Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 105-113)

Tafsir: ad-Durr al-manṯūr fī at-tafsīr bi-l-maʾṯūr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والحاكم وصححه عن قتادة بن النعمان قال : كان أهل بيت منا يقال لهم : بنو أبيرق . بشر ، وبشير ، ومبشر ، وكان بشير رجلاً منافقاً يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم ينحله بعض العرب ، ثم يقول : قال فلان كذا وكذا ، قال فلان كذا وكذا ، وإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا : والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال : أو كلما قال الرجال قصيدة أضحوا فقالوا : ابن الأبيرق قالها . وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام ، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير ، وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الرزمك ابتاع الرجل منها فخص بها بنفسه ، وأما العيال فإنما طعامهم الشعير ، فقدمت ضافطة الشام فابتاع عمي رفاعة بن زرد جملاً من الرزمك ، فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما ، فعدا عدي من تحت الليل فنقب المشربة وأخذ الطعام والسلاح ، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا ، فذهب بطعامنا وسلاحنا قال : فتجسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق قد استوقدوا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم . قال : وقد كان بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار - والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلاً منا له صلاح وإسلام ، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ، ثم أتى بني أبيرق وقال : أنا أسرق ، فوالله ليخالطنكم هذا السيف أو لتتبين هذه السرقة . قالوا : إليك عنا أيها الرجل - فوالله - ما أنت بصاحبها ، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها . فقال لي عمي : يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ؟ . " قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء ، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه ، فليردوا علينا سلاحنا ، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سأنظر في ذلك ، فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلاً منهم يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك ، واجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا ، أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت . قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته . فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت ؟ " قال قتادة : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، فأتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي ما صنعت ؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : الله المستعان … فلم نلبث أن نزل القرآن { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً } لبني أبيرق { واستغفر الله } أي مما قلت لقتادة { إن الله كان غفوراً رحيماً ، ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } إلى قوله { ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } أي أنهم لو استغفروا الله لغفر لهم { ومن يكسب إثماً } إلى قوله { فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً } قولهم للبيد { ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك } يعني أسير بن عروة وأصحابه إلى قوله { فسيؤتيه أجراً عظيماً } . فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة . قال قتادة : فلما أتيت عمي بالسلاح - وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية ، وكنت أرى إسلامه مدخولاً - فلما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي هو في سبيل الله ، فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد ، فأنزل الله { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى } [ النساء : 115 ] إلى قوله { ضلالاً بعيداً } [ النساء : 116 ] فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ، ثم خرجت فرمت به في الأبطح ، ثم قالت أهديت لي شعر حسان ما كنت تأتيني بخير " . وأخرج ابن سعد عن محمود بن لبيد قال : " عدا بشير بن الحارث على علية رفاعة بن زيد عم قتادة بن النعمان الظفري فنقبها من ظهرها وأخذ طعاماً له ودرعين بأداتهما ، فأتى قتادة بن النعمان النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ، فدعا بشيراً فسأله ، فأنكر ورمى بذلك لبيد بن سهل رجلاً من أهل الدار ذا حسب ونسب ، فنزل القرآن بتكذيب بشير وبراءة لبيد بن سهل قوله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } إلى قوله { ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } يعني بشير بن أبيرق { ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً } يعني لبيد بن سهل حين رماه بنو أبيرق بالسرقة ، فلما نزل القرآن في بشير وعثر عليه هرب إلى مكة مرتداً كافراً ، فنزل على سلافة بنت سعد بن الشهيد ، فجعل يقع في النبي صلى الله عليه وسلم وفي المسلمين ، فنزل القرآن فيه ، وهجاه حسان بن ثابت حتى رجع وكان ذلك في شهر ربيع سنة أربع من الهجرة " . وأخرج ابن سعد من وجه آخر عن محمود بن لبيد قال : كان أسير بن عروة رجلاً منطيقاً ظريفاً بليغاً حلواً ، فسمع بما قال قتادة بن النعمان في بني أبيرق للنبي صلى الله عليه وسلم ، حين اتهمهم بنقب علية عمه وأخذ طعامه والدرعين ، فأتى أسير رسول الله صلى الله عليه وسلم في جماعة جمعهم من قومه ، فقال : " إن قتادة وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل حسب ونسب وصلاح ، يؤنبونهم بالقبيح ، ويقولون لهم ما لا ينبغي بغير ثبت ولا بينة ، فوضع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء ثم انصرف ، فأقبل بعد ذلك قتادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليكلمه ، فجبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهاً شديداً منكراً ، وقال : " بئسما صنعت ، وبئسما مشيت فيه . فقام قتادة وهو يقول : لوددت أني خرجت من أهلي ومالي ، وأني لم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من أمرهم ، وما أنا بعائد في شيء من ذلك . فأنزل الله على نبيه في شأنهم { إنا أنزلنا إليك الكتاب } إلى قوله { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } يعني أسير بن عروة وأصحابه { إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً } " . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } إلى قوله { ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله } فيما بين ذلك في طعمة بن أبيرق درعه من حديد التي سرق ، وقال أصحابه من المؤمنين للنبي صلى الله عليه وسلم : اعذره في الناس بلسانك ، ورموا بالدرع رجلاً من يهود بريئاً . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة قال : ذكر لنا أن هذه الآيات أنزلت في شأن طعمة بن أبيرق ، وفيما هم به نبي صلى الله عليه وسلم من عذره ، فبين الله شأن طعمة بن أبيرق ، ووعظ نبيه صلى الله عليه وسلم ، وحذره أن يكون للخائنين خصيماً ، وكان طعمة بن أبيرق رجلاً من الأنصار ، ثم أحد بني ظفر سرق درعاً لعمه كانت وديعة عندهم ، ثم قدمها على يهودي كان يغشاهم ، يقال له زيد بن السمين ، فجاء اليهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يهتف ، فلما رأى ذلك قومه بنو ظفر ، جاءوا إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم ليعذروا صاحبهم ، وكان نبي الله قد هم بعذره حتى أنزل الله في شأنه ما أنزل ، فقال { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } إلى قوله { يرم به بريئاً } وكان طعمة قذف بها بريئاً ، فلما بين الله شأن طعمة نافق ولحق بالمشركين ، فأنزل الله في شأنه { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين … } [ النساء : 115 ] الآية . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال : " إن نفراً من الأنصار غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فسرقت درع لأحدهم ، فأظن بها رجلاً من الأنصار ، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن طعمة بن أبيرق سرق درعي . فلما رأى السارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء وقال لنفر من عشيرته : إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده ، فانطلقوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا نبي الله إن صاحبنا بريء ، وإن سارق الدرع فلان ، وقد أحطنا بذلك علماً ، فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس ، وجادل عنه فإنه إن لا يعصمه الله بك يهلك ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فبرأه وعذره على رؤوس الناس ، فأنزل الله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } يقول : بما أنزل الله إليك إلى قوله { خواناً أثيماً } ثم قال للذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلاً { يستخفون من الناس } إلى قوله { وكيلاً } يعني الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفين يجادلون عن الخائنين ، ثم قال { ومن يكسب خطيئة … } الآية . يعني السارق والذين جادلوا عن السارق " . وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في الآية قال : " كان رجل سرق درعاً من حديد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم طرحه على يهودي ، فقال اليهودي : والله ما سرقتها يا أبا القاسم ولكن طرحت عليّ . وكان الرجل الذي سرق له جيران يبرئونه ويطرحونه على اليهودي ، ويقولون : يا رسول الله إن هذا اليهودي خبيث يكفر بالله وبما جئت به ، حتى مال عليه النبي صلى الله عليه وسلم ببعض القول ، فعاتبه الله في ذلك فقال { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيماً ، واستغفر الله } بما قلت لهذا اليهودي { إن الله كان غفوراً رحيماً } ثم أقبل على جيرانه فقال { ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم } إلى قوله { وكيلاً } ثم عرض التوبة فقال { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ، ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه } فما أدخلكم أنتم أيها الناس على خطيئة هذا تكلمون دونه { ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً } وإن كان مشركاً { فقد احتمل بهتاناً } إلى قوله { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى } قال : أبى أن يقبل التوبة التي عرض الله له وخرج إلى المشركين بمكة ، فنقب بيتاً يسرقه ، فهدمه الله عليه فقتله . وأخرج ابن المنذر عن الحسن " أن رجلاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اخْتَانَ درعاً من حديد ، فلما خشي أن توجد عنده ألقاها في بيت جار له من اليهود وقال : تزعمون إني اختنت الدرع - فوالله - لقد أنبئت أنها عند اليهودي ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجاء أصحابه يعذرونه ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره حين لم يجد عليه بينة ، ووجدوا الدرع في بيت اليهودي ، وأبى الله إلا العدل ، فأنزل الله على نبيه { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق } إلى قوله { أمن يكون عليهم وكيلاً } فعرض الله بالتوبة لو قبلها إلى قوله { ثم يرم به بريئاً } اليهودي ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { ولولا فضل الله عليك ورحمته } إلى قوله { وكان فضل الله عليك عظيماً } فأبرئ اليهودي ، وأخبر بصاحب الدرع قال : قد افتضحت الآن في المسلمين ، وعلموا أني صاحب الدرع ما لي اقامة ببلد ، فتراغم فلحق بالمشركين ، فأنزل الله { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى } [ النساء : 115 ] إلى قوله { ضلالاً بعيداًَ } [ النساء : 116 ] " . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } قال : بما أوحى إليك ، نزلت في طعمة بن أبيرق ، استودعه رجل من اليهود درعاً ، فانطلق بها إلى داره ، فحفر لها اليهودي ثم دفنها ، فخالف إليها طعمة فاحتفر عنها فأخذها ، فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها ، فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته فقال : انطلقوا معي فإني أعرف موضع الدرع ، فلما علم به طعمة أخذ الدرع فألقاها في بيت أبي مليك الأنصاري ، فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها ، وقع به طعمة وأناس من قومه فسبوه قال : أتخوِّنوني … ؟ فانطلقوا يطلبونها في داره ، فأشرفوا على دار أبي مليك فإذا هم بالدرع ، وقال طعمة : أخذها أبو مليك وجادلت الأنصار دون طعمة ، وقال لهم : انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقولوا له ينضح عني ويكذب حجة اليهودي ، فإني إن أكذب كذب على أهل المدينة اليهودي ، فأتاه أناس من الأنصار فقالوا : يا رسول الله جادل عن طعمة وأكذب اليهودي . فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، فأنزل الله عليه { ولا تكن للخائنين خصيماً } إلى قوله { أثيماً } ثم ذكر الأنصار ومجادلتهم عنه فقال { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله } إلى قوله { وكيلاً } ثم دعا إلى التوبة فقال { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه } إلى قوله { رحيماً } ثم ذكر قوله حين قال أخذها أبو مليك ، فقال { ومن يكسب إثماً } إلى قوله { مبيناً } ثم ذكر الأنصار وأتيانها إياه أن ينضح عن صاحبهم ويجادل عنه فقال : { لهمت طائفة منهم أن يضلوك } ثم ذكر مناجاتهم فيما يريدون أن يكذبوا عن طعمة فقال : { لا خير في كثير من نجواهم } [ النساء : 114 ] فلما فضح الله طعمة بالقرآن بالمدينة هرب حتى أتى مكة فكفر بعد إسلامه ، ونزل على الحجاج بن علاط السلمي ، فنقب بيت الحجاج ، فأراد أن يسرقه ، فسمع الحجاج خشخشته في بيته وقعقعة جلود كانت عنده ، فنظر فإذا هو بطعمة فقال : ضيفي وابن عمي فأردت أن تسرقني ؟ فأخرجه فمات بحرة بني سليم كافراً ، وأنزل الله فيه { ومن يشاقق الرسول } [ النساء : 115 ] إلى { وساءت مصيراً } [ النساء : 115 ] . وأخرج سنيد وابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : استودع رجل من الأنصار طعمة بن أبيرق مشربة له فيها درع فغاب ، فلما قدم الأنصاري فتح مشربته فلم يجد الدرع ، فسأل عنها طعمة بن أبيرق فرمى بها رجلاً من اليهود يقال له زيد بن السمين ، فتعلق صاحب الدرع بطعمة في درعه ، فلما رأى ذلك قومه أتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلموه ليدرأ عنه ، فهم بذلك ، فأنزل الله { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس } إلى قوله { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } يعني طعمة بن أبيرق وقومه { ها أنتم هؤلاء جادلتم } إلى قوله { يكون عليهم وكيلاً } محمد صلى الله عليه وسلم وقوم طعمة { ثم يرم به بريئاً } يعني زيد بن السمين { فقد احتمل بهتاناً } طعمة بن أبيرق { ولولا فضل الله عليك ورحمته } لمحمد صلى الله عليه وسلم { لهمت طائفة } قوم طعمة { لا خير في كثير } [ النساء : 114 ] الآية للناس عامة { ومن يشاقق الرسول } [ النساء : 115 ] قال : لما أنزل القرآن في طعمة بن أبيرق لحق بقريش ورجع في دينه ، ثم عدا على مشربة للحجاج بن علاط البهري فنقبها ، فسقط عليه حجر فلحج فلما أصبح أخرجوه من مكة ، فخرج فلقي ركباً من قضاعة ، فعرض لهم فقال : ابن سبيل منقطع به . فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق ، فرجعوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات . فهذه الآيات كلها فيه نزلت إلى قوله { إن الله لا يغفر أن يُشْرَك به } [ النساء : 116 ] . وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال : نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار ، استودع درعاً فجحدها صاحبها ، فلحق به رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فغضب له قومه وأتوا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : خوّنوا صاحبنا وهو أمين مسلم ، فأعذره يا نبي الله وازجر عنه ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فعذره وكذب عنه وهو يرى أنه بريء وأنه مكذوب عليه ، فأنزل الله بيان ذلك فقال { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله } إلى قوله { أمن يكون عليهم وكيلاً } فبين خيانته فلحق بالمشركين من أهل مكة وارتد عن الإسلام ، فنزل فيه { ومن يشاقق الرسول } [ النساء : 115 ] إلى قوله { وساءت مصيراً } [ النساء : 115 ] . وأخرج ابن أبي حاتم عن عطية العوفي " أن رجلاً يقال له طعمة بن أبيرق سرق درعاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فألقاها في بيت رجل ، ثم قال لأصحاب له : انطلقوا فاعذروني عند النبي صلى الله عليه وسلم فإن الدرع قد وجد في بيت فلان . فانطلقوا يعذرونه عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله { ومن يكسب خطيئة أو إثماً ثم يرم به بريئاً فقد احتمل بهتاناً } قال : بهتانه قذفه الرجل " . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } قال : اختان رجل من الأنصار عمّاً له درعاً فقذف بها يهودياً كان يغشاهم ، فجادل الرجل قومه ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره ثم لحق بدار الشرك ، فنزلت فيه { ومن يشاقق الرسول … } [ النساء : 115 ] الآية . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : إياكم والرأي ، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { لتحكم بين الناس بما أراك الله } ولم يقل بما رأيت . وأخرج ابن المنذر عن عمرو بن دينار . أن رجلاً قال لعمر { بما أراك الله } قال : مه ، إنما هذه للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية العوفي { لتحكم بين الناس بما أراك الله } قال : الذي أراه في كتابه . وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مالك بن أنس عن ربيعة قال : إن الله أنزل القرآن وترك فيه موضعاً للسُّنة ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم السنة وترك فيها موضعاً للرأي . وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن وهب قال : قال لي مالك : الحكم الذي يحكم به بين الناس على وجهين ، فالذي يحكم بالقرآن والسنة الماضية فذلك الحكم الواجب والصواب ، والحكم يجتهد فيه العالم نفسه فيما لم يأت فيه شيء فلعله أن يوفق . قال : وثالث التكلف لما لا يعلم ، فما أشبه ذلك أن لا يوفق . وأخرج عبد بن حميد عن قتادة { لتحكم بين الناس بما أراك الله } قال : بما بين الله لك . وأخرج ابن أبي حاتم عن مطر { لتحكم بين الناس بما أراك الله } قال : بالبينات والشهود . وأخرج عبد وابن أبي حاتم عن ابن مسعود موقوفاً ومرفوعاً قال " من صلى صلاة عند الناس لا يصلي مثلها إذا خلا فهي استهانة استهان بها ربه ، ثم تلا هذه الآية { يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم } " . وأخرج عبد بن حميد عن حذيفة مثله ، وزاد ، ولا يستحيي أن يكون الناس أعظم عنده من الله . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي رزين { إذ يبيتون } قال : إذ يؤلفون ما لا يرضى من القول . وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق علي عن ابن عباس في قوله { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله } قال : أخبر الله عباده بحلمه وعفوه وكرمه وسعة رحمته ومغفرته ، فمن أذنب ذنباً صغيراً كان أو كبيراً ثم استغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً ولو كانت ذنوبه أعظم من السموات والأرض والجبال . وأخرج ابن جرير وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن مسعود قال : كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم ذنباً أصبح قد كتب كفارة ذلك الذنب على بابه ، وإذا أصاب البول شيئاً منه قرضه بالمقراض ، فقال رجل : لقد آتى الله بني إسرائيل خيراً فقال ابن مسعود : ما آتاكم الله خير مما آتاهم ، جعل لكم الماء طهوراً وقال { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } . وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال : من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } . { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول … } [ النساء : 64 ] الآية . وأخرج ابن جرير عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاءت امرأة إلى عبد الله بن مغفل ، فسألته عن امرأة فجرت فحبلت ولما ولدت قتلت ولدها فقال : ما لها إلا النار . فانصرفت وهي تبكي ، فدعاها ثم قال : ما أرى أمرك إلا أحد أمرين { من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } فمسحت عينها ثم مضت . وأخرج ابن أبي حاتم وابن السني في عمل اليوم والليلة وابن مردويه عن علي قال : سمعت أبا بكر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من عبد أذنب فقام فتوضأ فأحسن وضوءه ، ثم قام فصلى واستغفر من ذنبه إلا كان حقاً على الله أن يغفر له ، لأن الله يقول { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } " . وأخرج أبو يعلى والطبراني وابن مردويه " عن أبي الدرداء قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس وجلسنا حوله ، وكانت له حاجة فقام إليها وأراد الرجوع ترك نعليه في مجلسه أو بعض ما يكون عليه ، وأنه قام فترك نعليه ، فأخذت ركوة من ماء فاتبعته فمضى ساعة ثم رجع ولم يقض حاجته ، فقال : " إنه أتاني آت من ربي فقال : إنه { من يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً } فأردت أن أبشر أصحابي . قال أبو الدرداء : وكانت قد شقت على الناس التي قبلها { من يعمل سوءاً يجز به } [ النساء : 123 ] فقلت : يا رسول الله وإن زنى وإن سرق ثم استغفر ربه غفر الله له ؟ قال : نعم . قلت : الثانية … قال : نعم . قلت : الثالثة … قال : نعم . على رغم أنف عويمر " . وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن سيرين { ثم يرم به بريئاً } قال : يهودياً . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله { وعلمك ما لم تكن تعلم } قال : علَّمه الله بيان الدنيا والآخرة . بين حلاله وحرامه ليحتج بذلك على خلقه . وأخرج عن الضحاك قال : علمه الخير والشر . والله أعلم .