلاء يخبرون عن عدمه في وجدانهم ، فهذا موجب شكهم وتماديهم في غيهم وإفكهم ، ولو أنهم رجعوا إلى حاكم العقل لأزال شكهم وعرفهم صدق المؤمنين بالفرق بين حالتيهم ، فإن ظهور الثمرات مزيل للشبهات ، والآية من الاحتباك : إثبات الإيمان أولاً دليل على حذف ضده ثانياً ، وإثبات المرض ثانياً دليل على حذف الصحة أولاً .