Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 32-44)
Tafsir: ad-Durr al-manṯūr fī at-tafsīr bi-l-maʾṯūr
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري } قال : جمعت رؤوس مملكتها ، فشاورتهم في أمرها ، فاجتمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه . فسارت حتى إذا كانت قريبة قالت : أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله ، وإن ردها تابعته فهو نبي . فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم ، فأمر الشياطين فهيئوا له ألف قصر من ذهب وفضة . فلما رأت رسلها قصور ذهب قالوا : ما يصنع هذا بهديتنا ، وقصوره ذهب وفضة ! فلما دخلوا بهديتها قال : أتهدونني بمال ، ثم قال سليمان { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } فقال كاتب سليمان : ارفع بصرك ؛ فرفع بصره . فلما رجع إليه طرفه إذا هو بسريرها { قال نكروا لها عرشها } فنزع عنه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فقيل لها { أهكذا عرشك ؟ قالت كأنه هو } وأمر الشياطين : فجعلوا لها صرحاً من قوارير ممرداً ، وجعل فيها تماثيل السمك فقيل لها { ادخلي الصرح … وكشفت عن ساقيها } فإذا فيها الشعر . فعند ذلك أمر بصنعة النورة فقيل لها { إنه صرح ممرد من قوارير ، قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { أفتوني في أمري } تقول : أشيروا علي برأيكم { ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون } تريد : حتى تشيروا . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيول ، تحت يدي كل قيول مائة ألف مقاتل ، وهم الذين قالوا { نحن أولو قوة وأولوا بأس شديد } . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : ذكر لنا أنه كان أول مشورتها ثلاثمائة واثني عشر رجلاً . كل رجل منهم على عشرة آلاف من الرجال . وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } قال : إذا أخذوها عنوة أخربوها . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } قال : بالسيف . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : قالت بلقيس { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة } قال : يقول الرب تبارك وتعالى { وكذلك يفعلون } . وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإني مرسلة إليهم بهدية } قال : أرسلت بلبنة من ذهب ، فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله { أتمدوننِ بمال } . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : قالت إني باعثة إليهم بهدية ، فمصانعتهم بها عن ملكي أن كانوا أهل دنيا . فبعثت إليهم بلبنة من ذهب في حرير وديباج ، فبلغ ذلك سليمان ، فأمر بلبنة من ذهب فصنعت ، ثم قذفت تحت أرجل الدواب على طريقهم تبول عليها وتروث ، فلما جاء رسلها واللبنة تحت أرجل الدواب ، صغر في أعينهم الذي جاؤوا به . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال : أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج . فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن ، فموّهوا له الآجر بالذهب ، ثم أمر به ، فألقي في الطريق . فلما جاؤوا ورأوه ملقى في الطريق وفي كل مكان قالوا : جئنا نحمل شيئاً نراه ههنا ملقى ما يلتفت إليه . فصغر في أعينهم ما جاؤوا به . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وإني مرسلة إليهم بهدية } قال : جوار لباسهن لباس الغلمان ، وغلمان لباسهن لباس الجواري . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : أرسلت بثمانين من وصيف ووصيفة ، وحلقت رؤوسهم كلهم ، وقالت : إن عرف الغلمان من الجواري فهو نبي ، وإن لم يعرف الغلمان من الجواري فليس بنبي . فدعا بوضوء فقال : توضئوا . فجعل الغلام يأخذ من مرفقيه إلى كفيه ، وجعلت الجارية تأخذ من كفها إلى مرفقها فقال : هؤلاء جوار وهؤلاء غلمان . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة قال : كانت هدية بلقيس لسليمان مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية . الغلمان والجواري على هيئة واحدة ، لا يعرف الجواري من الغلمان ، ولا الغلمان من الجواري . على كل فرس لون ليس على الآخر وكانت أول هديتهم عند سليمان وآخرها عندها . وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال : الهدية . وصفان ، ووصائف ، ولبنة من ذهب . وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : كانت الهدية . جواهر . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال : إن الهدية لما جاءت سليمان بين الغلمان والجواري امتحنهم بالوضوء . فغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها ، وغسلت الجواري بطون السواعد قبل ظهورها . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : قالت : إن هو قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه دون ملككم ، وإن لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله . فبعثت إليه بهدية غلمان في هيئة الجواري وحليهم ، وجوار في هيئة الغلمان ولباسهم ، وبعثت إليه بلبنات من ذهب ، وبخرزة مثقوبة مختلفة ، وبعثت إليه بقدح ، وبعثت إليه تعلمه . فلما جاء سليمان الهدية أمر الشياطين ، فموّهوا لبن المدينة وحيطانها ذهباً وفضة ، فلما رأى ذلك رسلها قالوا : أين نذهب باللبنات في أرض هؤلاء وحيطانهم ذهب وفضة ؟ ! فحسبوا اللبنات وأدخلوا عليه ما سوى ذلك وقالوا : أخرج لنا الغلمان من الجواري . فأمرهم فتوضؤوا ، وأخرج الغلمان من الجواري . أما الجارية فافرغت على يدها ، وأما الغلام فاغترف ، وقالوا : ادخل لنا في هذه الخرزة خيطاً . فدعا بالدساس فربط فيه خيطاً فأدخله فيها ، فجال فيها واضطرب حتى خرج من الجانب الآخر . وقالوا : املأ لنا هذا القدح بماء ليس من الأرض ولا من السماء . فأمر بالخيل فأجريت حتى إذا اربدت مسح عرقها فجعله فيه حتى ملأه . فلما رجعت رسلها فأخبروها : أن سليمان رد الهدية . وفدت إليه وأمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات وغلقت عليها فأخذت المفاتيح . فلما بلغ سليمان ما صنعت بعرشها { قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال : قال للهدهد { ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها } يعني من الانس والجن . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم صالح في قوله { لا قبل لهم بها } قال : لا طاقة لهم بها . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال : لما بلغ سليمان أنها جاءته وكان قد ذكر له عرشها فأعجبه . وكان عرشها من ذهب ، وقوائمه من لؤلؤ وجوهر ، وكان مستتراً بالديباج والحرير ، وكان عليه سبعة مغاليق ، فكره أن يأخذه بعد إسلامهم . وقد علم نبي الله سليمان أن القوم متى ما يسلموا تحرم أموالهم مع دمائهم ، فأحب أن يؤتى به قبل أن يكون ذلك من أمرهم فقال { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { أيكم يأتيني بعرشها } قال : سرير في أريكة . وأخرج ابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله { قبل أن يأتوني مسلمين } قال : طائعين . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قال عفريت من الجن } قال : مارد { قبل أن تقوم من مقامك } قال : من مقعدك . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله { قال عفريت } قال : عظيم كأنه جبل . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن شعيب الجبائي قال : كان اسم العفريت . كوزن . وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال : اسمه كوزي . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال عفريت من الجن } قال : هو صخر الجني { وإني عليه لقوي } قال : على حمله { أمين } قال : على ما استودع فيه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قبل أن تقوم من مقامك } قال : من مجلسك . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { قبل أن تقوم من مقامك } قال : من مجلسك الذي تجلس فيه للقضاء . وكان سليمان إذا جلس للقضاء لم يقم حتى تزول الشمس . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { وإني عليه لقوي أمين } قال : على جوهره . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن مجاهد في قوله { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } قال : إني أريد أعجل من هذا { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : فخرج العرش من نفق من الأرض . وأخرج عبد بن حميد عن حماد بن سلمة قال : قرأت في مصحف أبي بن كعب { وإني عليه لقوي أمين } قال : أريد أعجل من ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال : آصف : كاتب سليمان . وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال : هو آصف بن برخيا . وكان صديقاً يعلم الاسم الأعظم . وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال : كان اسمه أسطوم . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن لهيعة قال : هو الخضر . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد قال : هو رجل من الإِنس يقال له : ذو النور . وأخرج ابن عساكر عن الحسن قال : هو آصف بن برخيا بن مشعيا بن منكيل ، واسم أمه باطورا من بني إسرائيل . وأخرج ابن جرير عن قتادة { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال : كان اسمه تمليخا . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قال الذي عنده علم من الكتاب } قال : الاسم الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وهو ياذا الجلال والإِكرام . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : ادامة النظر حتى يرتد إليك الطرف خاسئاً . وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال : في قراءة ابن مسعود " قال الذي عنده علم من الكتاب أنا أنظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك " قال : فتكلم ذلك العالم بكلام ، دخل العرش في نفق تحت الأرض حتى خرج إليهم . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله { قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : قال لسليمان : انظر إلى السماء قال : فما اطرق حتى جاءه به فوضعه بين يديه . وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس ، مثله . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري قال : دعاء الذي عنده علم من الكتاب . يا إلهنا وإله كل شيء إلهاً واحداً لا إله إلا أنت : ائتني بعرشها . قال : فمثل له بين يديه . وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن عساكر عن ابن عباس قال : لم يجر عرش صاحبة سبأ بين الأرض والسماء ، ولكن انشقت به الأرض فجرى تحت الأرض حتى ظهر بين يدي سليمان . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن سابط قال : دعا باسمه الأعظم ، فدخل السرير فصار له نفق في الأرض حتى نبع بين يدي سليمان . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : دعا باسم من أسماء الله . فإذا عرشها يحمل بين عينيه . ولا يدري ذلك الاسم . قد خفي ذلك الإِسم على سليمان وقد أعظم ما أعطى . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله { قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } قال : كان رجلاً من بني إسرائيل يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب ، وإذا سئل به أعطي . وارتداد الطرف أن يرى ببصره حيث بلغ ثم يرد طرفه . فدعاه فلما رآه مستقراً عنده جزع وقال : رجل غيري أقدر على ما عند الله مني . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله { هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر } إذا أتيت بالعرش { أم أكفر } إذا رأيت من هو أدنى مني في الدنيا أعلم مني . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { قال نكروا لها عرشها } قال : زيد فيه ونقص لـ { ننظر أتهتدي } قال : لننظر إلى عقلها . فوجدت ثابتة العقل . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { قال نكروا لها عرشها } قال : تنكيره أن يجعل أسفله أعلاه ، ومقدمه مؤخره ، ويزاد فيه أو ينقص منه ، فلما جاءت { قيل أهكذا عرشك } قالت { كأنه هو } شبهته به وكانت قد تركته خلفها فوجدته أمامها . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : لما دخلت وقد غير عرشها . فجعل كل شيء من حليته أو فرشه في غير موضعه ليلبسوا عليها قيل { أهكذا عرشك } فرهبت أن تقول نعم هو . فيقولون : ما هكذا كان حليته ولا كسوته ، ورهبت أن تقول ليس هو ، فيقال لها : بل هو ولكنا غيرناه . فقالت كأنه هو . وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله { وأوتينا العلم من قبلها } قال : سليمان يقوله : أوتينا معرفة الله وتوحيده . وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله { وأوتينا العلم من قبلها } قال : سليمان يقوله . وفي قوله { وصدها ما كانت تعبد من دون الله } قال : كفرها بقضاء الله غير الوثن أن تهتدي للحق . في قوله { قيل لها ادخلي الصرح } بركة ماء ضرب عليها سليمان قوارير ، وكانت بلقيس عليها شعر ، قدماها حافر كحافر الحمار ، وكانت أمها جنية . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي صالح قال : كان الصرح من زجاج وجعل فيه تماثيل السمك . فلما رأته وقيل لها : أدخلي الصرح . فكشفت عن ساقيها وظنت أنه ماء قال : { والممرد } : الطويل . وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : كان قد نعت لها خلقها ، فأحب أن ينظر إلى ساقيها ، فقيل لها { ادخلي الصرح } فلما رأته ظنت أنه ماء ، فكشفت عن ساقيها ، فنظر إلى ساقيها أنه عليهما شعر كثير ، فوقعت من عينيه وكرهها ، فقالت له الشياطين : نحن نصنع لك شيئاً يذهب به . فصنعوا له نورة من أصداف ، فطلوها فذهب الشعر ، ونكحها سليمان عليه السلام . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله قالت { رب إني ظلمت نفسي } قال : ظنت أنه ماء . وأن سليمان أراد قتلها فقالت : أراد قتلي - والله - على ذلك ، لأقتحمن فيه . فلما رأته أنه قوارير عرفت أنها ظلمت سليمان بما ظنت . فذلك قولها { ظلمت نفسي } وإنما كانت هذه المكيدة من سليمان عليه السلام لها . إن الجن تراجعوا فيما بينهم فقالوا : قد كنتم تصيبون من سليمان غرة ، فإن نكح هذه المرأة اجتمعت فطنة الوحي والجن فلن تصيبوا له غرة . فقدموا إليه فقالوا : إن النصيحة لك علينا حق ، إنما قدماها حافر حمار . فذلك حين ألبس البركة قوارير ، وأرسل إلى نساء من نساء بني إسرائيل ينظرنها إذا كشفت عن ساقيها . ما قدماها ؟ فإذا هي أحسن الناس ساقاً من ساق شعراء ، وإذا قدماها هما قدم إنسان ، فبشرن سليمان . وكره الشعر ، فأمر الجن ، فجعلت النورة . فذلك أول ما كانت النورة . وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان سليمان بن داود عليه السلام إذا أراد سفراً قعد على سريره ، ووضعت الكراسي يميناً وشمالاً ، فيؤذن للإِنس عليه ، ثم أذن للجن عليه بعد الانس ، ثم أذن للشياطين بعد الجن ، ثم أرسل إلى الطير فتظلهم ، وأمر الريح فحملتهم وهو على سريره ، والناس على الكراسي ، والطير تظلهم ، والريح تسير بهم . غدوها شهر ، ورواحها شهر ، رخاء حيث أراد . ليس بالعاصف ، ولا باللين ، وسطا بين ذلك . وكان سليمان يختار من كل طير طيراً ، فيجعله رأس تلك الطير . فإذا أراد أن يسائل تلك الطير عن شيء سأل رأسها . فبينما سليمان يسير إذ نزل مفازة فقال : كم بعد الماء ههنا ؟ فسأل الإِنس فقالوا : لا ندري ! فسأل الشياطين فقالوا : لا ندري ! فغضب سليمان وقال : لا أبرح حتى أعلم كم بعد مسافة الماء ههنا ؟ فقالت له الشياطين : يا رسول الله لا تغضب ، فإن يك شيء يعلم فالهدهد يعلمه . فقال سليمان : عليَّ بالهدهد . فلم يوجد ، فغضب سليمان وقال { لأعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } يقول : بعذر مبين غيبه عن مسيري هذا . قال : ومر الهدهد على قصر بلقيس فرأى لها بستاناً خلف قصرها ، فمال إلى الخضرة فوقع فيه ، فإذا هو بهدهد في البستان فقال له : هدهد سليمان أين أنت عن سليمان وما تصنع ههنا ؟ فقال له هدهد بلقيس : ومن سليمان ؟ ! فقال : بعث الله رجلاً يقال له : سليمان رسولاً وسخر له الجن والانس والريح والطير . فقال له هدهد بلقيس : أي شيء تقول ؟ قال : أقول لك ما تسمع . قال : إن هذا لعجب ! وأعجب من ذلك أن كثرة هؤلاء القوم تملكهم امرأة { وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم } جعلوا الشكر لله : أن يسجدوا للشمس من دون الله . قال : وذكر لهدهد سليمان ، فنهض عنه فلما انتهى إلى العسكر تلقته الطير فقالوا : تواعدك رسول الله ، وأخبروه بما قال . وكان عذاب سليمان للطير أن ينتفه ، ثم يشمسه ، فلا يطير أبداً ويصير مع هوام الأرض ، أو يذبحه فلا يكون له نسل أبداً . قال الهدهد : وما استثنى نبي الله ؟ قالوا : بلى . قال : أو ليأتيني بعذر مبين . فلما أتى سليمان قال : وما غيبتك عن مسيري ؟ قال { أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين ، إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم } قال : بل اعتللت { سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ، اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } وكتب { بسم الله الرحمن الرحيم } إلى بلقيس { ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين } فلما ألقى الهدهد الكتاب إليها ، ألقى في روعها أنه كتاب كريم ، وإنه من سليمان و { ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين … ، قالوا نحن أولوا قوة } قالت { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها … ، وإني مرسلة إليهم بهدية } فلما جاءت الهدية سليمان قال : أتمدونني بمال ارجع إليهم . فلما رجع إليها رسلها خرجت فزعة ، فأقبل معها ألف قيل مع كل قيل مائة ألف . قال : وكان سليمان رجلاً مهيباً لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه . فخرج يومئذ فجلس على سريره فرأى رهجاً قريباً منه قال : ما هذا ؟ قالوا : بلقيس يا رسول الله قال : وقد نزلت منا بهذا المكان ؟ قال ابن عباس : وكان بين سليمان وبين ملكة سبأ ومن معها حين نظر إلى الغبار كما بين الكوفة والحيرة قال : فأقبل على جنوده فقال : أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ؟ قال : وبين سليمان وبين عرشها حين نظر إلى الغبار مسيرة شهرين { قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } . قال : وكان لسليمان مجلس يجلس فيه للناس كما تجلس الأمراء ، ثم يقوم قال سليمان : أريد اعجل من ذلك . قال الذي عنده علم من الكتاب : أنا انظر في كتاب ربي ثم آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك . فنظر إليه سليمان فلما قطع كلامه ، رد سليمان بصره ، فنبع عرشها من تحت قدم سليمان . من تحت كرسي كان يضع عليه رجله ، ثم يصعد إلى السرير ، فلما رأى سليمان عرشها مستقراً عنده { قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر } إذ أتاني به قبل أن يرتد إليَّ طرفي { أم أكفر } إذ جعل من هو تحت يدي أقدر على المجيء مني ، ثم { قال نكروا لها عرشها … ، فلما جاءت } تقدمت إلى سليمان { قيل لها أهكذا عرشك فقالت كأنه هو } ثم قالت : يا سليمان إني أريد أن أسألك عن شيء فأخبرني به قال : سلي . قالت : أخبرني عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء . قال : وكان إذا جاء سليمان شيء لا يعلمه يسأل الإِنس عنه ، فإن كان عند الإِنس منه علم … وإلا سأل الجن ، فإن لم يكن عند الجن علم سأل الشياطين ، فقالت له الشياطين : ما أهون هذا يا رسول الله ! مر بالخيل فتجري ثم لتملأ الآنية من عرقها فقال لها سليمان : عرق الخيل قالت : صدقت قالت : فأخبرني عن لون الرب قال ابن عباس : فوثب سليمان عن سريره فخر ساجداً فقامت عنه ، وتفرقت عنه جنوده ، وجاءه الرسول فقال : يا سليمان يقول لك ربك ما شأنك ؟ قال : يا رب أنت أعلم بما قالت قال : فإن الله يأمرك أن تعود إلى سريرك فتقعد عليه ، وترسل إليها وإلى من حضرها من جنودها ، وترسل إلى جميع جنودك الذين حضروك فيدخلوا عليك ، فتسألها وتسألهم عما سألتك عنه قال : ففعل سليمان ذلك . فلما دخلوا عليه جميعاً قال لها : عم سألتيني ؟ قالت : سألتك عن ماء رواء لا من الأرض ولا من السماء قال : قلت لك عرق الخيل قالت : صدقت . قال : وعن أي شيء سألتيني ؟ قالت : ما سألتك عن شيء إلا عن هذا قال لها سليمان : فلأي شيء خررت عن سريري ؟ ! قالت : كان ذلك لشيء لا أدري ما هو . فسأل جنودها فقالوا : مثل قولها . فسأل جنوده من الإِنس ، والجن ، والطير ، وكل شيء كان حضره من جنوده ، فقالوا : ما سألتك يا رسول الله عن شيء إلا عن ماء رواء قال : وقد كان . قال له الرسول : يقول الله لك : ارجع ثمة إلى مكانك فإني قد كفيتكم فقال سليمان للشياطين : ابنو لي صرحاً تدخل علي فيه بلقيس ، فرجع الشياطين بعضهم إلى بعض فقالوا لسليمان : يا رسول الله قد سخر الله لك ما سخر ، وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلاماً فلا ننفك له من العبودية أبداً قال : وكانت امرأة شَعْرَاء الساقين فقالت الشياطين : ابنو له بنياناً كأنه الماء يرى ذلك منها فلا يتزوجها ، فبنوا له صرحاً من قوارير ، فجعلوا له طوابيق من قوارير ، وجعلوا في باطن الطوابيق كل شيء يكون من الدواب في البحر . من السمك وغيره ثمَّ اطبقوه ، ثم قالوا لسليمان : ادخل الصرح . فألقي كرسياً في أقصى الصرح . فلما دخله أتى الكرسي فصعد عليه ثم قال : أدخلوا عليَّ بلقيس فقيل لها ادخلي الصرح فلما ذهبت تدخله فرأت صورة السمك ، وما يكون في الماء من الدواب { حسبته لجة فكشفت عن ساقيها } لتدخل . وكان شعر ساقها ملتوياً على ساقيها . فلما رآه سليمان ناداها وصرف وجهه عنها { إنه صرح ممرد من قوارير } فألقت ثوبها وقالت { رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } . فدعا سليمان الإِنس فقال : ما أقبح هذا ! ما يذهب هذا ! قالوا : يا رسول الله الموسى . فقال : الموسى تقطع ساقي المرأة ، ثم دعا الشياطين فقال مثل ذلك ، فتلكؤوا عليه ثم جعلوا له النورة قال ابن عباس : فإنه لأول يوم رؤيت فيه النورة قال : واستنكحها سليمان عليه السلام . قال ابن أبي حاتم : قال أبو بكر بن أبي شيبة : ما أحسنه من حديث ! وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد قال : كان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يسير وضع كرسيه ، فيأتي من أراد من الانس والجن ، ثم يأمر الريح فتحملهم ، ثم يأمر الطير فتظلهم . فبينا هو يسير إذ عطشوا فقال : ما ترون بعد الماء ؟ قالوا : لا ندري . فتفقد الهدهد وكان له منه منزلة ليس بها طير غيره فقال { ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ، لأعذبنه عذاباً شديداً } وكان عذابه إذا عذب الطير نتفه ، ثم يجففه في الشمس { أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين } يعني بعذر بين . فلما جاء الهدهد استقبلته الطير فقالت له : قد أوعدك سليمان فقال لهم : هل استثنى ؟ فقالوا له : نعم . قد قال : إلا أن يجيء بعذر بين . فجاء بخبر صاحبة سبأ ، فكتب معه إليها { بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا عليَّ وائتوني مسلمين } فأقبلت بلقيس ، فلما كانت على قدر فرسخ قال سليمان { أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ، قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } فقال سليمان : أريد أعجل من ذلك . فقال الذي عنده علم من الكتاب { أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } فأتى بالعرش في نفق في الأرض ، يعني سرب في الأرض قال سليمان : غيروه . فلما جاءت { قيل لها أهكذا عرشك } فاستنكرت السرعة ورأت العرش { فقالت كأنه هو … ، قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته } لجة ماء { وكشفت عن ساقيها } فإذا هي امرأة شعراء فقال سليمان : ما يذهب هذا ؟ فقال بعض الجن : أنا أذهبه . وصنعت له النورة . وكان أول ما صنعت النورة ، وكان اسمها بلقيس . وأخرج ابن عساكر عن عكرمة قال : لما تزوج سليمان بلقيس قال : ما مستني حديدة قط فقال للشياطين : أنظروا أي شيء يذهب بالشعر غير الحديد ؟ فوضعوا له النورة ، فكان أول من وضعها شياطين سليمان . وأخرج البخاري في تاريخه والعقيلي عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول من صنعت له الحمامات سليمان " . وأخرج الطبراني وابن عدي في الكامل والبيهقي في الشعب عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول من دخل الحمام سليمان ، فلما وجد حره أوَّهَ من عذاب الله " . وأخرج أبو نعيم في الحلية عن مجاهد قال : لما قدمت ملكة سبأ على سليمان رأت حطباً جزلاً فقالت لغلام سليمان : هل يعرف مولاك كم وزن هذا الدخان ؟ فقال : أنا أعلم فكيف مولاي ؟ قالت : فكم وزنه ؟ فقال الغلام : يوزن الحطب ثم يحرق ، ثم يوزن الرماد فما نقص فهو دخانه . وأخرج البيهقي في الزهد عن الأوزاعي قال : كسر برج من أبراج تدمر ، فأصابوا فيه امرأة حسناء دعجاء مدمجة كأن أعطافها طي الطوامير ، عليها عمامة طولها ثمانون ذراعاً ، مكتوب على طرف العمامة بالذهب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) أنا بلقيس ملكة سبأ زوجة سليمان بن داود ، ملكت الدنيا كافرة ومؤمنة ، ما لم يملكه أحد قبلي ولا يملكه أحد بعدي ، صار مصيري إلى الموت فأقصروا يا طلاب الدنيا . وأخرج ابن عساكر عن سلمة بن عبد الله بن ربعي قال : لما أسلمت بلقيس تزوجها سليمان وأمهرها باعلبك .