Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 76-77)

Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } كلامٌ مستأنفٌ سيق لبـيان حال المهتدين إثرَ بـيانِ حال الضالين ، وقيل : عطفٌ على فليمدُدْ لأنه في معنى الخبر حسبما عرفته كأنه قيل : مَن كان في الضلالة يمُده الله ويزيد المهتدين هدايةً كقوله تعالى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى } [ محمد : 17 ] وقيل : عطفٌ على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بـين أن إمهالَ الكافر وتمتيعَه بالحياة ليس لفضله عقّب ذلك ببـيان أن قصورَ حظّ المؤمنِ منها ليس لنقصه ، بل لأنه تعالى أراد به ما هو خيرٌ من ذلك وقوله تعالى : { وَٱلْبَـٰقِيَاتُ ٱلصَّـٰلِحَاتُ خَيْرٌ } على تقديرَي الاستئنافِ والعطف كلامٌ مستأنفٌ وارد من جهته تعالى لبـيان فضل أعمالِ المهتدين غيرُ داخل في حيز الكلام الملقّن لقوله تعالى : { عِندَ رَبّكَ } أي الطاعات التي تبقى فوائدُها وتدوم عوائدُها ومن جملتها ما قيل من الصلوات الخمس ، وما قيل من قول : سبحان الله والحمد لله ولا إلٰه إلا الله والله أكبر خيرٌ عند الله تعالى ، والتعرضُ لعنوان الربوبـيةِ مع الإضافة إلى ضميره لتشريفه عليه السلام { ثَوَاباً } أي عائدةً مما يَتمتّع به الكفرةُ من النعم المُخدَجةِ الفانية التي يفتخرون بها لا سيما ومآلُها النعيمُ المقيمُ ، ومآلُ هذه الحسرةِ السرمدية والعذاب الأليم كما أشير إليه بقوله تعالى : { وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } أي مرِجعاً وعاقبةً ، وتكريرُ الخيرِ لمزيد الاعتناءِ ببـيان الخيريةِ وتأكيدٌ لها وفي التفصيل مع أن ما للكفرة بمعزل من أن يكون له خيريّةٌ في العاقبة تهكّمٌ بهم . { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي كَفَرَ بِـئَايَـٰتِنَا } أي بآياتنا التي من جملتها آياتُ البعث ، نزلت في العاص بنِ وائلٍ كان لخبّابٍ بنِ الأرتّ عليه مالٌ فاقتضاه فقال : لا ، حتى تكفرَ بمحمد ، قال : لا والله لا أكفرُ به حياً ولا ميْتاً ولا حين بُعِثتُ ، قال : فإذا بُعث جئني فيكونُ لي ثمّةَ مالٌ وولدٌ فأعطِيَك ، وفي رواية قال : لا أكفر به حتى يُميتك ثم تُبعثَ ، فقال : إني لميِّتٌ ثم مبعوثٌ ؟ قال : نعم ، قال : دعني حتى أموتَ وأُبعث فسأُوتىٰ مالاً وولداً فأقضيَك فنزلت . فالهمزةُ للتعجيب من حاله والإيذانِ بأنها من الغرابة والشناعةِ بحيث يجب أن تُرى ويُقضَى منها العجب ، ومن فرّق بـين ألم ترَ وأرأيتَ بعد بـيان اشتراكِهما في الاستعمال لقصد التعجيبِ بأن الأولَ يعلّق بنفس المتعجبِ منه ، فيقال : ألم ترَ إلى الذي صنع كذا بمعنى انظُرْ إليه فتعجَّبْ من حاله ، والثاني يعلّق بمثل المتعجَّب منه ، فيقال : أرأيتَ مثْلَ الذي صنع كذا بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يُرى له مِثْلٌ فقد حفِظ شيئاً وغابت عنه أشياءُ ، وكأنه ذهب عليه قوله عز وجل : { أَرَءيْتَ ٱلَّذِي يُكَذّبُ بِٱلدّينِ } [ الماعون : 1 ] والفاءُ للعطف على مقدّر يقتضيه المقام أي أنظَرْتَ فرأيتَ الذي كفر بآياتنا الباهرةِ التي حقُّها أن يؤمِنَ بها كلُّ من يشاهدها { وَقَالَ } مستهزئاً بها مصدّراً لكلامه باليمين الفاجرةِ : والله { لأُوتَيَنَّ } في الآخرة { مَالاً وَوَلَدًا } أي انظُر إليه فتعجّبْ من حالته البديعةِ وجُرْأتِه الشنيعة ، هذا هو الذي يستدعيه جزالةُ النظمِ الكريم وقد قيل : إن أرأيت بمعنى أخبِرْ والفاءُ على أصلها والمعنى أخبِرْ بقصة هذا الكافرِ عقيبَ حديثِ أولئك الذين قالوا : { أَىُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً } الآية ، وأنت خبـيرٌ بأن المشهورَ استعمالُ أرأيت في معنى أخبرني بطريق الاستفهامِ جارياً على أصله أو مُخْرَجاً إلى ما يناسبه من المعاني لا بطريق الأمر بالإخبار لغيره ، وقرىء وُلْداً على أنه جمع وَلد كأُسْد جمعُ أسد أو على لغة فيه كالعُرْب والعَرَب .