Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 15-17)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَٱسْتَفْتَحُواْ } أي استنصروا الله على أعدائهم كقوله تعالى : { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ ٱلْفَتْحُ } [ الأنفال : 19 ] أو استحكموا وسألوه القضاءَ بـينهم من الفتاحة وهي الحكومةُ كقوله تعالى : { رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقّ } [ الأعراف : 89 ] فالضميرُ للرسل ، وقيل : للفريقين فإنهم سألوا أن يُنصَر المحِقُّ ويهلَك المبطل ، وهو معطوفٌ على أوحىٰ إليهم وقرىء بلفظ الأمرِ عطفاً على لنهلكن الظالمين ، أي أوحىٰ إليهم ربهم لنُهلِكَنّ ، وقال لهم : استفتِحوا { وَخَابَ } أي خسِر وهلك { كُلّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } متّصفٍ بضد ما اتصف به المتقون ، أي فنُصروا عنداستفتاحِهم وظفِروا بما سألوا وأفلحوا وخاب كلُّ جبارٍ عنيد ، وهم قومُهم المعاندون فالخيبةُ بمعنى مطلقِ الحِرمان عن المطلوب ، أو ذلك باعتبار أنهم كانوا يزعُمون أنهم على الحق ، أو استفتح الكفارُ على الرسل وخابوا ولم يُفلحوا ، وإنما قيل : وخاب كلُّ جبار عنيد ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالتجبّر والعِناد لا أن بعضَهم ليسوا كذلك وأنه لم يُصبْهم الخيبةُ ، أو استفتحوا جميعاً فنُصر الرسلُ وأُنجِز لهم الوعدُ وخاب كلّ عاتٍ متمردٍ ، فالخيبةُ بمعنى الحرمان غِبَّ الطلب ، وفي إسناد الخيبةِ إلى كل منهم ما لا يخفى من المبالغة . { مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } أي بـين يديه فإنه مُرصَدٌ لها واقفٌ على شفيرها في الدنيا مبعوثٌ إليها في الآخرة ، وقيل : من وراء حياتِه وحقيقتِه ما توارى عنك { وَيُسْقَىٰ } معطوف على مقدر جواباً عن سؤال سائلٍ ، كأنه قيل : فماذا يكون إذن ؟ فقيل : يلقى فيها ويُسقى { مِن مَّاء } مخصوصٍ لا كالمياه المعهودة { صَدِيدٍ } وهو قيحٌ أو دمٌ مختلط بمِدّة يسيل من الجرح ، قال مجاهد وغيره : هو ما يسيل من أجساد أهلِ النار ، وهو عطفُ بـيانٍ لما أُبهم أولاً ثم بُـيّن بالصديد تهويلاً لأمره وتخصيصُه بالذكر من بـين عذابِها يدور على أنه من أشدّ أنواعِه . { يَتَجَرَّعُهُ } قيل : هو صفةٌ لماءٍ أو حالٌ منه والأظهر أنه استئنافٌ مبنيٌّ على السؤال ، كأنه قيل : فماذا يفعل به ؟ فقيل : يتجرعه ، أي يتكلف جَرْعه مرة بعد أخرى لغلبة العطشِ واستيلاء الحرارة عليه { وَلاَ يَكَادُ يُسِيغُهُ } أي لا يقارب أن يسيغه فضلاً عن الإساغة بل يغَصّ به فيشربُه بعد اللتيا والتي جرعةً فيطول عذابُه تارةً بالحرارة والعطش وأخرى بشربه على تلك الحالِ ، فإن السَّوغَ انحدارُ الشراب في الحلق بسهولة وقَبولِ نفس ، ونفيُه لا يوجب نفيَ ما ذكر جميعاً ، وقيل : لا يكاد يدخُله في جوفه ، وعبّر عنه بالإساغة لما أنها المعهودةُ في الأشربة وهو حالٌ من فاعل يتجرّعه أو من مفعوله أو منهما جميعاً { وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ } أي أسبابُه من الشدائد { مّن كُلّ مَكَانٍ } ويُحيط به من جميع الجهات أو من كل مكان من جسده حتى من أصول شعرِه وإبهامِ رجله { وَمَا هُوَ بِمَيّتٍ } أي والحالُ أنه ليس بميت كما هو الظاهرُ من مجيء أسبابِه لا سيما من جميع الجهاتِ حتى لا يتألمُ بما غشِيه من أصناف المُوبقات { وَمِن وَرَائِهِ } من بـين يديه { عَذَابٍ غَلِيظٍ } يستقبل كلَّ وقت عذاباً أشدَّ وأشق مما كان قبله ، ففيه دفعُ ما يُتوهم من الخِفّة بحسب الاعتيادِ كما في عذاب الدنيا ، وقيل : هو الخلودُ في النار ، وقيل : هو حبسُ الأنفاس ، وقيل : المرادُ بالاستفتاح والخيبةِ استسقاءُ أهلِ مكةَ في سِنيهم التي أرسلها الله تعالى عليهم بدعوته عليه الصلاة والسلام وخيبتهم في ذلك ، وقد وعَد لهم بدلَ ذلك صديدَ أهل النار .