Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 99-100)

Tafsir: Naẓm ad-durar fī tanāsub al-ayāt wa-s-suwar

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ولما افتتح الآية الثانية بقوله : { ومن الأعراب من يؤمن } أي لا يزال يجدد إيمانه آثار الدين { بالله واليوم الآخر } علم أن القسم الأول غير مؤمن بذلك ، وإنما وقع منهم الإقرار باللسان من غير إذعان ، والإيمان هو الأصل الذي يترتب عليه الإنفاق عن طيب نفس لما يرجى من ثوابه في اليوم الآخر الذي لولا هو انتفت الحكمة من هذا الخلق على هذا الترتيب : ثم عطف عليه ما يثمره الإيمان فقال : { ويتخذ } أي يحث نفسه ويجاهدها إن عرضت له الوساوس الشيطانية على أن يعد { ما ينفق } أي فيما أمر الله به { قربات } جمع قربة لما تقرب إليه سبحانه { عند الله } أي الذي لا أشرف من القرب منه لأنه الملك الأعظم { وصلوات } أي دعوات { الرسول } أي الذي وظيفته التبليغ فهو لا يقول لهم شيئاً إلا عن الله ، وأطلق القربة والصلاة على سببها . ولما أخبر عن أفعالهم ، أخبر عن عاقبتهم ومآلهم ؛ قال مستأنفاً محققاً لرجائهم ترغيباً في الصدقة بأبلغ تأكيد لما لأعدائهم من التكذيب : { ألا إنها } أي نفقاتهم { قربة لهم } أي كما أرادوا ؛ ثم بين ثمرة كونها قربة بقوله : { سيدخلهم الله } أي الذي له صفات الكمال بوعد لا خلف فيه { في رحمته } أي إكرامه فتكون محيطة بهم ثم علل ذلك بقوله معبراً بالاسم الأعظم تنبيهاً على أنه لا يسع الإنسان إلا العفو وإن أعظم الاجتهاد : { إن الله } أي الذي الذي لا يقدر أحد على أن يقدره حق قدره { غفور } أي بليغ الستر لقبائح من تاب { رحيم * } أي بليغ الإكرام ، ذلك وصف له ثابت ، يجلله كل من يستأهله . ولما ذكر القسم الصالح منهم وكانوا متفاوتين فمنهم السابق وأكثرهم التابع اللاحق ، أتبعه السابقين على وجه شامل حاصر لصنفي البادي والحاضر إشارة إلى أنه - وإن أجره - أصله فقد قدمه وصفه بحيث ساوى أهل الكمال في مطلق الانخراط في ملكهم والفوز بدرجتهم لإحسانه في اتباعهم ترغيباً لأهل القدرة والرحمة في اتباع أهل الرضوان والنعمة فقال : { والسابقون } ولما دل على سبقهم بالعلو في مراتبه دل على قديم دخولهم فيه فقال : { الأولون } أي إلى هذا الدين القيم { من المهاجرين } أي لدار الكفر فضلاً عن أهلها { والأنصار } أي الذين آووا ونصروا { والذين اتبعوهم } أي الفريقين { بإحسان } أي في اتباعهم فلم يحولوا عن شيء من طريقهم { رضي الله } أي الذي له الكمال كله { عنهم } أي بأفعالهم هذه التي هي وفق ما أمر به { ورضوا عنه } أي بما أتاهم عنه من البشرى وقذف في قلوبهم من النور بلطيف الوعظ والذكرى { وأعد لهم } أي جزاء على فعلهم { جنات تجري } ونبه على عموم ريّها وكثرة مائها بنزع الجار على قراءة الجماعة فقال : { تحتها الأنهار } أي هي كثيرة المياه . فكل موضع أردته نبع منه ماء فجرى منه نهر ؛ ولما كان المقصود من الماء إنما هو السهولة في إنباطه بقربه ويسر جريه وانبساطه أثبته ابن كثير دلالة على ذلك كسائر المواضع ، ولعل تخصيص هذا الموضع بالخلاف لأنه يخص هذه الأمة ، فلعلها تخص بجنة هي أعظم الجنان رياً وحسناً وزياً . ولما كان أعظم العيوب الانقطاع ، نفاه بقوله : { خالدين فيها } وأكد المراد من الخلود بقوله : { أبداً } ثم استأنف مدح هذا الذي أعده لهم بقوله : { ذلك } أي الأمر العالي المكانة خاصة { الفوز العظيم * } .