Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 38-39)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ } من الحاجات وغيرِها ، والمرادُ بما نُخفي ما يقابل ما نعلن سواءٌ تعلق به الإخفاءُ أو لا ، أي تعلم ما نظهره وما لا نظهره فإن علمَه تعالى متعلّقٌ بما لا يخطُر بباله مما فيه من الأحوال الخفية فضلاً عن إخفائه ، وتقديمُ ما نخفي على ما نعلن لتحقيق المساواةِ بـينهما في تعلق العلم بهما على أبلغ وجهٍ فكأن تعلقه بما يخفىٰ أقدمُ منه بما يُعلن ، أو لأن مرتبة السرِّ والخفاءِ متقدمةٌ على مرتبة العلن إذ ما من شيء يُعلن إلا وهو قبل ذلك خفيٌّ فتعلقُ علمِه سبحانه بحالته الأولى أقدمُ من تعلقه بحالته الثانية ، وقصدُه عليه السلام أن إظهارَ هذه الحاجات وما هو من مباديها وتتماتها ليس لكونها غيرَ معلومةٍ لك ، بل إنما هو لإظهار العبوديةِ والتخشّعِ لعظمتك ، والتذلّل لعزتك ، وعرضِ الافتقارِ إلى ما عندك ، والاستعجالِ لنيل أياديك . وتكريرُ النداءِ للمبالغة في الضراعة والابتهال ، وضميرُ الجماعة لأن المرادَ ليس مجردَ علمِه تعالى بسرِّه وعلنه بل بجميع خفايا المُلك والملَكوت وقد حققه بقوله على وجه الاعتراض ـ : { وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَىْء فَى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى ٱلسَّمَاء } لما أنه العالمُ بالذات فما من أمر يدخُل تحت الوجود كائناً ما كان في زمان من الأزمان إلا ووجودُه في ذاته علمٌ بالنسبة إليه سبحانه ، وإنما قال : وما يخفي على الله الخ ، دون أن يقول : ويعلم ما في السموات والأرض تحقيقاً لما عناه بقوله : تعلم ما نخفي من أن علمَه تعالى بذلك ليس على وجه يكون فيه شائبةُ خفاءٍ بالنسبة إلى علمه تعالى كما يكون ذلك بالنسبة إلى علوم المخلوقاتِ ، وكلمةُ في متعلقةٌ بمحذوف وقع صفةً لشيءٍ ، أي من شيء كائنٍ فيهما ، أعمُّ من أن يكون ذلك على وجه الاستقرار فيهما ، أو على وجه الجزئيةِ منهما أو بـيخفىٰ ، وتقديمُ الأرض على السماء مع توسيط لا بـينهما باعتبار القربِ والبعدِ منا المستدعِيَـين للتفاوت بالنسبة إلى علومنا ، والالتفاتُ من الخطاب إلى اسم الذاتِ المستجمعةِ للصفات لتربـية المهابةِ والإشعارِ بعلة الحُكمِ على نهج قوله تعالى : { أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ } [ الملك : 14 ] والإيذانِ بعمومه لأنه ليس بشأن يُختص به أو بمن يتعلق به ، بل شاملٌ لجميع الأشياء فالمناسبُ ذكرُه تعالى بعنوان مصحِّحٍ لمبدإ الكلّ ، وقيل : هو من كلام الله عز وجل وارد بطريق الاعتراض لتصديقه عليه السلام كقوله سبحانه : { وَكَذٰلِكَ يَفْعَلُونَ } ومن للاستغراق على الوجهين . { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ } أي مع كِبَري ويأسي عن الولد ، قيّد الهبةَ به استعظاماً للنعمة وإظهاراً لشكرها { إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } رُوي أنه وُلد له إسماعيلُ وهو ابنُ تسعٍ وتسعين سنة ، وولد له إسحاقُ وهو ابن مائةٍ واثنتي عشرة سنة أو مائة وسبعَ عشرة سنة . { إِنَّ رَبّى } ومالكَ أمري { لَسَمِيعُ ٱلدُّعَاء } لمجيبُه ، من قولهم : سمِع الملكُ كلامَه إذا اعتدّ به ، وهي من أبنية المبالغةِ العاملة عمَلَ الفعل أُضيف إلى مفعولِه أو فاعلِه بإسناد السماعِ إلى دعاء الله تعالى مجازاً ، وهو مع كونه من تتمة الحمدِ والشكر إذ هو وصفٌ له تعالى بأن ذلك الجميلَ سنّته المستمرّةُ تعليلٌ على طريقة التذيـيل للهبة المذكورة ، وفيه إيذانٌ بتضاعف النعمة فيها حيث وقعت بعد الدعاءِ بقوله : { رَبّ هَبْ لِى مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينِ } [ الصافات : 100 ] فاقترنت الهبةُ بقبول الدعوةِ ، وتوحيدُ ضمير المتكلم وإن كان عَقيبَ ذكرِ هبتهما لما أن نعمةَ الهبةِ فائضةٌ عليه خاصة وهما من النعم لا من المنعَم عليهم .