Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 17-20)

Tafsir: ad-Durr al-manṯūr fī at-tafsīr bi-l-maʾṯūr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والصابوني في المائتين عن ابن عباس قي قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } الآية . قال : هذا مثل ضربه الله للمنافقين ، كانوا يعتزون بالإِسلام ، فيناكحهم المسلمون ، ويوارثونهم ، ويقاسمونهم الفيء . فلما ماتوا سلبهم الله العز كما سلب صاحب النار ضوءه { وتركهم في ظلمات } يقول في عذاب { صم بكم عمي } لايسمعون الهدى ، ولا يبصرونه ، ولا يعقلونه { أو كصيب } هو المطر . ضرب مثله في القرآن { فيه ظلمات } يقول : ابتلاء { ورعد وبرق } تخويف { يكاد البرق يخطف أبصارهم } يقول : يكاد محكم القرآن يدل على عورات المنافقين { كلما أضاء لهم مشوا فيه } يقول : كلما أصاب المنافقون من الإِسلام عزاً اطمأنوا ، فإن أصاب الإِسلام نكبة قاموا ليرجعوا إلى الكفر كقوله { ومن الناس من يعبد الله على حرف … } [ الحج : 11 ] الآية . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود وناسٍ من الصحابة في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً … } الآية . قال : إن ناساً دخلوا في الإِسلام مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، ثم نافقوا ، فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة ، فأوقد ناراً فـ { أضاءت ما حوله } من قذى أو أذى ، فأبصره حتى عرف ما يتقي . فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره ، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى ، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك فأسلم ، فعرف الحلال من الحرام ، والخير من الشر ، بينا هو كذلك إذ كفر ، فصار لا يعرف الحلال من الحرام ، ولا الخير من الشر ، فهم { صم بكم } فهم الخرس { فهم لا يرجعون } إلى الإِسلام . وفي قوله { أو كصيب … } الآية . قال : كان رجلان من المنافقين من أهل المدينة هربا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين ، فأصابهما هذا المطر الذي ذكره الله . فيه رعد شديد ، وصواعق ، وبرق ، فجعلا كلما أصابتهما الصواعق يجعلان أصابعهما في آذانهما من الفرق ، أن تدخل الصواعق في مسامعهما فتقتلهما ، وإذا لمع البرق مشيا في ضوئه ، وإذا لم يلمع لم يبصرا . قاما مكانهما لا يمشيان ، فجعلا يقولان . ليتنا قد أصبحنا ، فنأتي محمداً فنضع أيدينا في يده ، فأصبحا فأتياه فأسلما ، ووضعا أيديهما في يده وحسن إسلامهما . فضرب الله شأن هذين المنافقين الخارجين ، مثلاً للمنافقين الذين بالمدينة ، وكان المنافقون إذا حضروا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا أصابعهم في آذانهم فرقاً من كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزل فيهم شيء ، أو يذكروا بشيء ، فيقتلوا كما كان ذانك المنافقان الخارجان يجعلان أصابعهما في آذانهما { كلما أضاء لهم مشوا فيه } فإذا كثرت أموالهم وولدهم ، وأصابوا غنيمة وفتحاً { مشوا فيه } وقالوا : إن دين محمد حينئذ صدق ، واستقاموا عليه كما كان ذانك المنافقان يمشيان إذا أضاء بهما البرق { وإذا أظلم عليهم قاموا } فكانوا إذا هلكت أموالهم وولدهم ، وأصابهم البلاء ، قالوا هذا من أجل دين محمد ، وارتدوا كفاراً ، كما كان ذانك المنافقان حين أظلم البرق عليهما . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن السدي . مثله . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله { كمثل الذي استوقد ناراً } قال : ضربه الله مثلاً للمنافق . وقوله { ذهب الله بنورهم } أما ( النور ) فهو إيمانهم الذي يتكلمون به ، وأما ( الظلمة ) فهي ضلالهم وكفرهم . وفي قوله { أو كصيب } الآية . قال ( الصيب ) المطر . وهو مثل المنافق في ضوء ما تكلم بما معه من كتاب الله ، وعمل مراءاة للناس ، فإذا خلا وحده عمل بغيره ، فهو في ظلمة ما أقام على ذلك ، وأما ( الظلمات ) فالضلالة ، وأما ( البرق ) فالإِيمان . وهم أهل الكتاب { وإذا أظلم عليهم } فهو رجل يأخذ بطرف الحق لا يستطيع أن يجاوزه . وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { مثلهم … } الآية . قال : ضرب الله مثلاً للمنافقين يبصرون الحق ويقولون به ، حتى إذا خرجوا من ظلمة الكفر أطفأوه بكفرهم ونفاقهم ، فتركهم في ظلمات الكفر لا يبصرون ، هدى ولا يستقيمون على حق { صم بكم عمي } عن الخير { فهم لا يرجعون } إلى هدى ، ولا إلى خير . وفي قوله { أو كصيب … } الآية . يقول : هم من ظلمات ما هم فيه من الكفر ، والحذر من القتل ، على الذي هم عليه من الخلاف والتخويف منكم ، على مثل ما وصف من الذي هو في ظلمة الصيب ، فجعل أصابعه في أذنيه من الصواعق { حذر الموت والله محيط بالكافرين } منزل ذلك بهم من النقمة { يكاد البرق يخطف أبصارهم } أي لشدة ضوء الحق { كلما أضاء لهم مشوا فيه } أي يعرفون الحق ويتكلمون به فهم من قولهم به استقامة ، فإذا ارتكسوا منه إلى الكفر { قاموا } أي متحيرين { ولو شاء الله لذهب بسمعهم } أي لما سمعوا ، تركوا من الحق بعد معرفته . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } قال : أما إضاءة النار فإقبالهم إلى المؤمنين والهدى ، وذهاب نورهم إقبالهم إلى الكافرين والضلالة ، وإضاءة البرق وإظلامه على نحو ذلك المثل { والله محيط بالكافرين } قال : جامعهم في جهنم . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله { مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً } قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق . إن المنافق تكلم بلا إله إلا الله فناكح بها المسلمين ، ووارث بها المسلمين ، وغازى بها المسلمين ، وحقن بها دمه وماله . فلما كان عند الموت لم يكن لها أصل في قلبه ، ولا حقيقة في عمله ، فسلبها المنافق عند الموت ، فترك في ظلمات وعمى يتسكع فيها . كما كان أعمى في الدنيا عن حق الله وطاعته صم عن الحق فلا يبصرونه { فهم لا يرجعون } عن ضلالتهم ، ولا يتوبون ولا يتذكرون { أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت } قال : هذا مثل ضربه الله للمنافق لجبنه ، لا يسمع صوتاً إلا ظن أنه قد أتي ، ولا يسمع صياحاً إلا ظن أنه قد أتي ، ولا يسمع صياحاً إلا ظن أنه ميت . أجبن قوم ، وأخذله للحق . وقال الله في آية أخرى { يحسبون كل صيحة عليهم } [ المنافقون : 4 ] { يكاد البرق يخطف أبصارهم } الآية . قال : { البرق } هو الإِسلام و ( الظلمة ) هو البلاء والفتنة . فإذا رأى المنافق من الإِسلام طمأنينة ، وعافية ، ورخاء ، وسلوة من عيش { قالوا : إنا معكم } ومنكم ، وإذا رأى من الإِسلام شدة ، وبلاء ، فقحقح عند الشدة فلا يصبر لبلائها ، ولم يحتسب أجرها ، ولم يرج عاقبتها . إنما هو صاحب دنيا لها يغضب ، ولها يرضى ، وهو كما هو نعته الله . واخرج ابن وكيع وعبد بن حميد وأبو يعلى في مسنده وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة من طرق عن ابن عباس في قوله { أو كصيب من السماء } قال : المطر . وأخرج ابن جرير عن مجاهد والربيع وعطاء . مثله . وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إنما الصيب من ههنا . وأشار بيده إلى السماء " . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { يكاد البرق } قال : يلتمع { يخطف أبصارهم } ولما يخطف . وكل شيء في القرآن ( كاد ، وأكاد ، وكادوا ) فإنه لا يكون أبداً . وأخرج وكيع عن المبارك بن فضالة قال : سمعت الحسين يقرأها { يكاد البرق يخطف أبصارهم } .