Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 48-49)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ } استفهامٌ إنكاريّ ، وقرىء على صيغة الخِطاب والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقامُ أي ألم ينظروا ولم يرَوا متوجهين { إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَىْء } أي من كل شيء { يَتَفَيَّأُ ظِلَـٰلهُ } أي يرجِع شيئاً فشيئاً حسبما يقتضيه إرادةُ الخالق تعالى ، فإن التفيّؤَ مطاوِعُ الإفاءةِ ، وقرىء بتأنيث الفعل { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ } أي ألم يرَوا الأشياءَ التي لها ظلالٌ متفيِّئةٌ عن أيْمانها وشمائلِها أي عن جانبـي كل واحد منها ، استُعير لهما ذلك من يمين الإنسانِ وشمالِه { سُجَّدًا لِلَّهِ } حالٌ من الظلال كقوله تعالى : { وَظِلَـٰلُهُم بِٱلْغُدُوّ وَٱلآصَالِ } [ الرعد ، الآية 15 ] والمرادُ بسجودها تصرّفُها على مشيئة الله وتأتّيها لإرادته تعالى في الامتداد والتقلصِ وغيرِهما غيرَ ممتنعةٍ عليه فيما سخرها له ، وقوله تعالى : { وَهُمْ دٰخِرُونَ } أي صاغرون منقادون ، حال من الضمير في ظلاله والجمعُ باعتبار المعنى وإيرادُ الصيغةِ الخاصة بالعقلاء لما أن الدخورَ من خصائصهم ، والمعنى ترجِع الظلالُ من جانب إلى جانب بارتفاع الشمس وانحدارِها أو باختلاف مشارقِها ومغاربها فإنها كلَّ يوم من أيام السنة تتحرك على مدار معينٍ من المدارات اليومية بتقدير العزيزِ العليم ، منقادةٌ لما قُدّر لها من التفيّؤ أو واقعةٌ على الأرض ملتصقةٌ بها على هيئة الساجد ، والحالُ أن أصحابها من الأجرام داخرةٌ منقادةٌ لحكمه تعالى ، ووصفُها بالدخور مغنٍ عن وصف ظلالِها به ، وكلاهما حالٌ من الضمير المشار إليه ، والمعنى ترجع ظلالُ تلك الأجرامِ حالَ كونها منقادةً لله تعالى داخرةً ، فوصفُها بهما مغنٍ عن وصف ظلالِها بهما ، ولعل المرادَ بالموصول الجماداتُ من الجبال والأشجارِ والأحجارِ التي لا يظهر لظلالها أثرٌ سوى التفيّؤِ بما ذُكر من ارتفاع الشمسِ وانحدارِها أو اختلافِ مشارقها ومغاربها ، وأما الحيوانُ فظلُّه يتحرك بتحركه ، وقيل : المرادُ باليمين والشمائل يمينُ الفَلكِ وهو جانبُه الشرقيُّ لأن الكواكبَ منه تظهر آخذةً في الارتفاع والسطوعِ ، وشمالُه وهو جانبُه الغربـيُّ المقابل له فإن الظلال في أول النهار تبتدىء من الشرق واقعةً على الرُّبع الغربـي من الأرض ، وعند الزوالِ تبتدىء من الغرب واقعةً على الربع الشرقي منها ، وبعد ما بُـيّن سجودُ الظلالِ وأصحابِها من الأجرام السفلية الثابتة في أخبارها ودخورُها له سبحانه وتعالى شُرع في بـيان سجودِ المخلوقات المتحركة بالإرادة سواء كانت لها ظلال أو لا فقيل : { وَلِلَّهِ يَسْجُدُ } أي له تعالى وحده يخضع وينقاد لا لشيء غيرِه استقلالاً أو اشتراكاً ، فالقصرُ ينتظم القلبَ والإفراد إلا أن الأنسب بحال المخاطبـين قصرُ الإفراد كما يؤذن به قوله تعالى : { وَقَالَ ٱللَّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـٰهَيْنِ ٱثْنَيْنِ } [ النحل ، الآية 51 ] { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ } قاطبة { وَمَا فِى ٱلأَرْضِ } كائناً ما كان { مِن دَابَّةٍ } بـيانٌ لما في الأرض ، وتقديمُه لقلته ولئلا يقعَ بـين المبـين والمبـين فصلٌ ، والإفرادُ مع أن المرادَ الجمعُ لإفادة وضوحِ شمولِ السجود لكل فرد من الدواب . قال الأخفش : هو كقولك : « ما أَتَانِي من رَجُلٍ مثلِه وما أتاني من الرجال مثلُه » { وَٱلْمَلَـئِكَةُ } عطف على ما في السموات عطفَ جبريلَ على الملائكة تعظيماً وإجلالاً ، أو على أن يراد بما في السموات الخلْقُ الذي يقال له الروح ، أو يراد به ملائكةُ السموات ، وبقوله : والملائكةُ ملائكةُ الأرض من الحفَظة وغيرِهم { وَهُمْ } أي الملائكةُ مع علو شأنِهم { لاَ يَسْتَكْبِرُونَ } عن عبادته عز وجل والسجود له ، وتقديمُ الضمير ليس للقصر ، والجملةُ إما حالٌ من ضمير الفاعل في يسجد مسندٌ إلى الملائكة أو استئنافٌ أخبر عنهم بذلك .