Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 44-46)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ تُسَبّحُ } بالفَوقانية ، وقرىء بالتَّحتانية ، وقرىء سبّحت { لَهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ ٱلسَّبْعُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ } من الملائكة والثقلين ، على أن المرادَ بالتسبـيح معنًى منتظمٌ لما ينطِق به لسانُ المقال ولسانُ الحال بطريق عمومِ المجاز { وَإِن مّن شَىْء } من الأشياء حيواناً كان أو نباتاً أو جماداً { إِلاَّ يُسَبّحُ } ملتبساً { بِحَمْدِهِ } أي ينزِّهه تعالى بلسان الحالِ عما لا يليق بذاته الأقدسِ من لوازم الإمكانِ ولواحقِ الحدوثِ ، إذ ما من موجود إلا وهو بإمكانه وحدوثِه يدل دَلالةً واضحة على أن له صانعاً عليماً قادراً حكيماً واجباً لذاته قطعاً للسَّلْسلة { وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } أيها المشركون لإخلالكم بالنظر الصحيحِ الذي به يفهم ذلك ، وقرىء لا يُفَقَّهون على صيغة المبني للمفعول من باب التفعيل { إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا } ولذلك لم يعاجلْكم بالعقوبة مع ما أنتم عليه من موجباتها من الإعراض عن التدبر في الدلائل الواضحةِ الدالةِ على التوحيد ، والانهماك في الكفر والإشراكِ { غَفُوراً } لمن تاب منكم . { وَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرءانَ } الناطقَ بالتسبـيح والتنزيهِ ودعوتَهم إلى العمل بما فيه من التوحيد ورفضِ الشرك وغيرِ ذلك من الشرائع { جَعَلْنَا } بقدرتنا ومشيئتنا المبنيةِ على دواعي الحِكَم الخفية { بَيْنَكَ وَبَيْنَ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ } أُوثر الموصولُ على الضمير ذمًّا لهم بما في حيز الصلة ، وإنما خُصَّ بالذكر كفرُهم بالآخرة من بـين سائرِ ما كفروا به من التوحيد ونحوِه دَلالةً على أنها مُعظمُ ما أُمروا بالإيمان به في القرآن ، وتمهيداً لما سينقل عنهم من إنكار البعثِ واستعجالِه ونحو ذلك { حِجَاباً } يحجبهم من أن يدركوك على ما أنت عليه من النبوة ويفهموا قدرَك الجليلَ ، ولذلك اجترأوا على تفوّه العظيمة التي هي قولُهم : { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا } [ الإسراء ، الآية 47 ] وحَمْلُ الحجاب على ما روي عن أسماءَ بنت أبـي بكر رضي الله عنه من أنه " لما نزلت سورةُ ( تبّت ) أقبلت العوراءُ أمُّ جميل امرأةُ أبـي لهبٍ وفي يدها فِهْرٌ والنبـيُّ عليه الصلاة والسلام قاعد في المسجد ومعه أبو بكر رضي الله عنه ، فلما رآها قال : يا رسول الله ، لقد أقبلت هذه وأخاف أن تراك ، قال عليه الصلاة والسلام : « إنها لن تراني » وقرأ قرآناً فوقفت على أبـي بكر رضي الله عنه ولم تَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم " مما لا يقبله الذوقُ السليم ولا يساعده النظمُ الكريم { مَّسْتُورًا } ذا سَتْرٍ كما في قولهم : سيلٌ مفعَمٌ ، أو مستوراً عن الحس بمعنى غيرَ حسيَ أو مستوراً في نفسه بحجاب آخرَ أو مستوراً كونُه حجاباً حيث لا يدرون أنهم لا يدرون . { وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً } أغطيةً كثيرة جمع كِنان { أَن يَفْقَهُوهُ } مفعولٌ لأجله أي كراهةَ أن يفقهوه ، أو مفعولٌ لما دل عليه الكلامُ أي منعناهم أن يقِفوا على كُنهه ويعرِفوا أنه من عند الله تعالى { وَفِيۤ آذَانِهِمْ وَقْراً } صمَماً وثِقلاً مانعاً من سماعه اللائِق به ، وهذه تمثيلاتٌ مُعرِبةٌ عن كمال جهلِهم بشؤون النبـيِّ عليه الصلاة والسلام وفرطِ نُبوِّ قلوبهم عن فهم القرآنِ الكريم ومجّ أسماعِهم له ، جيء بها بـياناً لعدم فقهِهم لتسبـيح لسانِ المقالِ إثرَ بـيانِ عدمِ فقههم لتسبـيح لسانِ الحال ، وإيذاناً بأن هذا التسبـيحَ من الظهور بحيث لا يُتصوَّرُ عدمُ فهمِه إلا لمانع قويَ يعتري المشاعرَ فيُبطُلها ، وتنبـيهاً على أن حالَهم هذا أقبحُ من حالهم السابق لا حكايةٌ لما قالوا : { قُلُوبُنَا فِى أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِى ءاذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ } [ فصلت ، الآية 5 ] كيف لا وقصدُهم بذلك إنما هو الإخبارُ بما اعتقدوه في حق القرآنِ والنبـيِّ عليه الصلاة والسلام جهلاً وكفراً من اتصافهما بأوصاف مانعةٍ من التصديق والإيمانِ ، ككون القرآنِ سحراً وشِعراً وأساطيرَ وقِسْ عليه حالَ النبـي عليه الصلاة والسلام ، لا الإخبارُ بأن هناك أمراً وراء ما أدركوه قد حال بـينهم وبـين إدراكه حائلٌ من قِبلهم . ولا ريب في أن ذلك المعنى مما لا يكاد يلائم المقام . { وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي ٱلْقُرْآنِ وَحْدَهُ } واحداً غيرَ مشفوعٍ به آلهتُهم ، وهو مصدرٌ وقع موقعَ الحال ، أصلُه يحد وحدَه { وَلَّوْاْ عَلَىٰ أَدْبَـٰرِهِمْ } أي هربوا ونفروا { نُفُورًا } أو ولَّوا نافرين .