Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 44-44)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ } خطابٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إعلامِه أن تأخيرَهم لماذا ، وأمرٌ له بإنذارهم وتخويفِهم منه ، والمرادُ بالناس الكفارُ المعبّرُ عنهم بالظالمين كما يقتضيه ظاهرُ إتيانِ العذاب ، والعدولُ إليه من الإضمار للإشعار بأن المرادَ بالإنذار هو الزجرُ عما هم عليه من الظلم شفقةً عليهم لا التخويفُ للانزعاج والإيذاء ، فالمناسبُ عدمُ ذكرِهم بعنوان الظلمِ ، أو الناسُ جميعاً فإن الإنذارَ عام للفريقين كقوله تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِكْرَ } [ يس : 11 ] والإتيانُ يُعمّهما من حيث كونُهما في الموقف وإن كان لحوقُه بالكفار خاصةً ، أي أنذِرهم وخوِّفهم { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ } المعهودُ وهو اليوم الذي وُصف بما لا يوصف من الأوصاف الهائلةِ أعني يومَ القيامة ، وقيل : هو يومُ موتِهم معذَّبـين بالسكَرات ولقاءِ الملائكة بلا بشرى ، أو يومُ هلاكِهم بالعذاب العاجلِ ، ويأباه القصرُ السابق { فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } أي فيقولون ، والعدولُ عنه إلى ما عليه النظمُ الكريم للتسجيل عليهم بالظلم وللإشعار بأن ما لقُوه من الشدة إنما هو لظلمهم ، وإيثارُه على صيغة الفاعل حسبما ذكر ، أو لا للإيذان بأن الظلمَ في الجملة كافٍ في الإفضاء إلى ما ذكر من الأهوال من غير حاجةٍ إلى الاستمرار عليه كما ينبىء عنه صيغةُ الفاعلِ ، وعلى تقدير كونِ المرادِ بالناس مَنْ يعمّ المسلمين أيضاً فالمعنى الذين ظلموا منهم وهم الكفارُ ، أو يقول : كلُّ من ظلم بالشرك والتكذيب من المنذَرين وغيرِهم من الأمم الخاليةِ فإن إتيانَ العذاب يعُمهم كما يشعر بذلك وعدُهم باتباع الرسل . { رَبَّنَا أَخّرْنَا } رُدَّنا إلى الدنيا وأمهلنا { إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } إلى أمد وحدَ من الزمان قريب { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ } أي الدعوةَ إليك وإلى توحيدك أو دعوتَك لنا على ألسنة الرسلِ ، ففيه إيماءٌ إلى أنه صدّقوهم في أنهم مرسَلون من عند الله تعالى { وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } فيما جاءونا به أي نتدارك ما فرّطنا فيه من إجابة الدعوةِ واتّباع الرسل ، والجمعُ إما باعتبار اتفاقِ الجميعِ على التوحيد وكونِ عصيانهم للرسول صلى الله عليه وسلم عصيانا لهم جميعاً ، وإما باعتبار أن المحْكيَّ ظالمو الأمم جميعاً والمقصودُ بـيانُ وعدِ كل أمة باتباع رسولِها ، { أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ } على إضمار القولِ معطوفاً على ( فيقول ) أي فيقال لهم توبـيخاً وتبكيتاً : ألم تؤخَّروا في الدنيا ولم تكونوا أقسمتم إذ ذاك بألسنتكم بطراً وأشرَاً وجهلاً وسفهاً { مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ } مما أنتم عليه من التمتع بالحظوظ الدنيوية أو بألسنة الحال حيث بنيتم مَشيداً وأمّلتم بعيداً ولم تحدّثوا أنفسكم بالانتقال منها إلى هذه الحالة ، وفيه إشعارٌ بامتداد زمانِ التأخير وبُعد مداه أو ما لكم من زوال من هذه الدار إلى دار أخرى للجزاء كقوله تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ لاَ يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ } [ النحل : 38 ] وصيغةُ الخطاب في جواب القسم لمراعاة حالِ الخطاب في أقسمتم كما في قوله : حلف بالله ليخرُجَن ، وهو أدخلُ في التوبـيخ من أن يقال : ما لنا مراعاةً لحال المُقسِم . ذكر البـيهقيُّ عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : لأهل النار خمسُ دعَوات يجيبهم الله تعالى في أربع منها فإذا كانت الخامسةُ لم يتكلموا بعدها أبداً يقولون : { رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ } [ غافر : 11 ] فيجيبهم الله تعالى : { ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ فَٱلْحُكْمُ للَّهِ ٱلْعَلِـىّ ٱلْكَبِيرِ } [ غافر : 12 ] ثم يقولون : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ } [ السجدة : 12 ] فيجيبهم الله تعالى : { فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا } [ السجدة : 14 ] الآية ، ثم يقولون : { رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ } فيجيبهم الله تعالى : { أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ } الآية ، ثم يقولون : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] فيجيبهم الله تعالى : { أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } [ فاطر : 37 ] فيقولون : { رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ } [ المؤمنون : 106 ] فيجيبهم الله تعالى : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] فلا يتكلمون بعدها أبداً ، إن هو إلا زفيرٌ وشهيق وعند ذلك انقطع رجاؤُهم وأقبل بعضهم ينبَح في وجه بعض وأطبقت عليهم جهنمُ ، اللهم إنا بك نعوذ وبكنفك نلوذ عز جارُك وجل ثناؤُك ولا إلٰهَ غيرُك .