Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 19, Ayat: 91-96)
Tafsir: Iršād al-ʿaql as-salīm ilā mazāyā al-kitāb al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } منصوبٌ على حذف اللام المتعلقةِ بتكاد أو مجرورٌ بإضمارها ، أي تكاد السموات يتفطرّن والأرضُ تنشق والجبالُ تخِرّ لأَن دعَوا له سبحانه ولداً ، وقيل : اللامُ متعلقةٌ بهدًّا ، وقيل : الجملةُ بدلٌ من الضمير المجرورِ في منه كما في قوله : [ الطويل ] @ [ على حالةٍ لو أن في القوم حاتماً ] على جوده لضنّ بالماء حاتِمُ @@ وقيل : خبرُ مبتدأ محذوفٍ أي الموجبُ لذلك أنْ دعوا الخ ، وقيل : فاعلُ هدًّا أي هدّها دُعاءُ الولد ، والأولُ هو الأولى ودعَوا من دعا بمعنى سمَّى المتعدّي إلى مفعولين ، وقد اقتُصر على ثانيهما ليتناولَ كل ما دُعيَ له ولداً ، أو من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعُه ادّعى إلى فلان أي انتسب إليه وقوله تعالى : { وَمَا يَنبَغِى لِلرَّحْمَـٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } حالٌ من فاعل قالوا أو دعَوا ، مقرّرةٌ لبطلان مقالتهم واستحالةِ تحقق مضمونها ، أي قالوا : اتخذ الرحمٰنُ ولداً أو أنْ دَعوا للرحمٰن ولداً ، والحال أنه ما يليق به تعالى اتخاذُ الولد ولا يُتطلب له لو طُلب مثلاً لاستحالته في نفسه ، ووضعُ الرحمٰن موضع الضمير للإشعار بعلة الحُكم بالتنبـيه على أن كل ما سواه تعالى إما نعمةٌ أو مُنعَمٌ عليه ، فكيف يتسنى أن يجانس من هو مبدأُ النعمِ ومولى أصولِها وفروعِها حتى يتوهَّم أن يتخذه ولداً ؟ وقد صرح له قومٌ به عز قائلاً : { إِن كُلُّ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي ما منهم أحدٌ من الملائكة والثقلين { إِلاَّ اتِى ٱلرَّحْمَـٰنِ عَبْداً } إلا وهو مملوكٌ له يأوي إليه بالعبودية والانقيادِ ، وقرىء آتٍ الرحمٰنَ على الأصل { لَّقَدْ أَحْصَـٰهُمْ } أي حصَرهم وأحاط بهم بحيث لا يكاد يخرج منهم أحدٌ من حِيطة علمِه وقبضة قدرتِه وملكوتِه { وَعَدَّهُمْ عَدّاً } أي عد أشخاصَهم وأنفاسَهم وأفعالَهم وكلُّ شيء عنده بمقدار { وَكُلُّهُمْ ءاتِيهِ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فَرْداً } أي كلُّ واحدٍ منهم آتٍ إياه تعالى منفرداً من الأتباع والأنصار ، وفي صيغة الفاعلِ من الدِلالة على إتيانهم كذلك البتةَ ما ليس في صيغة المضارعِ لو قيل : يأتيه ، فإذا كان شأنُه تعالى وشأنُهم كما ذكر فأنى يُتوهم احتمالُ أن يتخذ شيئاً منهم ولداً { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ } لما فُصّلت قبائحُ أحوالِ الكفرة عُقّب ذلك بذكر محاسنِ أحوالِ المؤمنين { سَيَجْعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وُدّاً } أي سيُحدث لهم في القلوب مودّةً من غير تعرضٍ منهم لأسبابها سوى ما لهم من الإيمان والعملِ الصالحِ ، والتعرضُ لعنوان الرحمانيةِ لِما أن الموعودَ من آثارها . وعن النبـي عليه الصلاة والسلام : " إذا أحبّ الله عبداً يقول لجبريلَ عليه السلام : إني أحبُّ فلاناً فأحِبَّه ، فيُحِبّه جبريلُ ثم ينادي في أهل السماء : إن الله أحب فلاناً فأحِبُّوه ، فيحبه أهلُ السماء ثم يوضع له المحبةُ في الأرض " والسينُ لأن السورةَ مكيةٌ وكانوا إذ ذاك ممقوتين بـين الكفرة فوعدهم ذلك ثم أنجزه حين ربا الإسلامُ ، أو لأن الموعودَ في القيامة حين تُعرض حسناتُهم على رؤوس الأشهاد فينزع ما في صدورهم من الغِلّ الذي كان في الدنيا ، ولعل إفرادَ هذا بالوعد من بـين ما سيُؤْتَون يوم القيامة من الكرامات السنية لِما أن الكفرةَ سيقع بـينهم يومئذ تباغضٌ وتضادٌّ وتقاطُعٌ وتلاعن .