Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 63, Ayat: 5-8)

Tafsir: ad-Durr al-manṯūr fī at-tafsīr bi-l-maʾṯūr

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلاً في السفر لم يرتحل منه حتى يصلي فيه ، فلما كان غزوة تبوك نزل منزلاً ، فقال عبدالله بن أبيّ : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فارتحل ولم يصل ، فذكروا ذلك فذكر قصة ابن أبيّ ، ونزل القرآن { إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله } وجاء عبدالله بن أبيّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فجعل يعتذر ويحلف ما قال ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له : تب ، فجعل يلوي رأسه " ، فأنزل الله عز وجل { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } الآية . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } قال : عبدالله بن أبيّ بن سلول ، قيل له : تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلوى رأسه وقال : ماذا قلت ؟ وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : { وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم } قال : حركوها استهزاء . وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية ، قال : نزلت في عبدالله بن أبيّ وذلك أن غلاماً من قرابته انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم بحديث وتكذيب شديد ، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو يحلف ويتبرأ من ذلك ، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعذلوه ، وقيل لعبدالله رضي الله عنه : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغفر لك فجعل يلوي رأسه ، ويقول : لست فاعلاً وكذب علي ، فأنزل الله ما تسمعون . وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر من طريق الحكم عن عكرمة " أن عبدالله بن أبيّ بن سلول كان له ابن يقال له حباب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله ، فقال يا رسول الله : إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل أباك " ثم جاءه أيضاً ، فقال له : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني حتى أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل أباك " ثم جاءه أيضا فقال : يا رسول الله إن والدي يؤذي الله ورسوله ، فذرني أقتله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقتل أباك " فقال : يا رسول الله فذرني حتى أسقيه من وضوئك لعل قلبه يلين ، فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه ، فذهب به إلى أبيه فسقاه ثم قال له : هل تدري ما سقيتك ؟ قال له والده : سقيتني بول أمك ، فقال له ابنه : والله ولكن سقيتك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال عكرمة : وكان عبدالله بن أبيّ عظيم الشأن ، وفيه أنزلت هذه الآية في المنافقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، وهو الذي قال : لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . قال الحكم : ثم حدثني بشر بن مسلم أنه قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد ، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أومن فقد آمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت ، فما بقي إلا أن أسجد لمحمد . وأخرج البيهقي في الدلائل عن الزهري قال : كان لعبدالله بن أبيّ مقام يقومه كل جمعة لا يتركه شرفاً له في نفسه وفي قومه ، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يخطب قام فقال : أيها الناس هذا رسول الله بين أظهركم أكرمكم الله به ، وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ، ثم يجلس ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد وصنع المنافق ما صنع في أحد ، فقام يفعل كما كان يفعل ، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه ، وقالوا : اجلس يا عدو الله ، لست لهذا المقام بأهل . قد صنعت ما صنعت . فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول : والله لكأني قلت هجراً أن قمت أسدد أمره ، فقال له رجل : ويحك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال المنافق : والله لا أبغي أن يستغفر لي . وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : " لما نزلت آية براءة { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم } [ التوبة : 80 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم : " اسمع ربي قد رخص لي فيهم ، فوالله لأستغفرن أكثر من سبعين مرة لعل الله أن يغفر لهم " فنزلت { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم } " . وأخرج ابن مردويه عن عروة قال : " لما نزلت { استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم } [ التوبة : 80 ] قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأزيدن على السبعين " فأنزل الله { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم } الآية " . وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال : نزلت هذه الأية { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } في عسيف لعمر بن الخطاب . وأخرج ابن مردويه عن زيد بن أرقم وعبدالله بن مسعود أنهما كانا يقرآن { لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله } . وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله : { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله } قال : إن عبدالله بن أبيّ قال لأصحابه : لا تنفقوا على من عند رسول الله ، فإنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا ، وفي قوله : { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } قال : قد قالها منافق عظيم النفاق في رجلين اقتتلا أحدهما غفاري والآخر جهني ، فظهر الغفاري على الجهني ، وكان بين جهينة وبين الأنصار حلف ، فقال رجل من المنافقين : وهو عبدالله بن أبيّ ، يا بني الأوس والخزرج ، عليكم صاحبكم وحليفكم . ثم قال : والله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك . والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فسعى بها بعضهم إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : يا نبي الله مر معاذاً أن يضرب عنق هذا المنافق . فقال : لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه . وذكر لنا أنه كثر على رجلين من المنافقين عنده فقال عمر : هل يصلي ؟ قالوا : نعم ولا خير في صلاته . قال نهيت عن المصلين ، نهيت عن المصلين ، نهيت عن المصلين . وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : { هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا } يقول : لا تطعموا محمداً وأصحابه حتى تصيبهم مجاعة فيتركوا نبيهم وفي قوله : { لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل } قال : قال ذلك عبدالله بن أبيّ رأس المنافقين وأناس معه من المنافقين . وأخرج سعيد بن منصور والبخاري ومسلم والترمذي وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبدالله قال : " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة ، قال سفيان : يرون أنها غزوة بني المصطلق ، فكسع رجل من المنافقين رجلاً من الأنصار فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما بال دعوى الجاهلية ؟ قالوا : رجل من المهاجرين كسع رجلاً من الأنصار . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعوها فإنها منتنة " فسمع ذلك عبدالله بن أبيّ ، فقال : أو قد فعلوها ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه " زاد الترمذي ، فقال له ابن عبدالله : والله لا تنقلب حتى تَقِرَّ أنك الذليل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم العزيز ففعل " . وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان بين غلام من الأنصار وغلام من بني غفار في الطريق كلام ، فقال عبدالله بن أبيّ : هنيئاً ، لكم بأس ، هنيئاً جمعتم سوّاق الحجيج من مزينة وجهينة فغلبوكم على ثماركم ، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال : لما حضر عبدالله بن أبيّ الموت قال ابن عباس رضي الله عنهما : فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجرى بينهما كلام ، فقال له عبدالله بن أبيّ : قد أفقه ما تقول ، ولكن منَّ عليَّ اليوم وكفّنّي بقميصك هذا وصلّ عليّ . قال ابن عباس رضي الله عنهما : فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقميصه ، وصلى عليه والله أعلم أي صلاة كانت ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يخدع إنساناً قط ، غير أنه قال يوم الحديبية كلمة حسنة ، فسئل عكرمة رضي الله عنه ما هذه الكلمة ؟ قال : قالت له قريش : يا أبا حباب إنا قد منعنا محمداً طواف هذا البيت ، ولكنا نأذن لك ، فقال : لا لي في رسول الله أسوة حسنة . قال : فلما بلغوا المدينة أخذ ابنه السيف ثم قال لوالده : أنت تزعم لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، والله لا تدخلها حتى يأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأخرج الحميدي في مسنده عن أبي هارون المدني قال : قال عبدالله بن عبدالله بن أبيّ لأبيه : والله لا تدخل المدينة أبداً حتى تقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الأعز وأنا الأذل . وأخرج الطبراني عن أسامة بن زيد رضي الله عنه : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني المصطلق قام عبدالله بن عبدالله بن أبيّ فسلّ على أبيه السيف ، وقال : والله عليّ أن لا أغمده حتى تقول : محمد الأعز وأنا الأذل . فقال : ويلك محمد الأعز وأنا الأذل . فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعجبته ، وشكرها له . وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : لما قدموا المدينة سلّ عبدالله بن عبدالله بن أبيّ على أبيه السيف وقال : لأضربنك أو تقول : أنا الأذل ومحمد الأعز . فلم يبرح حتى قال ذلك . وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة بن الزبير رضي الله عنه " أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق لما أتوا المنزل كان بين غلمان من المهاجرين وغلمان من الأنصار ، فقال غلمان من المهاجرين : يا للمهاجرين ، وقال غلمان من الأنصار : يا للأنصار ، فبلغ ذلك عبدالله بن أبيّ بن سلول فقال : أما والله لو أنهم لم ينفقوا عليهم انفضوا من حوله ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر بالرحيل ، فأدرك ركباً من بني عبد الأشهل في المسير ، فقال لهم : " ألم تعلموا ما قال المنافق عبدالله بن أبي ؟ " قالوا : وماذا قال : يا رسول الله ؟ قال : " قال أما والله لو لم تنفقوا عليهم لانفضوا من حوله ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " قالوا : صدق يا رسول الله ، فأنت والله الأعز العزيز وهو الذليل " . وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معسكراً وأن رجلاً من قريش كان بينه وبين رجل من الأنصار كلام حتى اشتد الأمر بينهما ، فبلغ ذلك عبدالله بن أبيّ ، فخرج فنادى : غلبني على قومي من لا قوم له ، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فأخذ سيفه ثم خرج عامداً ليضربه ، فذكر هذه الآية { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } [ الحجرات : 1 ] فرجع حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما لك يا عمر ؟ قال : العجب من ذلك المنافق ، يقول غلبني على قومي من لا قوم له ، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال النبي صلى الله عليه وسلم : قم فناد في الناس يرتحلوا ، فارتحلوا فساروا حتى إذا كان بينهم وبين المدينة مسيرة ليلة ، فعجل عبدالله بن عبدالله بن أبيّ حتى أناخ بجامع طرق المدينة ، ودخل الناس حتى جاء أبوه عبدالله بن أبيّ فقال : وراءك . فقال : ما لك ويلك ؟ قال : والله لا تدخلها أبداً إلا أن يأذن رسول الله ، وليعلمن اليوم من الأعز من الأذل . فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكا إليه ما صنع ابنه . فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن خلِّ عنه حتى يدخل ففعل ، فلم يلبثوا إلا أياماً قلائل حتى اشتكى عبدالله فاشتد وجعه فقال لابنه عبدالله : يا بني ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه فإنك إذ أنت طلبت ذلك إليه فعل . ففعل ابنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يا رسول إن عبدالله بن أبيّ شديد الوجع ، وقد طلب إليّ أن آتيك فتأتيه فإنه قد اشتاق إلى لقائك ، فأخذ نعليه فقام ، وقام معه نفر من أصحابه حتى دخلوا عليه ، فقال لأهله حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم : أجلسوني ، فأجلسوه فبكى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أجزعاً يا عدو الله الآن ؟ فقال : يا رسول الله إني لم أدعك لتؤنبني ، ولكن دعوتك لترحمني ، فاغرورقت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما حاجتك ؟ قال : حاجتي إذا أنا مت أن تشهد غسلي وتكفني في ثلاثة أثواب من ثيابك ، وتمشي مع جنازتي ، وتصلي عليّ . ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية بعد { ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره } [ التوبة : 84 ] " .